الخميس 25 ابريل 2024

بمناسبة ذكرى ثورة 30 يونيو.. ترميم المؤسسات المعنية بنشر الوعى

مقالات24-6-2021 | 22:06

 

باديء ذى بدء أقصد بمؤسسات الوعى كل المؤسسات التى تصنع وتشكل شخصية الأطفال والشباب على المستوى الثقافى والدينى والوطنى. وجميعنا يلمح الصراع القائم فى هذه المجالات بين الـ business to business وبين الـ Professional ethics – (أخلاقيات المهنة)، وبعض العاملين فى مجالات الوعى (الفن - الدين - الثقافة- التعليم -الاعلام - الخ) تحولوا للأسف إلى نمط - business to business! ويتم ذلك بآليات الجذب والتأثير ونسبة المشاهدات على وسائل التواصل حتى ولو بنشر القبح والبلطجة، متجاهلين تماماً المعايير الأخلاقية والمصالح الوطنية والاجتماعية، ومتجاهلين جريمة تسميم العقل الجمعى والوجدانى للمجتمع المصرى، وتسميم العقل والوجدان أشد خطورة من تسميم الماء والغذاء، وساعدهم على ذلك انتشار ثقافة المكاسب السريعة الطائشة، وكذلك الشهرة التى يسيل لها لعاب الكثير، ونتج عن ذلك للأسف تدمير مضمون الرسائل والمعايير الأخلاقية.

 

فَلَو نظرنا إلى الإعلام سنجد أن المعيار الأول لوسائل الاعلام نسبة المشاهدة ! وليس الرسالة الإعلامية كما كان التلفزيون المصرى يؤدى دوره فى القرن العشرين، وأُثمن كثيراً الأعمال السينمائية والدرامية الوطنية الأخيرة التى ربطت عواطف الناس بالبعد الوطنى وضرورة مواجهة التحديات كمسلسل "الاختيار" وفيلم "الممر" الخ..

 

ولو نظرنا إلى الساحة الدينية سنجد الكثير من الفوضى، ولقد كتبت أمثلة كثيرة فى مقالاتى السابقة تدل على جزء كبير من تلك الفوضى، يمكن الاستشهاد بها، ولقد رأيت من واجبى بمناسبة ذكرى ثورة الثلاثين من يونيو العظيمة، تقديم بعض المقترحات لترميم الساحة الدينية، والخطاب المقدم للشباب والذى سيشكل ثقافته ووعيه وجاهزيته للعطاء فى المستقبل، والقضاء على نجوم المصالح الشخصية فى المجال الدينى. 

 وإليكم مقترحاتى:

 

1- مجابهة ترميز الجماعات المتطرفة لبعض الشخصيات التاريخية أو المعاصرة، وتسويقهم كأيقونات لتجنيد الشباب إلى التطرف والإرهاب. على كل المستويات؛ التعليمية والإعلامية والفكرية.. مثلما تم ترميز (ابن تيمية واستغلال فتاويه / البنا / سيد قطب ومنهجه الحركى التكفيرى الخ...)

وفى غفلة من الجميع تم تسويق بعض الشخصيات السلفية والإخوانية التى تحمل مهام سياسية ضدنا فى صورة دعاة إلى الأخلاق، ولا يزال بعضهم يمارس مهامه فى القنوات بتمويل ضخم.. فاحذروهم.

مع الوضع فى الإعتبار استعداد الجماعة الإرهابية لإعادة تدوير نفسها حتى ولو بعد مائة عام للوصول إلى الحكم مرة أخرى.

 

2- مقاومة الشائعات العلمية التى يوظفها التكفيريون كمبرر لجرائمهم  بالرد الواضح المبين مثل (التكفير - مفهوم الطاغوت - قتال العدو القريب اولى من العدو البعيد - الردة ومفهومها... الخ)

وللأسف توجد قابلية من قبل شريحة فى المجتمع المصرى لتقبل الشائعات والشبهات التى لها طابع دينى بل ونقلها وسرعة تدويرها، فيجب الوقوف لهذه الشائعات والرد عليها وتبيين الحقيقة، وإذاعة هذه الردود عبر وسائل الإعلام بصورة مقبولة وسهلة.

 

3- عزل القيادات الدينية التى عملت خلال العشرين سنة الماضية مع جمعيات الإخوان والجمعية الشرعية وجمعية أنصار السنة وغيرهم من الجمعيات القريبة فكرياً من الجماعة، وكانت تخدم عليهم من مناصبهم وخاصة الوظائف العليا (من مدير عام إلى أعلى وظيفة تنفيذية) وذلك ضماناً لعدم ممارسة البعض لـ"التقية" فى دعم التطرف بأساليب ناعمة.

ومما هو معلوم للجميع، وجود ظاهرة التائبين عن التطرف والمتحولين عن دعم الجماعة، ولا توجد معايير دقيقة حتى الآن للفصل بين من تاب توبة نصوحاً وغيّر ولاءه وأفكاره، وبين مَن تحول عن الجماعة تنظيماً وبَقى على فكرها يبث سمومه بنعومة.

لقد وجدنا حفنةً كبيرة من المعممين الأزاهرة كانوا قد شاركوا فى اعتصامى رابعة والنهضة، ومنهم من كان قيادياً فى أحزاب الإخوان، ومنهم من وقّع على بيان الجهاد فى سوريا، ومنهم من كان مسئولاً عن المعاهد الدينية للجمعية الشرعية والتى فتحت أبوابها لكل الجماعات لتشكيل عقول متطرفة.. الخ.

