الخميس 25 ابريل 2024

حديث النفس.. في منتصف العمر

مقالات17-8-2021 | 12:42

الحياة مُنحنى.. نصل لأعلى نقطة فيه ولكن علينا الهبوط فمنا من يهبط بتدرج وسلام ، ومنا من يسقط سريعا صريعا، عند أعلى نقطة فى المنحنى يكون منتصف العمر.. البعض يرونه أزمة وآخرون يرونه رائعاً، تتوقف لتشهد على تجربتك إما تستمر للأفضل أو تنتهى حياتك عنده ..فتنتظر الموت الذى أصبح يقترب منك على الرغم من أنه زائر لا يتقيد بأعمار!!

تأخذنا الأحلام والآمال وأحيانا الأوهام فى هذه الحياة فقد يسرق البساط من تحت أقدامنا فلا نشعر بها حتى تنقضى آجالنا فتأتى النهاية لنا بغتة دون استعداد وقد تستيقظ على علامات ومؤشرات وربما أجراس إنذار أننا ودعنا سنوات الشباب، وكالعادة لسنا كلنا على نفس درجة الاستعداد والتهيؤ.

فالبعض ينزعج بشدة وقد يرفضها حتى أنه ويبدأ فى التحرك ليستعيد ما فقده فى سنوات الكفاح والشقاء التى ربما ضحى فيها بالكثير والكثير من أجل الآخرين.. ربما نسى نفسه وأهملها ، وربما رفضه بسبب أنه اعتاد أن يكون فى بؤرة المشهد من الجمال والأناقة ويرفض أن ينازعه أو حتى يأخذ منه غيره هذه الأضواء مثلما يحدث للفنانين والمشاهير أو حتى أناس اعتادوا على مثل هذا الشعور فيلجئون لعمليات التجميل وصبغة الشعر وغيرها  التى تعيدهم لمراحل الشباب طبعاً فى الشكل فقط لأن الحيوية الجسدية والروحية تهدأ داخل الإنسان ..وقد يبالغ الشخص فى هذا الأمر حتى أنه يصبح مثار انتقادات الآخرين!!

واختلفت الدراسات فى تحديد سن منتصف العمر إلا أن هناك شبه إجماع على أنه بعد الأربعين وقد يمتد إلى منتصف الستينيات ،على الرغم أن الإنسان ببلوغه الأربعين من عمره يكون قد وصل أشده فى صحته ونضجه العقلى ،إلا أنه فى منتصفه يبدأ المنحنى فى الانخفاض ..وتعتبر هذه المرحلة انتقالية  فى حياة الإنسان  ما يخفف وطأتها أن يكون الإنسان قد حقق إنجازات فى حياته تشعره أن عمره لم يضع هباءً.

وتبدو وجود اختلافات جوهرية بين الرجل والمرأة فى استقبال هذه المرحلة مع وجود فروقات فردية بين أصحاب الجنس الواحد،لكن فى العادة يصبح الرجل مثل المراهق قد يرفض التواصل مع من فى مثل عمره فيرتبط بأقران أصغر سناً يشعر معهم بالشباب ناهيك عن  المبالغة بالاعتناء بمظهره بشكل يخالف مرحلته العمرية وقد ينافس أبناءه إذا ما كانوا فى سن الشباب،وقد يحاول أن يحيا الأوقات التى لم يحيها سابقاً حتى ولو كانت على حساب أسرته ،التى يرى فجأة أنهم أسباب عدم استمتاعه بشبابه الذى ضاع فى سبيل تربيتهم والإنفاق عليهم .

وكما أنه يتقدم فى العمر فالزوجة أيضاً تتقدم فى العمر فيراها لم تعد تصلح أن تحقق له الإشباع العاطفى ،وتتحول العلاقة لحالة من الإظلام بسبب الملل الذى يخيم عليها ،أو تتحول لساحة صراع ينتقد فيها كل طرف الآخر فمن المحتمل أنها أيضاً تمر بنفس المرحلة .

هنا يرفض كل طرف أن يتأمل ذاته ويفهمها أو يحتوى الطرف الآخر ،فلكل طرف احتياجاته التى يرغب أن يشبعها بشكل أنانى متناسياً أن العمر الذى يمر به يضغط أيضاً على الآخر .

