السبت 20 ابريل 2024

الإصلاح الإدارى واستكمال مسيرة التنمية البشرية

مقالات8-7-2021 | 14:42

تُعَدُّ قضايا الإصلاح الإدارى واستكمال مسيرة تتطوير وتنمية العنصر البشرى، والارتقاء بوعى وأداء القوة البشرية المصرية التى أصبحنا نطلق عليها "رأس المال البشري" لما له من أهمية وتأثير على سداد المؤسسات وإدارة مواردها بكفاءة وفاعلية. فقد أصبحت التنميّة البشرية من الأمور الأساسيّة التى تعتمد عليها أغلب المجتمعات المتطورة بهدف زيادة القدرات التعليميّة والخبرات العمليّة لمواطنيها لدفعهم وتشجيعهم على العمل المتواصل بكل جهدٍ ومحبة بعيدًا عن الشعور بالكسل أو العجز.

 

وقد وضعت القيادة السياسية الفترة السابقة على قائمة أولوياتها ملف التنمية البشرية وأولت له اهتماماً كبيراً كونه سيعود على الدولة المصرية بمنافع عديدة؛ منها رفع معدل الإنتاج والتأثير الإيجابى فى الإصلاح الإدارى. وقد أتى هذا الاهتمام ثماره، فقد أشادت التقارير الدولية بالنمو الملحوظ للدولة المصرية فى ملف التنمية البشرية، فجاء فى تقرير التنمية البشرية لعام 2019 الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائى أن مصر أحرزت مزيدًا من التقدم فى مؤشر التنمية البشرية لعام 2019 بنسبة 0.7%، لتحتل المرتبة 116 عالميا وحافظت على المرتبة السابعة فى إفريقيا و12 بين الدول العربية. وتحدث التقرير عن التنمية البشرية بشكل متزايد إلى ما هو أبعد من مؤشر التنمية البشرية، فينظر إلى جودة واستدامة التنمية البشرية،وفيما يتعلق بالمساواة بين الجنسين، يعتبر أداء مصر أفضل من المتوسط فى منطقة الدول العربية.

 

ويقوم الفريق البحثى التابع للامم المتحدة حاليا بإعداد تقرير التنمية البشرية فى مصر 2020؛ والذى تأتى تحت عنوان "التنمية حق للجميع: مصر المسيرة والمسار"، ويتم إعداده بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وذلك لبحث الموقف التنفيذى للتقرير بهدف رصد وتحليل مسيرة الدولة المصرية خلال العقد الماضى فى مجالات التنمية المستدامة، والإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، وقضايا الحوكمة والمرأة. الهدف من إصدار التقرير هو تسليط الضوء على نجاحات الدولة المصرية منذ يونيو 2013، إضافة إلى تسليط الضوء على ثمار الإصلاح الذى انتهجته الدولة المصرية منذ عام 2016. يأتى تقرير التنمية البشرية فى مصر للعام 2020 من منظور إعلان "الحق فى التنمية" الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1986، حيث أسس هذا الإعلان لما اعُتبر حقًا للشعوب النامية فى اختيار مسارها التنموى وتحقيق استقلالها الحقيقى دون إملاءات خارجية واستنادًا إلى قيمها الوطنية، ويناقش هذا التقرير المسار المستقبلى للإصلاحات المختلفة التى اتخذتها الدولة المصرية فى ضوء ما هو مُعد من خطط واستراتيجيات وفى إطار تطور الفكر التنموى على المستوى العالمى والتجارب والخبرات الدولية الناجحة.

 

يمكن حساب قيمة رأس المال البشرى بعدة طرق مختلفة. وفى العادة فعل الاقتصاديون ذلك من خلال قياس حجم المنافع التى يحققها الناس بعد البقاء فى المدرسة لفترة أطول. وقد وجدت الدراسات أن كل سنة إضافية من التعليم تزيد من دخل الفرد حوالى 10٪ فى المتوسط. كما أن جودة التعليم مهمة أيضا. فى الولايات المتحدة، على سبيل المثال، يؤدى استبدال معلم منخفض الكفاءة فى فصل بمدرسة ابتدائية بآخر متوسط الكفاءة إلى زيادة إجمالى الدخل الذى سيجنيه طلاب هذا الفصل طول حياتهم بمقدار 250 ألف دولار.

لكن القدرات المعرفية ليست الأبعاد الوحيدة لرأس المال البشرى التى يعوّل عليها. فالمهارات الاجتماعية والعاطفية، مثل المثابرة والاجتهاد، غالبا ما يكون لها عوائد اقتصادية كبيرة بالقدر نفسه. كما أن الصحة مهمة. فالشخص الأكثر صحة عادة ما يكون أكثر إنتاجية. لنفكر فيما يحدث عندما لا يعانى الأطفال من الديدان الطفيلية. وجدت دراسة أُجريت عام 2015 فى كينيا أن تناول أدوية التخلص من الديدان فى مرحلة الطفولة قلل الغياب فى المدارس ورفع الأجور فى سن البلوغ بنسبة تصل إلى 20% - وهى فوائد تستمر طوال الحياة لحبة لا تكلف سوى 30 سنتا لإنتاجها وتوزيعها.

 

إن الأبعاد المختلفة لرأس المال البشرى تكمل بعضها البعض منذ السنوات الأولى من العمر. فالتغذية السليمة والتحفيز خلال شهور الحمل وأثناء الطفولة المبكرة يعملان على تحسين الرفاه الجسدى والنفسى خلال سنوات العمر التالية. على الرغم من أنه يمكن سد بعض الفجوات فى المهارات المعرفية والاجتماعية والعاطفية التى تظهر فى سن مبكرة فى وقت لاحق، يصبح القيام بذلك أكثر تكلفة مع بلوغ الأطفال سن المراهقة. ليس من المستغرب إذن أن التركيز على رأس المال البشرى خلال الأيام الألف الأولى من حياة الطفل هو واحد من أكثر الاستثمارات فاعلية من حيث التكلفة التى يمكن أن تقوم بها الحكومات.

وفى الختام.. نستطيع أن نؤكد أن ملف التنمية البشرية هو الثروة الحقيقية للأمم.