الخميس 18 ابريل 2024

التيجراى الإثيوبى.. وفشل آبى أحمد

مقالات2-7-2021 | 20:39

عندما تولى آبى أحمد السلطة فى إثيوبيا عام 2018، بدأ رحلته فى الهيمنة والسيطرة على مقاليد الأمور فى كافة الأقاليم الإثيوبية، وبدأ يخطط مع أعوانه كيفية التخلص من الحكام السابقين الذين كانوا ينتمون إلى إقليم التيجراى، ورأى أن الوسيلة الوحيدة التى يمكن اللجوء إليها لفعل ذلك، هى إتهامهم بالفساد، والرشوة، وانتهاك حقوق الإنسان، واستخدام جميع وسائل الإعلام الفيدرالية، لتشويه هؤلاء الحكام، ولتبرير تآمره المزمع تنفيذه ضد إقليم التيجراى.

 

ولم يتوقف آبى أحمد عند هذا الحد، بل حاول انتهاك القواعد الدستورية الراسخة، التى تتماشى مع الطبيعة العرقية الإثيوبية، والتركيبة السكانية، حيث القوميات المتعددة، والتى نص عليها صراحة الدستور الإثيوبى، حفاظا على القيم، والعادات، والتقاليد، والعقائد، التى تؤمن بها كل قومية من هذه القوميات المتعددة، وحاول آبى أحمد إلغاء كل هذه القوميات، وإعلان قيام حزب الإزدهار، وتعمد تأجيل الإنتخابات، لتتمركز فى يده كافة السلطات، دون أدنى اعتبار لأى قومية، ودون أدنى اعتبار للنصوص الدستورية التى نصت على مجموعة من الحقوق الأساسية، التى تأخذ فى الحسبان تعدد القوميات، ولا يمكن المساس بها، وقد ضرب آبى أحمد بعرض الحائط كل ذلك، مما أدى إلى اشتعال شرارة الحرب بينه وبين إقليم التيجراى.

 

ودخلت قوات آبى أحمد إقليم التيجراى واهماً شعبه، بأنه سيتخلص من المفسدين، والخونة، والعملاء، على حد تعبيره، خلال أسابيع قليلة، وهو فى حقيقة الأمر الخائن الحقيقى، حيث تآمره مع إريتريا التى حاربت إثيوبيا سنوات، لكى تتدخل فى نزاعه مع التيجراى، وتقتل شعبه، وتقتل كل من يحاول مجرد التفكير فى كبح جماح نذواته السلطوية، والاستبدادية، والسيطرة على زمام الأمور.

 

ولعل ما فعله آبى أحمد ضد شعبه، عندما استعان بدولة معادية، لمناصرته، والوقوف معه ضد كل من لم يرضخ لتنفيذ أجندته التآمرية، قد يشكل أمراً خطيراً فى تاريخ الشعب الإثيوبى، فكيف لحاكم أن يستعين بدولة خاضت حروباً ضارية ضد شعبه، ويسمح لها بدخول أرضه لتزهق أرواح الأبرياء، وتدمر، وتخرب، وتتلذذ فى الانتقام ممن وقفوا ضدها، دفاعاً عن الأرض، وعن السيادة، وعن أمنهم واستقراهم؟!

وقد أدى ذلك إلى تعالى الصيحات والنداءات المطالبة بسحب جائزة نوبل للسلام من آبى أحمد، لأنه حارب السلام، ولم يعزز قيمه بين شعبه، وعمل على نشر الفتن بين القوميات المتعددة، لتشتعل حرباً أهلية، قد تطول كافة القوميات، ليتناحر شعب الدولة الواحدة، لأسباب لا تتعلق بالدفاع عن السيادة، ولا تتعلق بمقاومة اعتداء خارجى، ولكن لأسباب تتعلق بهوى حاكم متسلط، ومغرور، أراد أن يأخذ من الطرق المليئة بدماء شعبه، الوسيلة لتحقيق غايته المستبدة.

 

واستخدم ملف سد النهضة، ليغرر بشعبه، ويضلل جميع الأقاليم، بأن حلمهم فى التنمية الشاملة، لن يتحقق إلا من خلال هذا السد، ودخل فى صراعات مستمرة مع الجانب السودانى، والمصرى، رافضاً كل محاولات التفاوض، بهدف الوصول إلى إتفاق قانونى ملزم، يضمن حقوق شعبه فى التنمية، ويضمن عدم المساس بالحقوق التاريخية لدولتى المصب السودان ومصر، واتضح أنه لا يهدف إلى تحقيق تنمية حقيقية لشعبه، بل استغل ملف السد، ليلتف حوله الشعب فى إقليم التيجراى، لمؤازرته ضد جبهة تحرير التيجراى، والتخلص من قيادتها، ولكن سرعان ما اكتشف الشعب فى التيجراى خداع آبى أحمد، واستمراره فى التضليل، ونشر الأكاذيب، وإلتف حول الجبهة، وخاض حرباً شرسة ضد قوات آبى أحمد، ليرجعه خاسراً، منكسراً، تاركاً العاصمة ميكيلى، ليغرد سكانها فرحاً، بالهزيمة الساحقة لآبى أحمد وأعوانه!

 

وحاول آبى أحمد الإستمرار فى رحلة الخداع، والتضليل، ليعلن بعد طرده من عاصمة إقليم التيجراى، بأنه انسحب من ميكيلى لأنه لا يرغب فى أن يقاتل الشعب بعضه البعض، وأنه قد دخل الإقليم، بناء على نداء، وطلب من شعب التيجراى، لإنقاذهم من شر حكام الإقليم، وهو ما لم يحدث، ولا يمت بأى صلة بالواقع، وقد كذب المتحدث باسم قوات إقليم التيجراى تصريحات آبى أحمد، لأن الأسباب الحقيقية التى دعت آبى أحمد لقتال شعبه فى التيجراى، تكمن فى نزعته الإستبدادية، وتمكين نفوذه، بالمخالفة للقوانين، والأعراف السائدة فى بلاده!

 

إن فشل آبى أحمد فى السيطرة على إقليم التيجراى، لا يعنى فقط، انتصار شعب التيجراى عليه، ولكن يعنى أيضاً بأنه غير مؤهل لتمثيل الشعب الإثيوبى فى كافة الملفات القومية، وأنه غير مؤهل لإدارة أى أزمة، قد تؤدى إلى دخول بلاده فى نفق مظلم، بسبب غبائه، وخداعه، وتسلطه، وبيع أمنه القومى، لدول أخرى، قد يؤدى فى نهاية المطاف إلى انهيار إثيوبيا !

أستاذ القانون ونائب رئيس جامعة أسيوط