فى هذه المرحلة يكون ذكاءً الرجل أقل من المرأة فهو يريد اللحظة الحالية التى يستعيد شبابه وقوته الجسدية والجنسية فى مجتمعات تعتبر أن انخفاض هذه القوة يتنافى مع الرجولة فيبحث عن علاقات سرية واهمة ، يعلم من يذهب إليهم هذه الأعراض جيداً فيقدمون الوهم ويحصلون على الثمن ومن السهل الحصول على مثل هذه المتعة فى ظل الإنترنت وانتشار مواقع التواصل الاجتماعى فتصل لحالات مختلفة من الخيانة الزوجية التى تؤدى إلى هدم الأسر وخراب البيوت.

أما المرأة فإن تواكبت هذه المرحلة قبيل سن اليأس بسنوات معدودة فإنها ترفض الإهمال العاطفى فهى فى مرحلة فسيولوجية تطلب فيها هذه العلاقة بقوة وإذا ما تعرضت للخيانة الزوجية فإنها تتمسك بزوجها  حتى إن لم تكن تحبه لأنها ترفض الهزيمة أو التنازل عن شيء تملكه حتى وإن لم تكن فى حاجة إليه فتستعيده وتحطمه بنفسها وتثأر لكرامتها بكل ما أوتيت من قوة فلا غفران للخيانة الزوجية أبداً .

فالرجل لا يمتلك أى ذاكرة فدائماً ما ينسى حتى أخطائه، لكن المرأة تحتفظ بأخطاء الرجل فى صندوق تعيده على نفسها للثأر منه مهما بلغت من التسامح والمثالية حتى أنها تثأر من نفسها بندمها على لحظات التسامح الزائفة،وإذا ما وصلت لسن اليأس تنعدم الرغبة العاطفية فإذا استمر  معها اعوجاج الرجل فإنها تتجه إلى الرغبة المتنامية فى الانفصال للتخلص من هذا العبء والثأر  لكرامتها فلم تعد بحاجة إلى رجل خانها ولم تعد تستطيع الاستمرار من أجل أبناء كبروا ولم يعد الأمر يستحق أن تتحمل هذه المعاناة فقد أصبحت تحتاج ذاتها  التى اعتبرت نفسها بتضحياتها مسلوبة، مرغمة على حياة أضاعت فيها أجمل سنوات شبابها بنفس منطق الرجل وتشتد هذه الرغبة كلما كانت مستقلة مادياً.

وقد لا تتطور الأمور لهذه الدرجة حسب طبيعة العلاقة بين الاثنين فمن النادر أن تتواجد علاقة تشاركية بين الرجل والمرأة، لكن الأمر يعتمد على احتواء طرف للآخر بذكاء وحكمة   لتفادى المشكلات، وتتطور الأمور بمرور السنوات بنضوج أحد أكثر من الآخر فيصل لمرحلة النضوج النفسى والعقلى فيتعامل مع الآخر على أنه طفل لا يتوقف عند أخطائه وهفواته فتسير الأمور     ويكون فى الغالب هذا الدور من نصيب المرأة .

ولا أنكر أن غياب الدور التشاركى يمثل عبئاً  وإرهاقاً على أحد الطرفين،لكن الرغبة فى عدم هدم البيت تجعل الهدف موجوداً والمشقة مقبولة التى قد تصل عند نقطة معينة وتغيب،فنرى كثيراً من حالات الطلاق بعد عشرين عاماً من الزواج ..وتتساءل معقول بعد العمر كله يتم الطلاق؟!أنت لا تعلم أنه كان صبراً نفد بعد إتمام رسالة الأبناء !!

وإذا كانت زمام الأمور فى يد زوجة عاقلة مع العلم أنها لم تغتصب هذا الدور من الرجل لأن الزوجة العاقلة تختلف عن المتسلطة. فالزوجة العاقلة لديها من النضوج الفكرى ما يجعلها تخرج بالأسرة لبر الأمان فى وقت قد يصبح الحوار الأسرى مستحيلاً فكثير من الأزواج ما يتحول الحوار بينهما إلى عراك فيغيب لتجنب المشكلات ..لكن الزوجة العاقلة يمكنها أن تحل  بالنظرة الودودة الحانية واللمسة الرقيقة وتجنب الأساليب الهجومية محل العراك، فهى أمام رجل تحول إلى مراهق يستحق العلاج من أجل مصلحة  الأسرة  وعلى فكرة الزوجة فى هذه الحالة ليست مجبرة ،فلابد أن تكون راضية ولو بشكل نسبى لأن الإجبار المطلق فى الحياة الزوجية لأحد الطرفين يصيبه بالأمراض وأيضا يؤدى لانهيار الحياة الزوجية،الأمر الذى يتطلب الوعى والإدراك وشيء من التضحية فلا شيء أهم من الاستقرار الأسرى الذى يظهر على وجوه أهلها فيعم الإشراق والطمأنينة التى تخلق الشباب الدائم.

