الخميس 25 ابريل 2024

موسى.. وعقدة الخواجة

مقالات24-8-2021 | 19:17

بدأت مسيرة المخرج بيتر ميمي السينمائية عام 2013 بفيلم متواضع المستوى بعنوان "سبوبة" من بطولة راندا البحيري وأحمد هاورن، ولم يحقق هذا الفيلم وقتها أي نجاح جماهيري أو نقدي يذكر، تلاه بعدة أفلام متواضعة المستوى مثل "سعيد كلاكيت"، "برد الشتا"، "حارة مزنوقة"، ولم تحقق نجاحاً يذكر هي الآخرى، إلى أن قدم عام 2016 فيلم "الهرم الرابع" وكان فيلماً ضعيفاً على المستوى الفني هو الآخر لكنه حقق نجاحاً تجارياً لا بأس به، فمنحه قليلاً من الاعتراف النقدي والجماهيري مما جعل شركة "فنون مصر" تقدم تسند له تقديم الجزء الأول من مسلسل (الأب الروحي) الذي عرض مطلع عام 2017 وبالفعل حقق المسلسل وقتها نجاحاً كبيراً.

وبالتزامن مع مع عرض المسلسل عرض له في شاشات السينما فيلمه السادس "القرد بيتكلم" والذي كان في رأيي أول فيلم جيد الصنع يقدمه كمخرج، ولاقى الفيلم نجاحاً جماهيرياً كبيراً، وكان على قمة الإيرادات في الموسم الذي عرض فيه، إلا أنه تراجع مرة آخرى في فيلمه السابع "عقدة الخواجة" من بطولة حسن الرداد الذي كان فيلماً ضعيفاً هو الآخر، ولكن يبدو أن عقدة الخواجة هذه صاحبت بيتر وهو يقدم أحدث أفلامه "موسى"، والذي تم الإعلان عن الانتهاء من تصويره منذ عام تقريباً، وقيل وقتها أنه سيكون أول فيلم روبوت مصري، ومن وقت صدور البرومو الرسمي في الأسابيع القليلة الماضية، توقع الكثيرون أن هذا الفيلمسيكون خطوة للأمام في طريق العالمية للسينما المصرية، وأننا أخيراً أصبحنا نستطيع عمل فيلم يقارب الأفلام الأمريكية في جودتها البصرية. 
ومع صدور البرومو الرسمي، فاجئ المخرج بيتر ميمي الجمهور بأن هذا الفيلم هو الفيلم الثاني من سلسلة المستضعفون التي ينوى تقديمها في عالم سينمائي كامل مكون من خمسة أفلام، والذي اتضح أن أول جزء فيها كان فيلم (الهرم الرابع). 
يحكي "موسى" حول الشاب يحيي الخياط الذي يدرس ميكاترونكس، ويعاني من تنمر بعض زملائه وأساتذته وليس لديه أصدقاء تقريباً ويعيش مع أبيه بعد وفاة أمه، في يوم يفاجئ أبيه بأن اخترع روبوت مصغر يستطيع التحكم فيه عن طريق النخاع الشوكي وأسماه موسى على اسم شقيقه الذى توفى في بطن أمه، وفي يوم يتفاجئ يحيي ووالده ببلطجية يقتحمون عليهما المنزل ويضرمون فيه النار ولأن يحيي شاب منطوى وضعيف يفشل في مواجهة البلطجية وهم يحرقون بيته ووالده حياً، فتتولد بداخله رغبة في الانتقام فيقوم بصنع نموذج أكبر من الروبوت موسى ليستطيع الانتقام من هؤلاء البلطجية، وأثناء ذلك يقوم أحد الشباب بتصوير ما يحدث خلسة ويضع الفيديو على الإنترنت فينتشر كالنار في الهشيم ويصبح الجميع في تساؤل حول ماهية الروبوت الذي ينقذ العالم من الشر، ومن هنا تنطلق أحداث الفيلم في إطار أكشن خيال علمي. 
