الخميس 25 ابريل 2024

ظَهَرَ الفَسادُ فى البَرّ والبَحْرِ...

مقالات13-7-2021 | 13:28

مُصطلح الفساد بكل أشكاله ومعاييره  ظاهرة عالمية منذ قديم الأزل، واقترنت تلك الظاهرة بمصر خلال سنوات طوال، وهو يشمل إساءة استخدام السلطة العامة والمناصب من قِبل المسؤولين المنتخبين أو المُعينين لتحقيق مكاسب شخصية، وأدواته الابتزاز والرشوة واستغلال المنصب للتربُح.

 وذاقت مصر أهوال الفساد الإداري على مدار قرن من الزمان حيث اختلفت طريقة كل نظام في الحد منه وكيفية مُحاسبته؛ فمُنذ عصر الملك فؤاد والذي طالته شبهة الفساد والتربح هو نفسه؛ حيث اعتلى العرش مُفلسًا ومديونًا وسرعان ما تملك الأراضي والأطيان- بالسطو على أراضي الدولة - في غضون سنوات وأغدق بها على أقاربه الأُمراء، وفي عهده بَرُز اسم ( إسماعيل صدقي باشا) كأكبر مُتربح مقرونًا بقضية فساد كورنيش الإسكندرية وتعلية خزان أسوان ومع ذلك لم يُحاكم أو تمت محاسبته.

وجاء فاروق وحاشيته بإرث فساد أكبر خاصة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ولعل أشهر تلك القضايا هي قضية السلاح الفاسد في حرب فلسطين 1948 وتم الإطاحة بحكومة نجيب الهلالي الأولى من جراء رشوة الملك نفسه ثم قضية التلاعب في بورصة القطن والتي اشترك فيها وزراء وموظفون كبار ولعل أشهر تهم الفساد تلك التي جاءت حيثياتها في (الكتاب الأسود) بين الصديقين - العدوين فيما بعد -مكرم عبيد والنحاس باشا، وسواء كانت الاتهامات باطلة بإيعاز من القصر لتشويه النحاس أو كانت الاتهامات حقيقية  فمعايير تلك القضية باعثة للسخرية عند تذكرها فى يومنا هذا حيث اتهِم زعيم الأمة بتمرير بعض الترقيات الاستثنائية لموظفين موالين لحزب الوفد مقرونًا بواقعة شراء الچاكيت الفرو لزينب هانم الوكيل  زوجته!

ثم أتى الرئيس جمال عبد الناصر وظل شخصه وأسرته وأقاربه فوق مستوى الشُبهات لكن نزاهته لم تمنع أن يُطال شرف بعض رجاله ومنهم المشير عبدالحكيم عامر من جراء قضايا تربُح، وتمثلت مظاهر الفساد فى هذا العصر في الاستيلاء على مجوهرات وعقارات خاضعة للحراسة أو المُصادرة واختلاسات من أموال القطاع العام لكن تُهم الفساد كانت بعيدة عن رجال الصف الأول فى نظام يوليو الذين لم يكونوا ثروات ولم يثبت عليهم التربح.

ومع الانفتاح الاقتصادي فى عهد الرئيس السادات واقتناعًا منه بالنصيحة الأمريكية بالتساهل مع الفساد لإعادة تكوين الطبقة الرأسمالية والمساعدة لقيامها - بعد وأدها فى العصر السابق -لأنها الوحيدة القادرة على قيادة التنمية فى البلاد؛ جاء الفساد تحت مظلة حماية حكومية من خلال توزيع التوكيلات التجارية بطريقة المحسوبية والتهاون فى ردع مُغرقي السوق بالسلع الاستهلاكية وتفعيل مبدأ العمولات، لكن مُفسدي هذا العصر لم يستثمروا أموال تربُحهِم  فى مصر مثل أقرانهم  فسدْة أمريكا؛ بل سعوا لتهريب الأموال بالخارج واستثمارها فى دول أخرى.

 واتعظ الرئيس مبارك وجاء بجملته الشهيرة (الكفن مالوش جيوب) وأمر بضرورة  إعادة إحياء هيئة الرقابة الإدارية، وتوقع الشعب خيرًا ببدايات القضاء على الفساد لكن طول مدة النظام وانغلاقه على نفسه ودائرته الضيقة حول الرئيس جعلت أدوات الرقابة والمُسائلة بيد الرئيس والمُحيطين به فقط بعيدًا عن البرلمان والقضاء والرأي العام  فتحول الفساد لعُرْف بل لوجاهة مقبولة.

وجاءت مصر الجديدة وبدءًا من 2014 اطلقت الدولة الاستراتيچية الوطنية لمُكافحة الفساد، سخر وتغامز البعض ولم تُصدِق الأغلبية، لكن مع تفعيل تواجد 33 جهاز رقابي لمواجهة الفساد ومع الشفافية الكاملة التى شهدتها مصر لأول مرة على مدار أنظمتها المُتعاقبة وفى ظل خطة مكافحة الفساد تحت إشراف رئاسي منذ 2019 وتمتد حتى تنفيذها كاملة فى 2022 ألقت الرقابة الإدارية القبض على مدير عام بمجلس الدولة ثم تم توقيف أمين عام مجلس الدولة ثم قضية فساد وزير الزراعة والحُكم عليه ثم قضية فساد القمح يوليو 2016 بالإضافة لقضايا رشوة وفساد مسئولي شركات المياه والكهرباء والمُحافظين وأعضاء البرلمان -  آخرهم نائب الآثار - بالإضافة للكثير من رجال الأعمال، واتبعت القيادة الشفافية الكاملة من أجل إطلاع المواطن على التفاصيل وهو ما كان يُحظَر على المجتمع معرفته فيما سبق سواء بتمويت القضية أو بحظر النشر وأصبح العقاب أمر حتمى لكل مرتشى أو مُتربْح أو خارق للقانون مهما كان منصبه .

من خلال الأخبار والمتابعات العالمية شهدنا مُحاكمة وزراء ورؤساء دول ومسئولين فى أوروبا وأمريكا، ولم يخطُر ببالنا كون تلك ستكون حقيقة مؤكدة على أرض مصر فى ظل القيادة الحالية، حيث لا صوت يعلو فوق صوت القانون ولا مجال لفساد فى الجمهورية الجديدة، مصر تعيد بناء مؤسساتها ومسئوليها بل تعيد بناء مفاهيمها ، مصر تتقدم وتتغير.. حفظ الله مصر وقائدها وشعبها .

Dr.Randa
Dr.Radwa