الجمعة 19 ابريل 2024

من روائع الآثار المصرية فى المتاحف العالمية

مقالات21-8-2021 | 19:40

كان للزواج فى حياة المصريين القدماء قدسية خاصة، وإن لم يعرف التوثيق الرسمي، فى صورة عقد مكتوب بين طرفين قبل العصر المتأخر (من القرن الـ 8 - القرن الـ 4 ق.م تقريباً)، ومع ذلك كان الزواج فى نظرهم ميثاقاً غليظاً ورباطاً مقدساً. ويذكر أن بداية توثيق الزواج فى الأسرة الثانية والعشرين (945-730 ق.م)، وكانت العقود بسيطة، وكان أهم ما فيها أن يؤدِّى الزوج اليمين أمام الجمهور الحضور (الإشهار). وتضمنت عقود الزواج فى مصر القديمة، بعد الأسرة السادسة والعشرين (664-525 ق.م)، عبارات تشير إلى علاقة أكثر تحديدًا بين الزوجين. ولحسن الحظ، لا تزال بعض عقود الزواج التى كتبها المصريون القدماء على قيد الحياة، أقدمها نصٌ يعود إلى عام 590 ق.م، وعقد زواج مكتوب بالخط الهيراطيقى عثر عليه فى جزيرة الفنتين جنوبى مصر، يعود إلى عهد الملك "نختنبو الثاني" (359-341 ق.م)، وهو محفوظ فى المتحف المصري، ووثيقة بردية تتضمن عقد زواج كتب بالديموطيقية من اليمين إلى اليسار فى خطوط أفقية يعود إلى القرن الرابع قبل الميلاد (الأسرة الـ 29 أو الـ 30)، وعقد زواج مصرى آخر مكتوب باللغة اليونانية، يرجع إلى عام 311 ق.م.

بعض هذه العقود يتضمن بنوداً تحدد شكل العلاقة بين الزوجين بصورة تفصيلية، وتتضمن تفاصيلاً كثيرة مثل: التاريخ، الإعلان (الإشهار)، وطرفى عقد الزواج، وكاتب العقد، والشهود، وهدية الزوج (المهر)، والمعيشة، وحماية الأطفال، والقَسَم (التعهد)، ومتعلقات شاركت بها الزوجة فى المنزل، والمتعلقات المشتركة بين الزوجين، وممتلكات من الوالدين من ميراث، والتعويض فى حالة الانفصال.

 

هذه القدسية للزواج فى حياة المصريين القدماء هى التى أشارت إليها، وحثَّت عليها، تعاليم حكمائهم ونصائحهم، ولحياة قائمة على المودة والمحبة الدائمة، لم يغفل الأدب المصرى إعلاء شأن الترابط الأسرى القائم على مبدأ الحب والاحترام للمرأة من طرف الزوج، فمن نصوص الأدب المصرى القديم وتعاليمه فى ذلك قول الحكيم الوزير "بتاح حتب"، من الأسرة الخامسة (2494-2345 ق.م)، الدولة القديمة: "إذا أصبحت رجلاً معروفاً فتزوج، وأحبب زوجتك كما يليق بها، قدِّم لها الطعام والملابس، فأفضل دواء لأعضائها هو العطر الطيب، أسعد قلبها ما حييت، إنها حقل خصب لولى أمرها، لا تتهمها عن سوء ظن، وامتدحها يقل شرها".

ومن تعاليم الحكيم "آني" لابنه "خنسوحتب"، الأسرة الـ 18 (1549/1550 - 1292 ق.م) عصر الدولة الحديثة قوله: "يا بني، اتخذ لنفسك زوجة وأنت شاب كى تنجب لك طفلاً، فإن أنجبته لك فى شبابك، أمكنك تربيته حتى يصير رجلا".

