السبت 20 ابريل 2024

ثماني سنوات على إعادة الروح للجسد

مقالات3-7-2021 | 10:31

تبلغ ثورتنا الحميدة عامها الثامن بكل الخير واليمن والبركات والإعمار والسلام على بلادنا، في وقت تعج فيه المنطقة بالكثير من حالات عدم الاستقرار، والتي لولا جهود السيد الرئيس الحثيثة غرباً وشرقاً وجنوباً لكان الوضع أسوأ بكثير مما يبدو عليه.

تلك الثورة التي أعادتنا إلى خريطة العالم من أوسع الأبواب، وعلى طاولة السياسة من أعظم المداخل، كما أعادتنا إلى منتصف قلب الوطن الذي كان ينزف آنذاك، وكأنه كان ينادينا بصوت أنين مشروخ مستنجداً بالشرفاء من رجاله ونسائه، شيوخه وأطفاله، مسلميه ومسيحييه، لم يفرق بيننا يوماً وبالتبعية لم نتنازعه إلا في قلوبنا.

فإنني أجزم بأننا كأسرة لم نشرع بالمشاركة من قبل من قريب أو بعيد في أي من المظاهرات أو الاحتجاجات في أي من المناسبات، اللهم باستثناء مشاركتي في المظاهرات السلمية للإعلان عن رفض الجماهير للإعلان الدستوري الغاشم الصادر أواخر عام 2012، إلا أن تلك المرة لم تكن كمثيلاتها، فمشاعر الغضب والخوف على الوطن الذي كان قد نُهِبَ بالكامل كانت قد بلغت أوجها، ليس فقط في محيط أسرتي ولكن امتد أثرها ليشمل معظم البيوت المصرية في كل المحافظات والقرى ريف وصعيد وحضر، حتى تلك الأسر التي لم يكن بمقدورها المشاركة خرجت إلى الشرفات لتحيي الجماهير السيّارة، المشهد كله كان ملوناً بألوان العلم الثلاثة والجميع يردد الأغاني الوطنية، حالة من البهجة والفرحة المُطمئنة المتوكلة دون معرفة العواقب، غير أننا اجتمعنا علي الوطن في أكبر قرار جماعي على مستوى الزمان والمكان.

شاركت مع جيراني وأقراني على مدار أربعة أيام في أشرف الثورات الجماهيرية الجماعية، كنت أقوم بالانتهاء من عملي منذ اليوم الأول من يوليو وحتى الثالث من يوليو، ومن ثم أذهب إلى منطقة الميرغني بمصر الجديدة لأنضم إلى باقي الجماهير الذين لم تجمعهم أهدافاً فئوية ولا رغبات فردية، لم تكن إلا حروف الكلمة الثلاثة "مصر" في أذهان الجميع الذي أدرك في لحظة ما أن التحرك إما الآن أو لا للأبد.

قد يكون العام البائس الذي أمضاه كل مصري في خلطة ذكريات شديدة الصعوبة والكمد، هو الذي يجب أن نتوجه له بالشكر على كونه الدافع المحوري للإيعاز للجماهير بالانتفاض، فالإبداع يولد من رحم المعاناة، وأقولها بصدق إن إبداع جموع الشعب المصري على مدار أربعة أيام هي عمر ثورة المخلصين ضد الطغاة، لهو إبداع من نوع خاص محل تأمل ودراسة في كافة فروع علم النفس والاجتماع والسلوك الجماهيري.

صدق من أكد على أن الشخصية المصرية ليس لها مرجعاً موحداً، فلم يكن بمقدور أحد منا أن يستشرف أو يتوقع ما سَيَلِي تاريخ الثلاثين من يونيو من أحداث، إلا أنه ووفقاً للمفهوم المصري غير محسوب الخطى في كثير من الأحيان كما تفعل الكثير من الشعوب المُنَظّمة الدقيقة، كان التصرف حاضراً دون أدنى حسابات أو توقعات.

لكن وبكل صراحة وشفافية أقولها، فإن حالة الونس الذي مارستها طائرات الهليكوبتر إلى جانب المتظاهرين منذ اللحظة الأولى أشاحت بالكثير من مشاعر القلق، بل وأبدلتها بكل رسائل الطمأنينة والدفء، حتى أن قربهم إلى درجة شبيهة بالالتحام مع الجماهير وإلقائهم بالأعلام كانا كفيلاً بتمرير رسالة سكينة من النوع الثقيل.

مرت الأيام الأربعة وانتظرت ملايين الجماهير حتى المساء بيان القوات المسلحة الذي تم التنويه عنه، الكل كان في حالة ترقب وانتظار مُر لا أحد يعلم المصير الذي نحن مقبلون عليه، وما أن تمت إذاعة البيان ودوت صرخات الملايين بالشوارع في نفس التوقيت حتى أن تنفس الجميع الصعداء وذهب الجميع إلى احتضان بعضهم البعض وتبادل عبارات التهنئة والمباركة بانقضاء الغمة وعودة الروح للجسد المعتل.

كانت عودة الروح هي عودة مصر

كل عيد ثورة مجيدة ومصر الوطن والأم والملجأ والسند والمتكأ بخير ... وعلى الدنيا السلام.