بالطبع توجد جهود جبارة للمؤسسات المعنية فى هذا الجانب، ولكن أتحدث عنها عن ظاهرة المتحولين عن التطرف والذين يحملون تكويناً ثقافياً متطرفاً وضرورة تجنيبهم أى منصب يمكن استغلاله ضد الإصلاح الدينى المنشود.

 

4- تسجيل الردود على الشبهات والشائعات يومياً أو أسبوعياً فى فيديوهات لا تتجاوز الدقيقتين، وأيضاً فى بوستات قصيرة ونشرها على السوشيال ميديا ومنتديات الشباب وتظل هذه العملية بصورة مستمرة للرد على الكتائب الإلكترونية المعادية الصانعة لهذه الشائعات.

 

5- نشر محاضرات عن مصر ومكانتها فى القرآن والأديان والتاريخ فى كل المدارس والجامعات ومنتديات الشباب وفى وسائل الاعلام والسوشيال ميديا؛ نظراً لجهل الكثير من أبنائنا بدور مصر ومكانتها.

 

6- تدريس مادة عن الولاء والانتماء الوطنى على المستوى الاجتماعى والدينى لطلبة المدارس والجامعات.

 

7- تفعيل الحوار مع الشباب فى الجامعات والتجاوب مع كل أسئلتهم.

 

8- مراجعة ومتابعة كل الفئات التى تتعامل مع الشباب على المستوى الفكرى والعلمى؛ مثل المدرسين وأئمة المساجد وأساتذة الجامعات الخ..، والتأكد من توجههم الوطنى والفكرى وتدريبهم تدريباً جيداً حتى يؤدوا رسالتهم على أكمل وجه لصالح الأمة المصرية.

 

9- صناعة خطاب دينى مقنع يعالج مشكلاتنا بحجج القرآن والسنة والبرهان والثقافة والفكر، وليس خطاباً شعائرياً وعظياً يحمل رسائل وطنية غير مقنعة لجمهور الناس، وصناعة هذا الخطاب وتدريب أئمة المساجد عليه ليس مستحيلاً وليس صعباً إذا توفرت الظروف والإرادة ومن يقوم بالمهمة على أكمل وجه.  

ومن أكثر العوائق لصناعة هذا الخطاب، بعض الشخصيات التى تسوّق لنفسها بالإعلان والدعاية واتباع ثقافة الاكتفاء بدهن الرصيف دون العمل بالنتائج والأهداف. فالواقع والمستقبل يحتاجان إلى برامج ترميم واقعية ترتبط بخطط ونتائج ملموسة على أرض الواقع.

 

10- متابعة كل ما يذكر من خطاب دينى أو ثقافى سواء كان خطبة جمعة أو درس أو ندوة  على السوشيال ميديا وفى المساجد والإعلام وتحليله وتقييمه وإعادة النظر فيه بناء على المطلوب من الخطاب الدينى.     

 

11- التصدى لمحاولات بعض الوعاظ الذين ينشرون ثقافة التطرّف بين الشباب. وأقصد بثقافة التطرّف الأفكار الدينية التى يتم البناء عليها للوصول إلى الإرهاب، أو الأفكار التى يتم تطويرها لتأهيل الشباب نفسياً وفكرياً للالتحاق بداعش والجماعات الإرهابية.

ومثال ذلك ادعاء البعض بأن الحرب دافع للمسلمين لأسر الأعداء عبيداً وسبايا حتى فى عصرنا الحاضر. أو من نادى عبر فيديوهات بأن نموذج أردوغان هو النموذج الإسلامى الأمثل فى الأمة الإسلامية، أو قام بالترويج لاتخاذ حسن البنا وسيد قطب مرجعية علمية أو دينية، أو من أفتى بحرمة التعامل مع المسيحيين... الخ..

فكل هؤلاء يحاولون تسميم العقول وجعل المجتمع تحت ضغط نفسى وفكرى كبير، ويجب محاسبة كل من يقوم بذلك قانوناً ومنعه من الوعظ والظهور فى الإعلام المصرى.

 

 12-البدء فى مشروع تنقية التراث فوراً لتحديد ما نحتاجه من الـ 80 ألف نص الموجودة فى كتب التفسير المفسرة والمبينة للقرآن وشروح السنة الصحيحة وكتب الفقه.... الخ، وما لا نحتاجه لارتباطه بعصور سابقة، حتى يتبقى لنا:  

- القرآن الكريم

- السنة الصحيحة وهى 7 آلاف نص على الأكثر.

- النصوص التراثية التى نحتاجها فى عصرنا الحاضر وغض الطرف عن الموضوعات المرتبطة بعصور سابقة.

لأن النصوص أشبه ما تكون بصيدلية كبيرة. على كل جيل تناول دواءه المناسب، وترك بقية الأدوية للعصور الأخرى.

ولهذا كان التجديد سنة إلهية كما قال النبى صلى الله عليه وسلم "يبعث الله كل مائة عام من يجدد للامة أمر دينها".

هذه الاقتراحات أقدمها هديةً لوطنى بمناسبة ثورتة العظيمة في الثلاثين من يونيو، لعلها تكون مفيدة فى كلها أو بعضها.

والله من وراء القصد وهو الهادى إلى سواء السبيل. 

Dr.Randa
Dr.Radwa