السبت 20 ابريل 2024

رحل الوالي وبقيت آثاره ..في ذكرى وفاة مؤسس الدولة الحديثة

محمد علي باشا

ثقافة2-8-2021 | 12:17

عبدالله مسعد

يحل اليوم الثاني من أغسطس، ذكرى وفاة محمد علي باشا، مؤسس الأسرة العلوية وحاكم مصر ما بين عامي 1805 إلى 1848، ويشيع وصفه بأنه مؤسس مصر الحديثة، وهي مقولة كان هو نفسه أول من روج لها واستمرت بعده بشكل منظم وملفت، واستطاع أن يعتلي عرش مصر عام 1805 بعد أن بايعه أعيان البلاد ليكون واليًا عليها، بعد أن ثار الشعب على سلفه خورشيد باشا، ومكّنه ذكاؤه واستغلاله للظروف المحيطة به من أن يستمر في حكم مصر لكل تلك الفترة؛ ليكسر بذلك العادة العثمانية التي كانت لا تترك واليًا على مصر لأكثر من عامين.

وخاض محمد علي في بداية فترة حكمه حربًا داخلية ضد المماليك والإنجليز حتى خضعت له مصر، ثم خاض حروبًا بالوكالة عن الدولة العثمانية في جزيرة العرب ضد الوهابيين وضد الثوار اليونانيين الثائرين على الحكم العثماني في المورة، كما وسع دولته جنوبًا بضمه للسودان، وبعد ذلك تحول لمهاجمة الدولة العثمانية حيث حارب جيوشها في الشام والأناضول، وكاد يسقط الدولة العثمانية، لولا تعارض ذلك مع مصالح الدول الغربية التي أوقفت محمد علي وأرغمته على التنازل عن معظم الأراضي التي ضمها.

وخلال فترة حكم محمد علي، استطاع أن ينهض بمصر عسكريًا وتعليميًا وصناعيًا وزراعيًا وتجاريًا، مما جعل من مصر دولة ذات ثقل في تلك الفترة؛ إلا أن حالتها تلك لم تستمر بسبب ضعف خلفائه وتفريطهم في ما حققه من مكاسب بالتدريج، حتى سقطت دولته في 18 يونيو سنة 1953، بإلغاء الملكية وإعلان الجمهورية في مصر.

كما اهتم محمد علي بالثقافة والتراث والمعمار، وكان له دور مهم فى حفظ الآثار المصرية، حيث إنه أصدر أمرًا بإنشاء مصلحة الآثار والمتحف المصرى، وأسند إدارتهما إلى "يوسف ضياء أفندى" بإشراف رفاعة الطهطاوى، والذى كان نواة لأول وزارة للآثار المصرية وأول متحف مصرى. وجاء قرار إنشاء مصلحة الآثار للحد من إخراج الآثار المصرية خارج البلاد، قد تمت فى يوم 15 أغسطس من عام 1835م، عندما قام محمد على باشا والى مصر بإصدار مرسوم يحظر تمامًا تصدير جميع الآثار المصرية والاتجار بها، وشمل أيضًا هذا المرسوم إنشاء مبنى بحديقة الأزبكية بالقاهرة استخدم دارا لحفظ الآثار، ولسوء الحظ كانت تلك القطع الأثرية عادة ما يمنحها حكام مصر لوجهاء أوروبا كهدايا، وترك لنا محمد علي باشا عددا من الآثار الخالدة التي ظلت خالدة باقية حتى يومنا هذا، ومن هذه الآثار:-

مسجد محمد علي بالقلعة

بُنى مسجد محمد علي باشا داخل قسم من أرض قصر الأبلق داخل قلعة صلاح الدين الأيوبي بالقاهرة، ويُعد المسجد أجمل منشآت محمد علي باشا، وتم الشروع في بنائه سنة 1246هـ "1830م" واستمر العمل فيه بلا انقطاع حتى توفي محمد علي باشا سنة 1265هـ "1848م" فدفن فيه ثم أمر بإتمام زخارفه عباس باشا الأول.

