السبت 20 ابريل 2024

محكى القلعة وقصة الطفولة للشباب

مقالات22-8-2021 | 12:17

اعتدت فى طفولتى مع تكرار السفرات للخارج بسبب طبيعة عمل والدى ارتيادنا كأسرة للعديد من الأماكن السياحية والأثرية والترفيهية، والقيام بتسجيل كل الذكريات بكاميرا الفيديو JVC خاصتنا والتى كانت تعد من قبيل الاختراعات التى يمكن للمرء الشرقى أن يمتلكها آنذاك، ولأننى ورثت تلك العادة عن والدى فى تسجيل كل ذكرياتنا فى الأماكن والمناسبات، حتى أننا صرنا نقوم بتحديث نوعيات الكاميرات التى نداوم على شراءها من آن لآخر، فبعد الكاميرا ذات القطعتين (الفيديو المحمول على الكتف والكاميرا الممسوكة باليد)، مروراً بالكاميرا Sony ذات الشرائط الـVHS، ثم الـ BetaCam المحمولة بكف اليد، والـ Digital Cam بكافة شرائحها وفقاً لدرجة وضوح الصورة الـ MegaPixel والقدرة التخزينية، وآخرهم التوجه نحو كاميرات المحترفين سواء نيكون أو كانون.

 

فعلى ما يبدو أننى اعتدت خاصية التسجيل فى ذاكرتى بشكل لإرادى جنباً إلى جانب التسجيل بالكاميرا، وللعجب أن ذاكرة المدى الطويل عندى تعد أقوى عشرات المرات من ذاكرة المدى القصير، ويمكننى التفسير بأن ذاكرة المدى الطويل تختص بمرحلة الطفولة الثرية الممتلئة بالكثير من التفاصيل الجميلة التى يرغب المرء فى تذكرها من آن لآخر، بل وسردها على سبيل استلهام بعضاً من الطاقة الإيجابية التى نفتقد حنكة تمريرها فى أيامنا تلك.

 ولأنه كلما مر رحيق محكى القلعة بجانبى وشممت عطره، استرجعت طواعية كل الذكريات الدافئة التى تربطنى به، فأنا الطفلة التى اعتدت فى نهاية الثمانينات وبداية التسعينيات ارتياد هذا المهرجان العتيق العظيم (خليط الثقافة والتاريخ والفن) مع بنات خالتى الأكبر مني، وبالطبع فأنا أدين لهما بالولاء على اصطحابهما لى فى كل مرة، حتى أنها صارت عادة سنوية لنا كأسرة تستمتع بتفاصيل تُجَاوِز بمراحل كونها حفلة أو سهرة فنية عابرة.

 

فلا يمكن لذاكرتى أن تنسى تلك الأصوات التى صدح صداها من أعلى قمة قلعة صلاح الدين لتُسمِع أرجاء القاهرة حناجر أبنائها أمثال (محمد الحلو، على الحجار، مدحت صالح، إيمان البحر درويش، علاء عبد الخالق، أحمد إبراهيم، وغيرهم)، تلك الأصوات التى ما تزال أصدائها ترن بداخل أذنى وتريح صدرى من بعض هموم الحياة، تلك الحالة التى شكلت وجدان طفلة لم تكن تبلغ وقتها من حدود الإدراك أكثر من حصص المدرسة.

وتمر السنون وتعاود قدمى زيارة محكى القلعة صدفة مرتين، الأولى فى حفلة شتوية لمناسبة ما لا أتذكر تفاصيلها، كانت ضيفة الشرف فيها السيدة/ جيهان السادات، أول من أُطلِق عليها لقب سيدة مصر الأولى رحمة الله عليها، وكدت أفقد عقلى حتى أبلغ مكان جلوسها لأنال شرف تحيتها، حتى أن بعض أصدقائى حذرونى من ردة فعل الحرس الخاص بها، إلا أننى تجاوزت مرحلة التردد وتوجهت بالفعل إليها، وما أن شَعَرَت هى بحجم حماسى فى الكلمات العفوية التى خرجت من فمي، حتى أن تركت مقعدها ورفعت عنى حرج طلب التصوير معها وطَلَبَت من المصورين الموجودين القيام بذلك، وهى تلف ذراعها من حول وسطى فى لفتة حميمية دافئة لا تصدر إلا من أم، موقف عظيم من سيدة عظيمة بمكان عظيم.

 

المرة الثانية كانت فى إحدى الحفلات التى تم تنظيمها خلال فترة انتخابات الرئاسة عام 2014 التى انتشرت فيها أغنية (بشرة خير) للرائع الإماراتى مصرى الهوى/ حسين الجسمي، وعلى عكس موقفه الحالى -محل الاستهجان والاستنكار- كان المطرب/ إيمان البحر درويش أحد المطربين الرئيسيين للحفل، وشدا بأعظم أغانيه الوطنية، بخلاف أغانى جده الراحل سيد درويش، ولا مجال هنا لتناول ما قد ألم بتوجهاته مؤخراً سواء عن كامل إدراك وقصد أو لا، فهو مجرد سرد لوقائع.

 

اليوم يمر حوالى الأسبوع على بداية مهرجان محكى القلعة التى تتشرف وزارة الثقافة كل عام بتنظيمه وعادة ما تكون تذكرته بمقابل رمزى يتم شراؤها فى نفس يوم الحفلة تفادياً لمافيا البيع فى السوق السوداء، تأتى تلك المناسبة السنوية الثقافية والعالم مازال يعانى من تبعات وآثار المتحور الجديد للوباء الذى حصد الملايين من الأرواح دون تمييز، يأتى وأنا على كامل رغبة وحماسة لحضور أى من حفلات الجدول الذى يضج بالأسماء المصرية اللامعة سواء من الأجيال السابقة أو الحالية، ولكم أتمنى أن يحالفنى الحظ وتساعدنى الظروف ويهدينى عقلى للتوفيق بين الأخذ بالاحتياطات الواجبة فى التجمعات البشرية، وتجديد ذكريات الماضى وتوثيق الجديد منها لأتمكن من صناعة حيز أكبر من ذكريات المكان والحدث.