الخميس 18 ابريل 2024

قصة حوار مع عين عبد الناصر على عامر وعين المشير على الرئيس

مقالات19-8-2021 | 13:51

ذات أحد أمسكت مجلة أكتوبر ورأيت على غلافها مانشيتات مثيرة من حوار بديع غير مسبوق أجراه رئيس تحريرها الكاتب الصحفي القدير الأستاذ صلاح منتصر مع السيد عباس رضوان وزير الداخلية في عهد الرئيس عبد الناصر .

 كان الحوار مع هذا الرجل الصامت خبطة صحفية كبرى حققها الأستاذ صلاح منتصر الذي انتصر علي كل زملائه رؤساء تحرير الصحف القومية المصرية.

 قنبلة وخبطة صحفية فعلا كان الحوار مع هذا الرجل الصامت منذ ما قيل أنها مؤامرة من المشير عبد الحكيم عامر للانقلاب على الرئيس جمال عبد الناصر بعد تنحي الرئيس في 9 يونيو عن الحكم وعدوله في اليوم التالي مباشرة عن قراره.. واستبعاد المشير عامر من كافة مناصبه !..

 في سري قلت جالك الفرج يا ابن فاطمة كمبال (أمي).. طالما أن السيد عباس رضوان خرج عن صمته الرهيب وقرر أن يتكلم ويكشف للأستاذ صلاح منتصر كل أسرار صناديق الذهب التي تردد، أثناء محاكمة المتهمين بمحاولة قلب نظام الحكم، أن عباس رضوان تسلم صناديق الذهب منهم ودفنها في بيته بالحرانية. !

 أصارحكم أنني تعلمت من درس عدم الإلحاح المستمر على السيد محمد أحمد سكرتير خاص الرئيس جمال عبد الناصر كي يتكلم رغم أنه كما قلت في مقالاتي السابقة قال لي في لقائنا الوحيد ستكون لي قعدات وحوارات معك لكن بعد أن تنتهي الفحوصات الطبية التي سأجريها خلال الأيام القادمة.

تعلمت الدرس.. رفعت السماعة وطلبت رقم السيد عباس رضوان الذي كان معروفا عنه وسط كل المسئولين الكبار في البلد عسكريين كانوا أو مدنيين أنه عين المشير علي عبد الناصر وعين الرئيس علي عامر !!.

 

كان هذا هو الاتصال الثاني .. هنأته بالطبع على حواره وقلت له بدون تردد : سيدي العزيز قل لي صراحة إذا كنت لا ترغب في اللقاء معكم أو أنكم تفضلون أن يكون من يحاوركم رئيساً للتحرير ؟!..

فاجأني الصديق الحميم للرئيس عبد الناصر والمشير عامر بسؤال مباغت : واضح من كلامك أنك صعيدي.. أنت منين؟.. قلت من أسوان..انت نوبي؟.. نعم قلت.. من أي قرية أنا أصل زرت قرى النوبة مرات كثيرة.. أجبت قرية توشكي.. شرق ولا غرب يا سليمان..انت فاديكي ولا ماتوكي؟..

 أحسست في هذه اللحظة بالذات أن حلمي القديم في إجراء حوار صحفي طويل مع هذا الرجل الصامت الغامض سوف يتحقق بعد سنوات كنت أجهز فيها عشرات الأسئلة الشائكة التي حيرت، وما زالت، كل باحث عن الحقيقة وكل دارس لتلك الفترة الزمنية الدامية التي مرت بمصر وعصفت برجال كانوا في مقدمة الصفوف التي تحكم وتتحكم في مصائر البلاد والعباد !.

قال لي الرجل : طيب يا سليمان كلمني بعد 3 أسابيع.. ونحدد الميعاد.. ظننت أن الرجل ( عاوز يزحلقني).. ياه ياه.. هكذا طلعت من لسانى تلك العبارة.. ضحك السيد عباس رضوان قبل أن يقول : أنا بعد ما عرفت أنك نوبي قررت أقعد واتكلم معاك.. ما تخافش..ها اتكلم معاك يا سليمان.. مع السلامة.. مع السلامة..

عديت بالصدفة على زميلتى في دار الهلال وصديقتي العزيزة مايسة فريد.. مالك يا سليمان وشك مش طبيعي النهاردة..في حاجة مضايقاك.. أبداً يا مايسة مصدر مهم كل لما اتصل به يسوف ويسوف..حاسس أنه بيزحلقني يا مايسة !..

هو مين.. إديني اسمه وأنا ها أكلمه بصفتي مديرة مكتب رئيس مجلس إدارة دار الهلال.. قلت عباس رضوان.. صاحت : مين !؟..كررت عليها الاسم ظناً مني أنها لم تسمع.. و فجأة ضحكت مايسة ضحكة طويلة طويلة قبل أن تقول : أونكل عباس رضوان !

 

قالت لي مايسة فريد : طبعاً انت ما تعرفش يا سليمان أن أونكل عباس يبقي ابن عم بابا.. ورفعت السماعة : أيوه يا أونكل ..أنا مايسة.. أيوه مايسة فريد يا أونكل.. إزاي حضرتك.. واحشني قوي يا أونكل..أيوه ماما كويسة وسمير وحسين كلهم بخير.. وبعد سلامات وتحيات دخلت مايسة في الموضوع.. قالت : أونكل..أنا باكلم حضرتك علشان أوصي على زميلي وصديقي في مجلة المصور سليمان عبد العظيم.. أيوه هو اتصل بحضرتك كذا مرة.. لا سليمان عبد العظيم مش سليمان الحكيم.. والنبي يا أونكل أنا النهاردة شفته متضايق قوي ولما سألته بحكم الصداقة الوطيدة اللي بينا قالي الحكاية.. هو مجهز نفسه قوي ومحضر 75 سؤال للحوار معاك.. لكنه خايف تكون حضرتك مش مرحب بالحوار معه وبتسوف في الالتقاء معه.. أيوه يا أونكل سامعاك.. حاضر بكره ها أخليه يتصل بحضرتك.. حاضر حاضر الساعة 7 مساء.. حاضر ها أبلغ ماما.. حاضر يا أونكل. حاضر حاضر.. مع ألف سلامة.