كارثة الفيلم الأساسية هي السيناريو، لم يهتم المؤلف وهو بيتر ميمي أيضاً برسم أو توضيح تاريخ أي شخصية داخل في الفيلم بما فيها شخصية البطل، ما هو السبب الذي جعله شخصية منطوية؟ ما هي علاقته بأبيه وأمه في طفولته؟ كذلك البناء الضعيف تماماً لباقي شخصيات الفيلم، والتي جاءت تصرفاتها جميعاً بدون مبرر أو منطق وبالتالي غياب المنطق هذا هو ما صاحب بقية أحداث الفيلم وصولاً إلى تلك النهاية العجيبة التي وضعها بيتر ميمي في فيلمه، فالأحداث كانت تحدث لأن المخرج يريد ذلك دون وجود سبب منطقي يجعلها مقبولة أو محبوكة جيداً، كذلك تصميم المواقف والصعاب التي يمر بها البطل هو والروبوت الخاص به لم يبذل فيها مجهوداً واضحاً، أيضاً الإصرار على تقديم القصة عن طريق تقنية السرد المتوازي بشكل كان فيه استعراض عضلات من الكاتب أكثر من وجود مبرر درامي أو فني قوي يستدعي حكي القصة بهذا الشكل، كما تجدر الإشارة إلى عدم وجود شخصية شريرة قوية في جهة مقابلة للبطل كانت ممكن أن تزيد من حدة الصراع الذي يواجهه فكل الشخصيات التي كانت ممكن أن تقوم بهذا الدور جاءت باهتة وخطوطها الدرامية مبتورة مثل شخصية فارس التي جسدها إياد نصار وشخصية تاجر السلاح التي جسدها صبري فواز.  
هذا الضعف الشديد في رسم الشخصيات والحبكة انعكس بالطبع على الأداء التمثيلي في الفيلم الذي جاء باهتاً من الجميع بلا استثناء، مع ملاحظة أن جميع الأبطال لهم تاريخ في أعمال سابقة يشهد لهم أنهم ممثلون جيدون. 
على مستوى التجربة البصرية لم تكن الأمور أفضل حالاً، فتصميم مشاهد الأكشن والمطاردات لم تكن مبهرة بالشكل الكافي كما كان متوقعا، ولم تأت المشاهد مشبعة ولم تأخذ وقتها الحقيقي والمطلوب على الشاشة مثل مشهد اقتحام الروبوت للقطار أو مشهد إنقاذ الأطفال الأيتام، صحيح أن هناك اجتهاد واضح في تصميم روبوت موسى، لكنه لا يمكن منافسة السينما العالمية بأي حال من الأحوال وما زال أمامنا الكثير من الوقت والمجهود والميزانيات كي نصل إلى مستواهم. أيضاً لم يكن هناك أي مبرر لظهور أي ضيف شرف في الفيلم سوى وجود أسماء لنجوم فحسب، ولكن لم يتم استغلالهم على المستوى الفني أو حتى التجاري.  
كل تلك الأسباب السابقة هي ما جعلت أداء الفيلم مخيباً للآمال في شباك التذاكر إذ حقق في أسبوع عرضه الأول حوالى 6 ملايين جنيه، ليكون بذلك أقل الأفلام المعروضة على مستوى الإيرادات مقارنه بأن الأفلام المنافسة له حصدت ثلاثة أضعاف هذا الإيراد في أسبوعها الأول مثل (العارف) و(الإنس والنمس) على سبيل المثال. 
تلخيصاً فإن هذا الفيلم يعد خطوة للوراء وليس للأمام في مسيرة بيتر ميمي الفنية وإذ كان ينوي تقديم بقية أفلام سلسلة المستضعفون بنفس مستوى (الهرم الرابع) و(موسى) فمن الأفلام ألا يقدمها لأن ستكون مجرد تكرار باهت وسخيف للسينما الأمريكية، ومن الواضح أن هذا سببه أن بيتر ميمي يعاني من عقدة الخواجة التي سمى على اسمها فيلمه السابع، رغم أن مسيرة بيتر ميمي الفنية انطلقت بعده في أعمال سينمائية وتليفزيونية كان يتقدم فيها مستواه كمخرج بشكل لافت للإنتباه فقدم بعد ذلك في التليفزيون ثلاثية "كلبش" وثنائية "الاختيار" وفي السينما "حرب كرموز" و"كازابلانكا" مع أمير كرارة، كل تلك الأعمال حظت باستقبال نقدي وجماهيري حافل جعل كل أعماله التلفزيونية تحظى بنسب مشاهدة وإعلانات مرتفعة وأعماله السينمائية تحصد أعلى الإيرادات مما وضعه بلا شك في مصاف جيله من المخرجين. 

Dr.Randa
Dr.Radwa