الجمعة 19 ابريل 2024

حوار بين عَقْلين (2)

مقالات27-8-2021 | 10:07

هذا سؤال شائع بين المراهقين وطلاب الجامعات وكثيراً ما يفشل أولياء الأمور فى الرد على هذه النوعية من الأسئلة، أو يجيبون بشكل لا يتناسب مع الحوار العقلى الذى ينتظره الشاب التائه!

لماذا خلق الله الشر فى الكون وفى حياة الإنسان؟ وإذا كان قد خلق الشر وأوجده!! لماذا خلق الزلازل والسم والسرطان الخ؟!! وإذا لم يخلق الشر فهناك فى الكون أشياء لا يستطيع الله منعها! وإذا كان يستطيع منع الشر عن الناس فلماذا لم يمنعه؟

 

الجواب:

الله تعالى لم يأمر إلا بالعدل والمحبة والإحسان والعفو والخير، وقد قرر ذلك فى القرآن " قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ ۖ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (28) الاعراف.

فالله تعالى خلق الخير فى الكون وجعل معه مساحة فضاء أخري، عندما يفسد الانسان ويسيء التصرف ويُذهب الخير الذى خلقه الله!! تمتلىء هذه المساحة بالشر والمرض والشدائد.

وهذا مثل الليل والنهار، فالله تعالى خلق النور - نور الشمس - عندما يذهب نور الشمس يأتى الظلام ليملأ الفراغ.

ومساحة الفراغ هذه من مقتضيات حرية الإنسان التى ميزه الله بها عن سائر الخلق!

فلو لم توجد هذه المساحة لكان الإنسان مسيراً وليس مخيراً!

 

والله تعالى خلقنا أحراراً... والحريّة تقتضى أن توجد مساحة فى الحياة للخطأ!!.. ولا معنى للحرية دون أن يكون لنا حق التجربة فى عمل الحسنات وعمل السيئات والصواب والخطأ، وأن يختار الإنسان بحرية كاملة بين المعصية والطاعة.

وكان من الممكن أن يقهرنا الله على طاعته قهراً، ويسلب منا حرية الاختيار.

ولكن خلقنا مخيرين نخطيء ونتألم ونصيب ونتنعم، وهذا سبب جوهرى فى وجود مساحة يملؤها الانسان بالشر والضر.

فضلاً على أن الخير فى الوجود هو المساحة الأصلية، والشر بجانبه استثناء.

والصحة هى القاعدة الأساسية، والمرض استثناء.

بدليل أننا نقضى سنوات عمرنا فى صحة ولا يزورنا المرض إلا قليلاً.. وبالمثل الزلازل فى أعمار الأرض بضع دقائق وعمر الارض يحصى بالملايين من السنين.

 

إذاً المرض والضرر هو نتيجة طبيعية لغياب الخير والصحة الخ.

ولقد سمح الله بوقوع ذلك فى ملكه لأسباب:

 

فالمرض تنتج عنه الوقاية، فكم من الأمصال والأدوية عرفناها بسبب وجود الأمراض!

والألم يربى الصلابة والجلد فى الجنس الإنسانى، بل ويتكيف الكائن الحى بسببه فى بيئات متغيرة بدافع البقاء.

والزلازل تنفس الضغط المكبوت داخل الكرة الارضيّة، فتحتمى القشرة الأرضية من الإنفجار، وتعيد الجبال إلى أماكنها كأحزمة أمان للأرض.  وقد أشار القرآن لذلك بقوله تعالى " والجبال أوتادا " سورة النبأ: 7

والميكروبات التى نعترض على وجودها، يتم استخراج اللقاح منها، وكذلك الثعبان يخرج لنا الترياق.

 

فوجود الشر والألم فى الكون ضرورى لانه يؤدى دوراً مهماً لمعرفة الخير.

هل يمكن أن نعرف الصحة لولا المرض؟ وهل يمكن أن نعرف الجمال لولا القبح؟

يقول أبوحامد الغزالي: إن نقص الكون هو عين كماله.. مثل اعوجاج القوس هو عين صلاحه.

 

وهناك وظيفة أخرى للمشقة والآلام

أنها تفرز الناس ومعادنهم، الطائع من العاصى والصالح من الفاسد.

 

وهناك حقيقة ينبغى تدبرها، ألا وهي: الدنيا ماهى إلا فصلٌ واحد من كتاب كبير كما قال د مصطفى محمود... إنها جزء من رحلة الانسان نهايته ليست بالموت، النهاية فى الدار الآخرة، فَلَو ضمنت فصل الحياة الدنيا مع فصل الحياة الآخرة، لقال لك العقل: لا ينبغى أن تحكم على كتاب من مجرد قراءة صفحة فى أوله!! - الحكم هنا ناقص -

فالدنيا فيها شر وألم لأنها دار تكليف وتخيير.. والآخرة دار حساب وجزاء.

- هل تريد أن تعيش حياة بلا موت؟! وتظل شاباً يافعاً دون أن تُصاب بالشيخوخة؟! وتعيش بلا أحزان وآلام؟

هذا كمال مطلق!!!... والكمال المطلق لله وحده.

والله خلق لنا الطعام والشراب، فأكل البعض فوق حاجتهم بنهم حتى جاءهم المرض، فأخذو يسبون الله والقدر؟!! رغم انهم هم الذين جلبو لأنفسهم المرض!!

وأجرى الله الرياح والماء فى البحار.. وقائد السفينة ملأها بحمولة فوق طاقتها فغرقت!!! فمضى يقول: الله هو الذى أغرق السفينة!! رغم أنه هو الذى تسبب فى ذلك.

القرآن الكريم أشار إلى ذلك المعنى والعرب كانت تشتبك مع رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم بمثل أسئلتك هذه، بقوله تعالي:

 ظَهَرَ الْفَسَادُ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِى عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41)﴾. [ سورة الروم ].