في السابعة تماماً اتصلت.. لم يرد أحد.. اتصلت مرة ثانية..  قلبي قعد يوغوشني الراجل مش ها يعمل الحوار.. بعد قرابة نصف ساعة اتصلت رد عليا هو : معلش لسه داخل البيت كنت بازور واحد قريبي مريض هنا في الحرانية وتأخرت عليك شوية.. تعالي بعد بكره الساعة حداشر..العنوان الحرانية فيلا عباس رضوان.. علي الطريق مباشرة.. خليها حداشر ونصف أحسن يا أستاذ سليمان..

صباح اليوم المحدد لأول مقابلة بيننا (يا لحظي العسر) اتصلت بالسيد عباس رضوان قبل الذهاب حسب الموعد.. فاجأني الرجل : كويس إنك اتصلت.. كنت قلقان قوي  تيجي المشوار ده كله ما تلاقنيش !..أصل المريض قريبي توفي إلى رحمة الله امبارح بالليل.. والجنازة ها تطلع بعد شوية بعد صلاة الظهر.. قلت: البقاء لله يا فندم.. سليمان خلينا على تليفون بعد كام يوم.. خلاص يا ابني.. مع السلامة.. مع السلامة.

صباح الخير يا فندم.. الكام يوم عدوا..تحب أجي لسيادتك إمتي؟.. بكره الصبح الساعة حداشر.. مناسب جداً يا فندم..حاضر هجيب معايا محاور هذا الحوار الطويل.. أنا معايا لحد دلوقت حوالي 75 سؤالا حول دورك في ثورة 23 يوليو وتنظيم الضباط الأحرار و دورك كوزير للداخلية.. ودورك الأبرز والأهم والأشهر كصديق حميم للرئيس عبد الناصر وكصديق حميم في نفس الوقت للمشير عبد الحكيم عامر.. والأزمات التي نشبت بين الرجلين بعد هزيمة 1967 و قرار الرئيس بالتنحي عن الحكم  وعدوله عن هذا القرار في اليوم التالي والأزمات التي تعرضت لها البلاد إثر اعتصام بعض الضباط الموالين للمشير في بيت المشير.

في الموعد المحدد كنت أقف أمام فيلا عباس رضوان.. دقة واحدة على الجرس.. بعدها  فتح الباب.. وجدت أمامي الرجل الذي ظل كل هذه السنوات الطويلة صامتاً .. ممتنعأ ،بارادته، عن الكلام !..

لمدة ساعتين ظل الرجل يسمع مني محاور الحوار ..أعجبته معظم الأسئلة.. يبدو أنه أراد أن أتكلم وأتكلم حتي يراني جيدأ..في لقاؤنا الأول كنت أنا المتحدث طول الوقت ..وكان هو المستمع طول الوقت !

عقب انتهائي قال الصديق الحميم والمقرب للرئيس والمشير : سنجلس جلسة استماع أخري أسمع فيها كل أسئلتك وتساؤلاتك العميقة حتى أجهز نفسي وأستعيد بعض ذكرياتي خاصة أنني ظللت طيلة تلك السنوات الطويلة صامتأ.. لا أفتح فمي.. ولم أستقبل في بيتي إعلاميا أو صحفياً مصريا كان أو عربياً.. وأجنبيا.. سليمان.. تعالي بعد بكره الساعة 10 صباحاً حتي ننتهي من جلسة الاستماع الثانية.

خلصنا من الجلسة الثانية وحدد لي الرجل موعدا نبدأ فيه إجراء الحوار.. وبدأ هذا الحوار الساخن الممتد عبر ثلاثة أيام سجلت فيها 9 شرائط مدتها عشرة ساعات..

وكان مثيراً جداً لدهشتي أن يطلب مني الأستاذ مكرم أن ألم هذا الحوار الطويل في حوار واحد تنشره المصور علي 3 أو 4 صفحات.. طبعأ رفضت !!

 في مكتب الأستاذ محمود مراد رئيس وكالة الأهرام للصحافة اتفقت معه علي تسويق وبيع حلقات الحوار كاملة للصحف العربية.. بعد أسبوعين نجحت الوكالة في التعاقد مع 4 جرائد عربية مقابل قرابة 14 الف جنيه هي حصتي.. كانت الأنباء الكويتية والرأي الأردنية من بين تلك الجرائد التي رحبت بنشر حلقات هذا الحوار الذي هز بالفعل الوسط الصحفي المصري والعربي علي حد سواء..

 يبقي أن أقول أنني حتي الأن لا أعرف سر رفض الأستاذ مكرم نشر هذا الحوار في المصور كاملا.. رغم أنه نشر بكل الترحاب مذكرات أحمد كامل رئيس المخابرات العامة التي أعدها الصديق أحمد عز الدين.!!

لكن .. وأعوز بالله من تلك الكلمة.. مازالت تطاردني حتي الأن تساؤلات قلقة و غير مريحة قالها السيد عباس رضوان : انت اتفقت مع الأستاذ مكرم علي نشرها في المصور؟!..

وكأن الرجل كان يعرف مسبقاً أن الأستاذ مكرم لن ينشر الحوار !!.