الخميس 25 ابريل 2024

حديث النفس.. لم يتبق شيء!

مقالات3-8-2021 | 20:56

نسعى.. نجري.. وربما نحلق.. نزاحم بعضنا البعض، في وسط ندرة من الفرص قد تصل لفرصة واحد،  يتهافت عليها العشرات والعشرات، في معركة قد تكون شرسة واضحة معلنة كاشفة.. أو خفية تصل للوضاعة.. نُحترم أو لا نُحترم.. ليس المهم عند الكثير.. المهم هو الفوز، الذي يدفعنا ليزيح كل منا الآخر ليأخذها وحده، والتي نادرا ما يتقاسمها مع أحد مهما كان.

 

يا لها من رحلة ركض وتقطيع يستخدم فيها البعض كل الأسلحة الشريفة وغير الشريفة، وقد يصل ويختزل غير الشريفة ليؤكد أنها كانت معركة شريفة، وإذا فشل يقول إنها كانت معركة غير شريفة.

 

وقد نقضي حياتنا كلها في "اللا شيء"، وعندما تشرف على النهاية نفيق وربما ننتحر أو نطلب مكافأة نهاية الخدمة!

 

نسير في حياتنا ظانين أنه سيأتي يوم نأخذ فيه حقنا الطبيعي، ولكن حينما نصل لنهاية الطريق الذي تشارف فيه أعمارنا على النهاية أيضا لا نجد ما نأخذه.. وتتساءل أكان خطئك أم خطأ الآخرين، ربما كان سوء تقدير منك بأن كنت من البلاهة أن تتصور أنه تبقي لك شيء تأخذه، حتى ولو كان ثوبًا مهلهلًا لم يعد يصلح لأحد يرتديه.. لم يعد موجودًا، فالإناء فرغ! على الرغم أنك كنت تصبر نفسك طوال رحلتك بقول "فات الكثير وما بقى غير القليل"، ولكن نهاية الطريق تواكبت مع نهايات الأشياء، فانتهي كل شيء في وقت واحد.

 

بيئات الأعمال مثل الأسواق، فيها من يحتكر السلعة ليحتكر الربح وحده، ولا مانع من توزيع بعض من هامش الربح على الشغيلة لكن الأعم والأكثر عددا سيكون عملهم بالسخرة فقط لإتمام العمل الذي يتحول إلى واجهة لخدمة آخرين، تتوزع ثمار العمل عليهم فقط، ووسط هذه البيئات يوجد الطامحين والحالمين في أن يحققوا  أمرًا مشروعًا، خاصة ولو كانوا من صغار السن، قد يتخذون من الذين على قمة العمل قدوة لهم ويرون في تجاربهم النبوغ فأصبحوا يطبقونها ليصبحوا مثلهم، المهم أن لديهم الطموح المشروع للوصول لهذه المنزلة.

 

وهناك من هم في وسط السلم لا هم بالصغار ولا هم بالكبار، فماذا عساهم أن يفعلوا؟ أيطمحون في الأفضل لينتقلوا لدرجة أعلى تحسن من وضعهم؟ صحيح منهم من يحلم، لكن هنا الفرق بين الحلم والطموح، فالحلم هنا قد يتعلق بحدوث "صدفة" تحقق هذا الحلم على الرغم أنهم ليسوا في بؤرة المشهد، وقد يكونوا من التعقل حتى يعلموا أنه لا محالة أن يخرجوا من هذه المنزلة أبدا، سيظلون في المنتصف وأن حدث تغيير فسيكون لمن يصغرهم بدافع الطموح الجارف الكاسح ليحيلهم لكبار، وتتدنى أوضاع من في المنتصف ليصبحوا من الصغار في المنزلة والمكانة، ولكن لم تفرق كثيرا معهم، فهم اعتادوا علي الحسرة والألم.

 

نأت للكبار، وغالبًا تكون أعدادهم قليلة على قمة هرم به أعداد أكبر لكنهم من يحصلون علي ثمار الأعمال، التي تكتب أسماؤهم عليها، ويتوجون ويتحكمون في المنظومة بالمنح والمنع، وقد تمتد فترة بقائهم حتى تحيل الأوضاع للأسوأ أو يصبح الجميع في حالة من يأس التغيير أو الطموح فجميع الشواهد تؤكد استمرار الوضع علي ما هو عليه!