ويتكون المسجد من شكل مستطيل ينقسم إلى قسمين: القسم الشرقي وهو بيت الصلاة أو حرم المسجد، والقسم الغربي وهو الصحن تتوسطه فسقية للوضوء،فمن الباب الذي يتوسط الجدار البحري للمسجد ندخل إلى الصحن، وهو عبارة عن فناء كبير مساحته حوالي 53×54 متراً تحته صهريج.

ويحيط بالصحن أربعة أروقة ذات عقود محمولة على أعمدة رخامية تحمل قباباً صغيرة منقوشة من الداخل ومغشاة من الخارج بألواح من الرصاص وبها أهلة نحاسية، وفي وسط الصحن المكشوف نجد قبة للوضوء أنشأت سنة "1263 هجرية - 1844م" ذات رفرف خشبي ومقامة على ثمانية أعمدة رخامية وباطن هذة القبة زين برسوم ملونة تمثل مناظر طبيعية متأثرة بالأسلوب الغربى.

وعهد محمد علي باشا سنة 1830م إلى المهندس التركي "يوسف بشناق"، ليقوم بوضع تصميم المسجد، فاقتبس من تصميم مسجد السلطان أحمد بالآستانة المسقط الأفقى بما فيه الصحن والفسقية مع بعض التغييرات الطفيفة، ويمتاز التصميم الداخلي للمسجد بتأثير الفن البيزنطي على تصميمه.

قصر محمد علي بشبرا

يُعد قصر محمد علي باشا من أعرق وأهم القصور الملكية، حيث يقع قصر بمدينة شبرا الخيمة على كورنيش النيل، اختاره محمد علي ليكون بعيدًا عن مقر الحكم، الذى كان وقتها بقلعة صلاح الدين الأيوبي، ويكون هذا القصر مكانًا للاسترخاء والاستجمام لاستعادته الطاقة والراحة والهدوء، شيد القصر على عدة مراحل، استمرت ثلاثة عشر عامًا بدأت في عام 1808، واستمر حتي عام 1821، وأضيفت إليه سرايا الجبلاية عام 1936، وتكلفت الأعمال الإنشائية قرابة الربع مليون جنيه.

قام بتصميمه "مسيو دروفتي" قنصل فرنسا العام في ذلك الوقت، والذى كان أحد أصدقاء محمد على باشا، ليصبح القصر تحفة معمارية امتزج فيها الطابع التركي بالطراز الأوروبي ليجسد تفردًا غير مسبق في البناء والتشييد، و يقع القصر على مساحة 50 فدانًا في أرض متسعة امتدت حتى بركة الحاج، وتمت زراعة وغرس العديد من الأشجار والنباتات النادرة، وأقام عددًا كبيرًا من البساتين.

 اعتمد تصميم القصر في جوهره على الحدائق الشاسعة المحاطة بسور ضخم تتخلله أبواب قليلة العدد، ويتم تشييد عدة مبان كل منها يحمل صفة معمارية مميزة ومنفردة، أي يكون لكل مبنى صفاته المعمارية الخاصة، ولهذا اختار محمد علي هذا المكان البعيد ليكون هو المهرب من مشكلات الحكم وبعيدًا عن مناطق الصراع.

جاءت عمارة القصر على نمط جديد لم تعرفه مصر من قبل، وساعدت المساحة الشاسعة للموقع الجديد على اختيار طراز معماري من تركيا، هو طراز قصور الحدائق، والذي شاع في تركيا على شواطئ البوسفور والدردنيل وبحر مرمرة.

 

قصر محمد علي بالسويس

 يقع قصر محمد علي باشا بالقرب من شاطئ الكورنيش القديم بالسويس أو "الخور"، كما يطلق عليه أبناء محافظة السويس، تم تشييده منذ حوالي 155 سنة، في العام 1812، أثناء عهد محمد علي، وأنشئ القصر مباشرة على البحر بمنطقة الخور بشارع النبي موسى.

