الخميس 25 ابريل 2024

الشيخ حسان والشيخ نيكسون والتأطير الديني

مقالات13-8-2021 | 13:53

في بعض محاضراتي وحواري مع شباب المحافظات الحدودية بكلية الدفاع الوطني (أكاديمية ناصر العسكرية) قلت: إن من أوجه الحروب الحديثة ضدنا (استخدام الدين واستدلالاته في إعادة هيكلة العاطفة والفكر لدى الشباب لتحقيق مصالح سياسية ضد مصر !! ) .

وضربت لذلك أمثلة وخطوات لتحويل الشاب من حب بلده إلى كرهها ثم استعداده للعمالة ضدها!! بقال الله وقال الرسول !! ...

تذكرت هذا الكتاب الذى قرأته من عشرين سنة، ووجدته أخيراً فى مكتبتى الشخصية " 1999.. نصر بلا حرب " للرئيس الأمريكى الأسبق ريتشارد نيكسون ترجمة مؤسسة الأهرام وتقديم المرحوم المشير أبوغزالة ..

ونيكسون هو رئيس أمريكا من 1969 وحتى 1974 وهو صاحب قرار الجسر الجوى لإنقاذ إسرائيل فى حرب أكتوبر !! وهو أيضاً صاحب قرار إعادة العلاقات مع الصين عام 1972 والذى أفرد لها فصلاً بعنوان العملاق يستيقظ !! وتنبأ بالوضع الاقتصادى للصين فى القرن الحادي والعشرين !!

كما تحدث فى فصل ساحات المعارك فى العالم الثالث عن علاقة الحروب فى منطقة الشرق الأوسط بالنفط ! ومصادر الطاقة ! ودوره فى إنقاذه  ودعمه لإسرائيل بدوافع معنوية وسياسية !

المهم :

أنه تحدث فى صفحة 307عن إحلال الجماعات المتطرفة والتى سماها الأصولية الإسلامية - محل الشيوعية والتى تنبأ بسقوطها بفضل هذه الأصولية لصالح أمريكا.

وأن تجربة استخدام هذه الجماعات لتحقيق أهداف أمريكا  ينبغى أن تستمر !! ورغم اعترافه  بعظمة التراث الإسلامى الذى أنتج ابن سينا وابن رشد !! إلا أن هذا الجانب من التراث غير مطلوب فى الحرب القائمة ! .. ( هكذا يقول).

والمطلوب بالطبع وفقاً لرؤية نيكسون هو تراث التطرف المنتج للجماعات المتطرفة !! والتى سماها الأصولية الإسلامية.

 وتحدث عن أسباب ذلك ! فقال: "لأن الرؤية الثورية التى يقدمها الراديكاليون فى العالم الإسلامي جذابة ! ومدمرة !!  لأنها  تضرب على أوتار الاحتياجات الروحية !! .

وذكر أسباب ترشيحه للأصولية الإسلامية ؟ بأنها تعيد الشعوب إلى الوراء !!!

 

رؤية نشر فكر التطرف وإفساح الطريق أمام الجماعات المتطرفة لتخريب منطقتنا !! بقال الله وقال الرسول !! رؤية قديمة تم تجاهلها !!

يعنى تحقيق المصالح بلا حروب عسكرية مكلفة !! وانتداب الجماعات لهذه المهمة هى لغة القرن الواحد والعشرين، والاعتماد على الحروب الذكية فى تحقيق الأهداف (كما هو واضح فى العنوان النصر سيكون بلا حرب ).

وفى نفس الفترة التى أُلف فيه كتاب نيكسون، كان مجموعة من الشباب المصرى على موعد لتهيئتهم فى بعض دول الخليج، وتكوينهم ليس على تراث الأمة المحمدية !! إنما على تراث  ابن تيمية وتصوره  ومحمد بن عبدالوهاب ورسالة التوحيد وسيد قطب وأحكام الجاهلية وشقيقه محمد قطب وكيفية تحويل الوعظ إلى حركية وديناميكية ضد الدولة! ليعود هؤلاء الشباب إلى مصر دعاةً ووعاظاً، ويتم تمويلهم وحمايتهم ومتابعة نجاحهم، وفتح فضائيات ومنابر إعلامية لهم !! بأموال عربية على غرار. تمويل الجماعات فى أفغانستان أثناء الحرب الأفغانية ضد السوفييت والتى استخدم فيها نفس الاستراتيجية !

 

من هؤلاء الشباب الشيخ حسان والحويني ويعقوب وغيرهم الكثير ،،،،

 

لم يتم تكوينهم على تراث الأمة المنير الذي اعترف نيكسون بفضله وأثنى عليه،  ولا حتى على مذاهب الأمة الفقهية والفكرية جميعها كالمذاهب الأربعة وتراث الإمام النووى والغزالى وابن حزم  الخ الخ .. إنما على تراث غلاة الحنابلة  ابن تيمية ومفهوم الطائفة الممتنعة والتى بها أخرجت الجماعات المجتمع والدولة من الإسلام !! وسيد قطب وحكمه على المجتمع المصرى بالجاهلية الحديثة وفتواه بقتل الأبرياء والأطفال لإقامة الخلافة ! .. ومحمد بن عبدالوهاب واختراعه لما يسمى  نواقض الإسلام ونواقض الإيمان والتى تخرج المسلمين من الإسلام، وكذلك رسالة التوحيد والتى تبرر للجماعات الحكم على الدولة بالردة وجواز قتالها !! .