 

ولكن تمر الأيام والسنون ويكبر الصغير ويتقدم الكبير في العمر، وهنا عقدة الحكاية فينظر كل إمرؤ إلى رحلته، وماذا قدمت يداه، أكانت رحلة مثمرة، أخذ فيها حقوقه أم "مثلما دخلها خرج منها يا مولاي كما خلقتني"، وربما ندم على رحلة عمره الذي ضاع فيها وكأنه عاش رحلة "اللا شيء" أو نام واستيقظ ليجد "اللا شيء".

 

وفي حياتنا فرص تقابلنا وتقابل غيرنا، الحياة نفسها يعتبرها المتفاؤلون فرصة كبيرة ليصنع فيها ما يريد وانه يجب عليه أن يغتنمها كي يحقق أحلامه وطموحاته.. وهنا نتحدث عن الذين يحيونها بشكل صحيح بأن يضعوا الهدف ويرسمون طرق تحقيقه، وكلما واجهوا صعابًا أو تحديات لا تشغلهم عن تحقيقها، وربما في سبيل تحقيقها أضاعوا فرصا أخرى تعد ثمينة، لكنها بالمقارنة بالهدف الذي يبغون تحقيقه ثمنا قليلا، وفي تصوري أنها أمور نسبية قد يرى البعض مثلًا أن رحلة نجوميته وشهرته في أحد المجالات تجعله يتفرغ تماما لها فلا يتزوج أو ينجب أطفالا.. واحيانا تكون هذه التنازلات تمثل احلاما لآخرين،  وقد ينكب الإنسان علي عمله ليل نهار، ويحرم نفسه من متع عديدة في الحياة، ليحقق مركزًا مرموقًا في عمله وآخرون يضحون بفرص من المال والثروة في سبيل رعاية أسرهم.. المهم أن الأهداف والغايات تخضع لأولويات الإنسان، وقد يندم في نهاية المطاف وقد يكون راضيا تمام الرضا عن نفسه بهذا المكسب في مقابل خسارة أشياء أخرى.

 

وربما يتحسر على فرص طالما حلم بها إذا لم يكن له الاختيار أو أنه يرى أنه كافح من أجلها ولم تأت إليه، حتى عندما يعمل بصبر ومثابرة يظن أنه سيحصل عليها ولكنه يفاجأ بالعكس ظنا منه أن كل بيئات الأعمال تطبق نظريات الثواب والعقاب !

 

فليس شرطا أن نملك كل الحلول لكل المشكلات، فأحيانا نكون نحن حلولا لمشكلات غيرنا، وقد نبحث عن الفرصة ونقدم كل ما يلائمها من تنازلات أو إضافات ولا تأت، وقد نفقد أنفسنا في سبيلها ونجدها تخرج لسانها لنا وتقول ابحث عن غيرك من دون أن يفقد نفسه، فكلانا خلق للآخر وسنلتقي دائما دون عناء، فكثيرا ما نعيش أمورا في حياتنا أسبابها مجهولة .

 

والحديث كثير عن فرص الحياة في الحب والأسرة والثروة والعمل الممتع، وكل إنسان يحدد فرصته، فقد يكون الحظ فرصة، وقد تكون الفرصة صانعة الحظ بأن اغتنمها الإنسان بكل ذكاء وليونة ومرونة، واستطاع أن يخلق منها الحظ السعيد، وأحيانا تكون وهمية تصل لان تكون سرابًا او مستحيلة التحقيق، فمثلا هناك حلم دائم لأحد الأشخاص في كذا او كذا، وهذا الحلم بعيد عن التحقيق يصل لدرجة الاستحالة، لكنه يظل يتعلق به فقد يكون أحد أسباب تعلقه بالحياة، لأنه خلق لنفسه أمرا يعيش على أمله، ولكنه لا يزال يحلم به وقد لا يواجه نفسه بتعثر تحقيقه أو تأخر تحقيقه، فقط يحلم به ليشعر بوجوده في الحياة.

 

وآخرون من الطامحين يرون أن قدرات الإنسان تصل لتحقيق المعجزات، وفي الحقيقة أن المعجزات لا تتحقق علي يد الإنسان، فقد يتغلب علي بعض التحديات أو الصعاب وينجح، أما تحقيق المعجزات فهو أمر خارق يحتاج لقدرات خارقة فاعلة لتحقيقه، لكنها كلمات للتشجيع والتحفيز، فالمستحيل حدوثه أمرًا نسبيًا، فقد نرى أن فلان قدراته ضعيفة أو أصعب من قدراته ولكنه ينجح في اجتيازه.