قصر محمد علي يتكون من طابقين وقبة عالية على أفخم طراز على التصميم التركي، كان مقررا لأسرة محمد علي، للإشراف على إنشاء أول ترسانة بحرية فى مصر، ومحمد علي باشا كان يقضي فيه بعض من شهور السنة، وكان مقر لإبراهيم باشا نجل محمد علي، من أجل التخطيط  للحملات المصرية في السودان والحجاز، وأشرف منه على سفر جنود الحملة.

 

قصر الجوهرة

يُعتبر قصر الجوهرة أحد أهم القصور الموجودة في قلعة صلاح الدين الأيوبي، ويقع القصر  إلى جانب جامع محمد علي أو قلعة محمد علي، وقد تحول إلى متحف على الرغم من أنه بني في الأساس ليكون مقراً لزوجة محمد علي باشا، الذي بناه عام 1814م.

وحرص محمد علي على أن يكون هذا القصر في غاية الفخامة، وقصر الجوهرة هو الذي حدثت فيه مذبحة القلعة. وأن التخطيط المعماري للقصر عبارة عن كتل رئيسية تتكون من طابقين، ويضم القصر عدداً من المباني التي خُصصت لنوبة الحراسة وأسوار الساحة الجنوبية للقلعة.

يقع قصر الجوهرة في الطرف الجنوبي الغربي للساحة الملكية أو الحوش السلطاني وكان موضعه أبنية قديمة أيضا ترجع إلى العصر المملوكى وقد ذكر المؤرخ عبد الرحمن الجبرتى في كتابه "عجائب الأثار"، أن الشروع في بناء هذا القصر كان في سنة 1227 هـ / 1812م أما الانتهاء منه فقد تم على مراحل ، فقد اختلفت التواريخ الموقعة على النصوص التأسيسية للقصر فاللوحة الموجودة على باب الدخول مؤرخة بسنة 1228 هـ / 1813م ونصها "يا مفتح الأبواب افتح لنا خير الباب سنة 1228 هـ"، بينما جاء في لوحة أخرى تقع على الباب المؤدي إلى بهو الاستقبال الرئيسي تاريخ سنة 1229هـ / 13 - 1814م ونصها ، الله ولي التوفيق سنة 1229 هـ  .

لقد تعرض القصر أكثر من مرة للحريق في حياة محمد علي باشا نفسه وأعيد بناؤه ، فقد احترق في المرة الأولى سنة 1235 هـ / 1819م بسبب احتراق الجبخانة أو مصنع البارود الذي يقع خلفه فقد ذكر المؤرخ عبد الرحمن الجبرتى أن سراية القلعة أو قصر الجوهرة قد احترق وظل يومين مشتعلًا كما احترق أيضًا ناحية ديوان الكتخدا وغيره من العمائر .

 

قصر رأس التين

أمر محمد علي أن يُشيَّد قصر رأس التين على هيئة حصن ليكون كمقر حكمه في قلعة صلاح الدين بالقاهرة، ووضع تصميم القصر المهندس الفرنسي "سير يزي بيك" عام ١٨٣٤ – ١٨٤٧ أي استغرق البناء ١٣ عامًا ولم يتبقَّ من قصر محمد علي القديم سوى البوابة التي تحمل اسم "محمد علي" وبعض الأعمدة الجرانيتية.

وفي عهد الخديوي "إسماعيل" صار قصر رأس التين المقر الصيفي لحكام أسرة "محمد علي"، وفي عهد الملك "فؤاد" قام بإعادة بناء قصر رأس التين، فجعله مكوَّنًا من ثلاثة طوابق؛ فصار بناؤه وأثاثه أكثر جمالًا وعصرية، وعلى جزء من مساحة القصر بُني مسجد ذو طابع معماري متميز

مبنى الأميرات أضافه الملك "فاروق" للقصر، وكانت الملكة والأميرات في أثناء الصيف يلحقن بالملك في قصر رأس التين بالإسكندرية، وأنشأ الخديوي إسماعيل محطة للسكة الحديد داخل القصر لينتقل وأسرته من قصر رأس التين بالإسكندرية إلى القاهرة، وقد قام الملك "فؤاد" بتجديدها عام ١٩٢٠ .