وكما هو الحال فلسنا كلنا نرى الجانب المظلم فى تقدم أعمارنا فمنا ما يرى أنها مرحلة أفضل وأحسن بكثير فينظر إلى ماخفى منه من منظور إيجابى مثل تلك التى فى النجاحات والإنجازات التى حققها ويحدد لنفسه مهام جديدة تتناسب مع خبراته التى اكتسبها فى حياته لتحقيق مزيد من النجاحات.

فتجد بعض الرجال يشعرون بأنهم أفضل فى كل شيء ..منهم من حقق مركزا مرموقا واستطاع أن يحقق ما أراد تجاه أسرته وأبنائه..فى تجاوز هذه المرحلة بلطف وبشيء من المرونة النفسية والرضا.

ونفس الأمر للنساء خاصة اللاتى لهن شريك حياة يدعمهن فيرى فى امرأته أجمل النساء فتشعر المرأة أن رحلتها مثمرة .. وقد تحقق فى عملها بتقدم العمر نجاحات وكذلك تقل الأعباء باكتمال تربية الأبناء.

ورغم ذلك فإن المرأة دائماً ما تميل إلى استمداد القوة أكثر من الرجل إذا مافقدت الدعم من الرجل .

وتجد المرأة الناجحة فخورة بإعلان عمرها الحقيقى لأنه باختصار لم يضع هباء، عكس المرأة التى تخفى عمرها الحقيقى بسبب فشلها فى حياتها الذى لا يتناسب مع رحلتها فى الحياة فمازالت تنظر لنفسها ولأنوثتها نظرة متدنية وكأن الجمال فى السن الصغيرة ناسية أن جمالها فى عقلها وقلبها الذى يمتلئ حبا وحنانا وأمومة ليكون نجاحاً لكل من حولها حتى وإن لم تنجب أبناء.. فطرة الله التى خلق عليها المرأة.

إذا كانت هذه المرحلة مؤكدا علينا جميعا المرور بها  فلا تعبرها وأنت تسير فيها عكس الاتجاه أو ترجع للخلف فتسبح فيها ضد التيار فتغرد خارج السرب فتذهب لأسراب أخرى وجماعات أخرى لا تليق بك ولا تتألف معك ..قد تعود منها بعدما تتمزق ملابسك لأن مد المعركة كان أكبر من قدراتك وقد تخسر كل شيء فلا تستطيع العودة كما كنت ،وقد تقوم بتصحيح مسارك وتنعم بالهدوء فتكون العودة أفضل مما كنت عليه بعدما خضت تجربة اكتشفت فيها نفسك أكثر واستفدت منها فى استكمال ما تبقى من عمرك.

فحكم الحياة أنك تحدد فيها هدفك وتراجع تنفيذه باستمرار ..تفتش على نفسك وتطلب منها تقرير أداء .. قد تهمل هذا التقرير  وتستيقظ فجأة على كشف حساب  لحياتك مع منتصف العمر فى الغالب.. فتقسو على نفسك فتهمل إنجازات وأهمية ما حققته فتصاب بالاكتئاب والعزلة وقد تهدأ وتقيم مافاتك وتخلق فى نفسك الهدف من جديد أو حتى استكمال أهداف تعيش على أمل تحقيقها.. يحتاج الأمر لبعض الوقود فى ذاتك لتحقق الحكمة من وجودك فى هذه الحياة ..فلم يخلقنا الله إلا لأهداف إيجابية لإعمار الكون وحتماً سنعود كما بدأنا لضعف بعد قوة ولكن بصمتك فى الحياة هى الباقية..ولك أن تحمد ربك أن أمد فى عمرك لهذا اليوم .. لماذا الهزيمة فليست كل الحياة للشباب فقط ..فلا تكن شيخا كهلا يعيش ما تبقى من عمره فى انتظار انتهاء أجله.  فتفقد حكمة خلقك. ولاتصارع شبابا خلقوا للمكابدة والصراع ..فجاء اليوم الذى تقطف فيه ثمار تعبك ..قد تتقاسمها مع الشباب وقد تمنحهم إياه ولكن لابد أن تكون رحلتك مثمرة..وعدم وجودك يترك فراغاً.. لتعطى ولا تقلل من مقدار عطائك فالعطاء مطلوب حتى ولو كان قليلا إلا فمن أين يعمر الكون؟

Dr.Randa
Dr.Radwa