 

حاول الفن المصرى القديم، نحتاً ونقشاً وتصويراً، أن يعبر عمَّا عبَّر عنه الأدب من تقديس للعلاقة الزوجية، والسمو بها، وتغليفها بالود والمحبة والاحترام المتبادل، كما حاول النحت التعبير عن الترابط الروحى والجسدى بين شخصين بشكل عام، وزوجين بشكل خاص، فابتكر النحاتون شكلاً يسمى التماثيل الزوجية، أو تماثيل المجموعة. وبرع النحات المصرى القديم فى معالجة كـل الخامـات التـى استخدمها، حجر أو معدن أو خشب، ليعبر عن الحياة الزوجية والأسرية الراقية فى مصر القديمة، فكانت الزوجة تُمثَّل عادة واقفة، أو جالسة، بجانب زوجها، يقل طولهـا عـن طوله شيئاً قليلاً، وقد يُظهرها المثَّال فى بعض أحوالها جاثية إلى جوار ساق زوجهـا؛ لتعبر عن شدة إكبارها له؛ ولتترك لبقية جسد تمثاله سبيل الوضوح. وكثيراً ما كان المثَّال يحرص على أن يعبر عن عاطفتها نحو زوجها، بحركـات ذراعيها، فيجعلها تطوِّقه بذراع وتلمسه بالأخرى، دليلاً على حبها لـه وارتباطهـا بـه واعتمادها عليه، ويمثَّل الرجل واقفاً أو جالساً بجانبها يشاركها بطبيعة الحال فيما تـودُّ أن تعبر عنه نحوه من حب وتعاطف لولا تقيده، وتقيد الفنانين معه بتقاليد المجتمع، التى استحبَّت ألا يلمس كف تمثال الزوج كف تمثال زوجته إلا فى تحفظ، والتى تتساهل فى تمثيل الرجل يحيط زوجته بذراعه كما تحيطه بذراعها فى غير أحوال قليلة نادرة.

كما لم يهمل أو يغفل الفنان المصرى القديم عن التعبير عن الرقى الاجتماعى لكل أسرة، ملكية أو نبيلة أو من عامة الشعب، فلم يبخل فى تصوير حالتها وما تتزين به الاسرة، رجالاً ونساء، من زى وملابس، أو حلى وجواهر، وعقود، وأساور، وقلائد، وأقراط، وتيجان.

 

وأنتج النحاتون المصريون القدماء منحوتات رائعة تعبر عن الحياة الزوجية أو الأسرية، ثنائية كانت أو ثلاثية أو مجموعة، خلال زمن الدولة القديمة، تعكس الحب والتعاطف الزوجى والأسري، لعل أبرعها تمثيلاً لذلك تمثال الأمير "رع-حتب" ابن الملك سنفرو وزوجته الأميرة "نفرت" من الأسرة الرابعة (2613-2589 قبل الميلاد) المعروض فى المتحف المصرى بالقاهرة، من الحجر الجيرى الملون وبارتفاع 1.2 متر، وقد نحت التمثال بمهارة احترافية نحتية فائقة، وتم تلوينه وطلائه بطلاء دام لأكثر من4600 سنة.

وخلال الدولة الوسطى (الأسرتين الـ 11 والـ 12)، استمر الفنان المصرى القديم فى إنتاج التماثيل الزوجية أو الجماعية للتعبير عن العلاقات الزوجية فى المجتمع المصرى القديم، وكذلك الحال خلال الدولة الحديثة (الأسرات من 18-20) فى تنوع ومرونة وحرية.

المثال الرائع والمعبر عن هذه العلاقة الراقية بين الزوجين، من عصر الدولة الحديثة، هو تمثال زوجى لكاتب الخزانة الملكية خلال عهد الملك أمنحوتب الثالث (حوالى 1390-1353 ق.م)، الأسرة الثامنة عشر، المدعو "نيبسن" وزوجته "نيبت-تا"، المغنية فى معبد إيزيس، حيث يبدو الزوجان وقد أحاط كلا منهما الآخر بذراعه فى تواصل للتقاليد التى ظهرت فى تماثيل الأزواج منذ عصر الدولة القديمة والتى تشير إلى التعاطف والحب.