 

باختصار، حال واءمت بين القدرات والهدف وكانت النتيجة الاستحالة التي خالفت توقعاتك، إذن هو أمر نسبي لا يصح تعميمه، كما أن الفرص ليست مناسبة للجميع فاختيارك نفسه لنوعية الفرصة التي تناسبك أمرا مهما، قد تكون فرصة غير ملائمة لك ينتهي قبولك لها بالفشل المحقق وتكون ملائمة لغيرك، وفرص ميئوس منها نهايتها أيضا الفشل، المهم أن يكون القرار شجاعا وحاسما، كما أنه لابد وأن يكون سريعا، فإطالة التفكير والتردد في قبول الفرص يضيعها، ومتي ضاعت لن تعود مرة أخرى، فالفرصة تأتي للإنسان مرة واحدة، وإن ضاعت منه يتحسر على ذهابها ولن تعود.

 

وليس صحيح أننا لا نبكي على ضياع فرص في حياتنا على الرغم أأأن التباكي عليها غير مفيد، ولكنها دروس الحياة التي نتعلم منها فهي الخبرات في مواجهة ما هو آت، فندفع الثمن مقدما ولكن لا يجب ألا نصل لحالة اليأس ولا نبالغ في التفاؤل أيضا، لأن مجرد رفع سقف التوقعات في أي أمر من الأمور قد يصيب الإنسان بالإحباط والتعاسة، كل شئ بمقدار وعمل حتي لو كانت النتائج مخيبة للآمال.

 

لابد وأن نتعلم اننا لسنا جميعا نحصل على نتائج أعمالنا بما نستحق، فمنا الملتزم والجيد في عمله ولا يحصل علي التقدير المستحق، وآخر متكاسل صانع الضجيج وربما يتجاوز في حقوق زملائه ويحصل على أكثر مما يستحق، ولكن لابد وأن تعلم أنها مقاييس بشر تخطئ وتصيب، قد تظلم في عملك، ولكنك أديت واجبك على أكمل وجه تستحق راتبك وراحة الضمير قبله، وآخر حصل عليه بالحيلة فلن يفلت من العقاب الإلهى.

 

تتساءل: نحن في الدنيا أننتظر الآخرة للحصول علي الثواب والعقاب؟ أقول لك إن عملك في الدنيا تثاب وتعاقب عليه في الدنيا والآخرة، ولكننا غافلون أو نتغافل.. وإلا فلماذا نحرص على الرزق الحلال في طاعة الله، ونطعم أولادنا هذا الرزق ونرجو الصحة لأبداننا التي تتغذي على هذا الرزق.

 

وتأكد أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك لكنه اختبار الرضا الإلهي!

في نهاية رحلتنا دائما ما نقول لم يعد أمامنا الكثير لنفعله، ولم يتبق لنا سوى خطوات على النهاية، فهل نقول ذلك لأننا لم يعد لدينا قدرة على العطاء، أم ان العطاء مرتبط بمدة زمنية ينتهي بنهاية هذه المدة؟ المفترض أن نعطي طالما اننا أحياء، ونظل نتعلق بالأمل، صحيح لا نزاحم الصغار في أخذ حقوقهم، حتى وإن لم يحالفنا الحظ ولم نأخذ فرصتنا واغتصبها غيرنا.

 

لكن يا عزيزي، متى نظرت إلى تجربتك التي ترى أنك كنت فيها مخلصا ولم تحصل على التقدير المستحق، وتجربة غيرك الذي لم يكن في إخلاصك وحصل على تقدير أكبر منك، ترى انه في عمر الزمان لا فرق بين الإثنين كثيرا، لأنه حتما سيغدو ماضيا، فلم يعد يجدي أن تنظر وراءك أو تتحسر، فصاحب التقدير الأعلى نفسه أكيد ينظر لنفسه أنه لم يحصل على حقه، لأنه قد يرى  من الطموح ما يجعله يرى في نفسه نبوغًا يؤهله لأكثر من ذلك، ونتساوى جميعا في طموحنا الأعلى من وضعنا الذي نحن عليه، دائمًا يريد الإنسان الأفضل والأحسن، ويرى في نفسه ما لا يراه في غيره، يريد لنفسه أن يكون مالك كل شيء والآخرين تحت إمرته.. الكل لا يرضى بما هو فيه دائما وأبدًا.. الكل ينظر حوله ولا ينظر لنفسه حتى في تقديره لنفسه يبحث عنه في عيون ونفوس الآخرين فنصبح ضحايا لبعضنا البعض، وقد نقتل بعضنا البعض وقد نقتل أنفسنا بسبب الآخرين.. غريبة هذه الحياة!

Dr.Randa
Dr.Radwa