نجح هؤلاء الوعاظ فى مهامهم !، وجميعنا يشهد التسميم الفكرى والمعنوي الذى وصل إلى حد اعتراف خلية داعش إمبابة بتلقيهم بعض أفكارهم من هؤلاء الوعاظ !  وتزامن ذلك مع ضعف تأثير الأزهر الشريف خاصة فى مرحلة السبعينيات والثمانينيات وما بعد ذلك لأسباب كثيرة لا مجال لذكرها الآن

وفى شهادته أمام المحكمة قام الشيخ حسان بإنكار الكثير من هذه الأفكار التى سبق ونشرها عبر محاضراته ولقاءاته الإعلامية، إلا أن تكوينه الفكرى واضح فى تبريره، فقد جرّ الحوار مع القاضى إلى مفهوم "فقه الجماعة وفقه الدولة" فى جوابه على سؤال القاضى حول جماعة الإخوان !! .. وهذا كلام فى حقيقته لسيد قطب ! هو الذى أسس لمفهوم الجماعة السرية التى تتحول إلى تمكين ثم نكاية بمخالفيها لإقامة الخلافة ! وسمى ذلك بفقه الدولة !! .

والحقيقة لا توجد فى الإسلام جماعة ولا يوجد فقه للجماعة؟ ولا يوجد فقه الدولة  !، الدولة لها دستور ومبادئ كما هو معلوم للجميع، والفقه فى الإسلام أحكام ومسائل فقهية لعموم المسلمين تخص العبادات أو المعاملات.

 

-هذه العملية النوعية أقصد تكوين شباب مصري على تراث معين وإطلاقه فى ساحة الدعوة بهوى السياسة العالمية، أكبر عملية تأطير للفكر الدينى فى القرن الماضي ! .

 

والتأطير (framing) هو وضع الأحداث أو الأشخاص في إطار معين، يجعل العقل ينحصر فى اختيارات معينة وفق ما يريد واضع هذا الإطار !! .

فمثلاً: يصنف كل مواقف الحياة على أنها ( إيمان وكفر - سنة وبدعة - معنا أو ضدنا الخ ) وهذا هو الإطار الفكرى الذى حاول هؤلاء الوعاظ إدخال المجتمع المصرى فيه .

إنها لعملية سياسية كبيرة استخدمت الدين ووظفته لخلع الشباب المصرى عاطفياً وفكرياً من بلده ومجتمعه بل ودينه، إلى تحقيق أهداف لسياسات عالمية ! .

والأمر الخطير فى هذه الظاهرة الآن، هو رغبة  هؤلاء الوعاظ فى إعادة تدويرهم، للرجوع مرةً أخرى إلى منابرهم الإعلامية ! .

ولاحظت أن كل واحد فيهم يحمل تكوينه الفكرى كما ذكرت إجمالا، إلا أنه يحرص على تسجيل فيديو أو عدة فيديوهات يتبنى وجهة نظر مسايرة للدولة حتى يستعين بها وقت المساءلة. !!

وأذكر عام 2011 كنت برفقة بعض القساوسة لإلقاء ندوة مشتركة فى نقابة الصحفيين، وكانت الندوة السابقة لموعدنا فى نفس القاعة لواعظ سلفي  من وعاظ القنوات الدينية وقتها، وكان مشهوراً عنه حرمة التعامل مع المسيحي وله فتاوى منشورة  تدعوا إلى التضييق على المسيحى فى الطريق من باب إظهار عظمة المسلم (على حد تعبيره).

فوجئت بهذا الشيخ بعد ما صافحنى يأمر مساعده بالتقاط صورة مع القس ! وقال نصاً بكل براجماتية "صورنى يا ابنى صورة مع القسيس يمكن نعوزها فى يوم من الأيام " !!! .

حتماً معظم من تم تكوينه داخل جماعات دينية يقوم بهذه اللعبة ، مع استخدام (التقية) والتى يسمونها "التعريض" يعنى الخروج من الموقف بحيلة الكذب بأسلوب إيهام الناس بشيء مغاير لحال المتحدث مع استخدام كلمات مطاطة تحمل المعنيين !

لا يعنى ذلك تشكيكى فى توبة هؤلاء؟ بالعكس !

أتمنى توبة هؤلاء جميعاً ولكن :

التوبة هى الندم على الفعل والإقلاع عن الخطأ والعزم على عدم العودة إليه، ورد المظالم إلى أصحابها، وبالتالى تطبيق هذه التوبة يعنى المراجعة العلمية كما فعل د ناجح إبراهيم وزملائه من أعضاء الجماعة الإسلامية وليس المراوغة واستخدام التقية !! .

والتائب يلزمه المكث فى بيته ودعوة الشباب المتورط فى الإرهاب إلى تصحيح  أفكاره، لأننا فى معركة حق لا تتحمل مراوغات !! .

بالطبع لسنا بصدد الحكم على أشخاص هؤلاء الوعاظ !! ولا على الشيخ حسان ! هذه ليست مهمتنا ولا يجوز تناول أشخاصهم إلا بأدب الإسلام ولهم كل التقدير على المستوى الشخصي.. لكن مكافحة الفكر المسموم هو واجب الوقت، وجهاد الكلمة  فريضة  قال الله تعالى فى شأنها: "وجاهدهم به جهاداً كبيراً" 52 الفرقان.

يعنى جهاد الحجة والبيان والبرهان

ولأجل هذا لابد من نشر الوعى بكل الطرق !

ولابد من تحديث الخطاب الدينى، من خطاب وعظى فقط ! إلى خطاب وعظى وفكرى يعالج إعوجاج الأخلاق وقبله إعوجاج الفكر ومجابهة الحروب الحديثة !

اللهم إني قد بلغت، اللهم فاشهد

الشيخ أحمد تركى

Dr.Randa
Dr.Radwa