    

تمثال "نيبسن" وزوجته – متحف بروكلين

التمثال مصنوع من الحجر الجيري، أبعاده: 40 × 21.8 × 23.5 سم، وهو معروض فى صالة القسم المصري، فى متحف بروكلين بالولايات المتحدة الأمريكية، والذى يعدُّ ثانى أكبر متحف فنى فى مدينة نيويورك، وقد تمَّ افتتاحه عام 1897 تحت إدارة معهد بروكلين للفنون والعلوم، وهو مبنى تبلغ مساحته 560 ألف قدم مربع، ويحوى مجموعة دائمة تضم أكثر من مليون ونصف قطعة أثرية وفنية تنتمى لحضارات وعصور تاريخية مختلفة تمتد من الحضارة المصرية القديمة وحتى العصور التاريخية والفن المعاصر.

يمثِّل هذا التمثال الزوجى زوجين جالسين على مقعد مشترك يشبه الكرسي، مع قاعدة مستديرة فى الخلف، وكلاهما جالسان مع ذراع بزاوية تسعين درجة على ركبتيهما، وذراع خلف الآخر دلالة على الحميمية والقرب، ومن أجل نقل هذا الشعور وإنشاء تصميم متناغم، قام النحات بمد الذراعين إلى أطوال غير طبيعية. وكلاهما يرتدى ما يبدو أغطية الرأس وحُلى حول العنق والمعصم.

 

​​ ترتدى الزوجة ثوباً طويلاً مجسِماً، ويرتدى الزوج نقبة حابكة طويلة، يسترعى نظر المشاهد لتمثال الزوجة عيونها الواسعة الكبيرة الأكثر أناقة، المكتحلة بكحلٍ بقاياه تحكى ثرائه، وثديين ناهدين بارزين، ويغطى رأسها شعر مستعار طويل ينسدل على جانبى وجهها المستدير، ذو الشفتين المكتنزتين المستعرضتين والأنف الكبير نسبياً، بينما تتحلى بصدرية ذات ألوان مختلفة. والزوج لديه فكٌّ أكثر تنظيماً، وشعرٌ مستعار مميّز وغريب، وكذلك الحُلى البارزة ذات اللون الأصفر، التى تحاكى الذهب على صدره.

 كل هذا الثراء هو انعكاس للثراء الذى تمتعت به الإمبراطورية المصرية فى عصر الدولة الحديثة، وفى عهد أمنحوتب الثالث. وهناك نقوش هيروغليفية على جانبى قاعدة التمثال، وتتدلى من على منتصف ردائهما، وعلى خلفية التمثال، تخبرنا أن التمثال صنع لمقبرة الزوجين من قِبل ابنهما بعد وفاتهما، مما جعلهما يبدوان على غرار أيامه، بدلاً من ذلك الحال فى عهد تحتمس الثالث، عندما كانا يعيشان بالفعل.

تم وضع هذ التمثال فى معبد، إهداءً من ابنهما، على أمل أن يتوقف بعض الأشخاص القادمين إلى المعبد ويقرأون نقشًا أو يقولون صلاة نيابة عن صاحبيه. وهكذا كانت طريقته للمساعدة فى إبقاء والديه على قيد الحياة إلى الأبد، إضافة إلى جعلهما أكثر عصرية فى أزيائهما وحليهما، فيذكر البعض أن تمثالهما تم صنعه مرتين فى وقت لاحق، وبالتالى فإن مظهرهم مختلف تمامًا عما كان سيحصلون عليه فى الحياة.

المكان المحتمل الذى تم العثور عليه فيه هو "سومينو"، وكانت مدينة مصرية قديمة تقع بالقرب من الأقصر.. كان أبرز ملاذ للإله التمساح "سوبك" فى أوائل عصر الدولة الوسطى.

التمثال مصنوع من الحجر الجيري، وله لون فريد للغاية عندما تنظر إليه تحت أنواع مختلفة من الإضاءة الصناعية تجده يأخذ اللون المائل للاصفرار بينما يبدو التمثال بلون أبيض فاتح مثل قشر البيض فى ضوء النهارى الطبيعي، وهو ليس كبيراً فى حجمه، ويبدو مربّعًا من الأمام ومن أسفل، بينما الجانبين والجزء العلوى يبدو كلا منهما مستديرًا. وحالة التمثال العامة جيدة مع وجود شظايا سطحية مختلفة، الجزء العلوى الأيسر من المقعد به كسر. وكذلك القاعدة بها كسر عند الحواف.