الخميس 25 ابريل 2024

المدخل الديني للشخصية المصرية

مقالات18-6-2021 | 15:17

 

يعتبر المدخل الديني للشخصية المصرية هو المدخل الأكثر تأثيراً عليها ( إيجاباً أو سلباً)، والأكثر إقناعاً أيضاً.. ولذلك تعمد الاستعمار من قديم الأزل استهداف مصر فكرياً، بتغليف رسائله إلى الشعب المصري بغلاف الدين.

 

ولا أدل على ذلك من قيام نابليون إبان الحملة الفرنسية عام 1798 م، بإعلان إسلامه المزيف فوق منبر الجامع الأزهر، واستطاع استمالة كثير من المصريين في هذا الوقت، كما نجح في إشغالهم عن مقاومة الاحتلال بأساطير حول إعلان إسلامه وتسميته بالحاج محمد بونابرت وزواجه من مسلمة.

كما ظهرت الجماعات الإرهابية المتطرفة لتؤدي هذا الدور بكل إخلاص لأعداء مصر في كل مكان، حتى أن أمير الشعراء أحمد شوقي أنشد قصيدته "الثعلب والديك" رداً على نمط توظيف الدين للسيطرة على الناس، فقال :

 

بـَرَزَ الثعـــْـــلَبُ يوماً * في شـِعـــار الواعـِظيـنا

فـَمـَشي في الأرضِ يـَهــْـدي * ويـَســُـبُّ المـاكرينا

ويقول: الحـــَــــمـْد لله * إلـــَـــه العالــــَــمينا

يا عـــِـــباد الله توبوا * فـَهو كـَهـْفُ التــائبينا

وازهـَدوا في الطـَيـْر إن الـ * عـَيـْش عـَيـْشُ الزاهـِدينا

واطـْلـُبوا الديـــك يؤذن * لصـَـلاة الصـُـبـْح فينا

فأتَي الديكَ رَســــُــولٌ * مـِن إمــام الناســــكينا

عـَرَضَ الأمرَ عـَلـَيـْـهِ * وهو يـَرجـــو أن يـَلينا

فأجـــــاب الديـكُ عـُذْراً * يا أضــَـل المهـْتـَدينا

بـَلـِّـغ الثـَعـْلـَبَ عـَنـي * عـَنْ جـُدودي الصالحـــينا

عن ذَوي التـِيجان مـِمـَّن * دَخــَــلَ البـَطـْنَ اللعينا

إنهم قـــالوا وخـَيـْرُ الـ * قـَوْلِ قـَـوْلُ العـــارفينا

" مـُخـْطـِئٌ مـَنْ ظـَنّ يـَومـاً * أنَ لِلثـَعـْـلَبِ ديـــنا "

وقد احترفت جماعة الإخوان الإرهابية في ممارسة هذا الدور لخطف المجتمع المصري وأخونته بقصد الانتصار السياسي والوصول إلى أهدافها الإرهابية، وهذا واضح للجميع لا يحتاج إلى مزيد من التفصيل!

 

وظهرت قوى كثيرة مع الإخوان تؤدي هذا الدور بقصد إفشال الدولة المصرية في إطار حروب الجيل الرابع التي تدار على مصر من فترة ليست بالقصيرة.

وقد رأينا جميعاً في الأيام الماضية شهادة الشيخ حسين يعقوب أحد أبرز دعاة السلفية في مصر وهو يدلي بشهادته أمام المحكمة في محاكمة مجموعة داعش إمبابة، وكان المتهمون قد أدلوا بأقوالهم أمام المحكمة التي من بينها الاستناد في تكوينهم الفكري إلى دروس ومحاضرات يعقوب وحسان والحويني وغيرهم.

وهؤلاء جميعاً ظهروا في صورة دعاة ووعاظ من فترة بعيدة، وعبر تمويل ضخم استطاعوا به اختطاف منابر مؤثرة في القاعدة الجماهيرية، كمنابر المساجد والأشرطة والفضائيات إلخ إلخ.

ورأينا جميعاً حالة المراوغة في استخدام التقية ! وهم يدعون قواعدهم لاستخدامها عند اللزوم ويدعون شرعيتها عند اللزوم. ويقولون عنها فقه الأزمة !!

والتقية هي: أن يُظهر الشخص خلاف ما يُبطن، وهي في الأساس من الفقه الشيعي واستخدمتها الجماعات لزوم التغلغل في المجتمع المصري.

قال الشيخ يعقوب في المحكمة إنه ليس سلفياً وليس بعالم ! ولا يفتي بل هو من العباد يعظ فقط لإدخال الناس الجنة !!

بينما بمراجعة مادته المنشورة على اليوتيوب كان يدعم جماعة الإخوان، ووصل به الأمر إلى تكفير مبارك وكل الأنظمة باستثناء نظام الإخوان !! وعندما سأله شخص عن عدم خروجه على نظام مبارك والجهر بمعاداته. قال : لا يجوز الخروج على الحاكم إلا بعد أن نتمكن ! فعدم خروجنا كان للمصلحة وعدم القدرة في مواجهته، وبهذا الكلام وضح بما لا يدع مجالاً للشك، أن هذه التيارات تستخدم الدين والوعظ كوسيلة من وسائل إسقاط الدولة والوصول إلى الحكم!.

 

*ومن أبرز المشكلات الدينية في المجتمع المصري:

أولاً : قابلية شريحة كبرى من المجتمع المصري لتقبل الشائعات والشبهات التي لها طابع ديني، بل ونقلها وسرعة تدويرها.

فالملاحظ في خطاب الإخوان والجماعات المنبثقة منها إطلاق شائعات تخص الدين والتدين والمساجد، لإيهام الناس أن الدولة تحارب الإسلام!

كما تقوم بالتشكيك في أحكام القضاء الصادرة ضد عناصرهم، عبر آلتهم الإعلامية الضخمة لإظهار المظلومية!

وقد تم إطلاق عشرات الافتراءات على هذا النحو بقصد ضرب المجتمع المصري في تماسكه وثقته في وطنه، متجاهلين قول الله تعالي : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا على مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ سورة الحجرات آية 6.

ومن الحلول المقترحة بجانب جهود الدولة حالياً في مواجهة الشائعات الدينية :

أ-رصد الشائعات التي لها طابع ديني ..

ب- عمل برنامج ديني تلفزيوني متخصص في الرد على شبهات التطرّف، وكذلك الشائعات التي تحمل طابعاً دينياً بالحجة والبرهان بصورة شيقة ومقبولة شعبياً دون تقعر أو تجاوز.

ج- تسجيل الردود على الشبهات والإشاعات يومياً أو أسبوعياً في فيديوهات لا تتجاوز الدقيقتين وكذلك في بوستات قصيرة ونشرها على السوشيال ميديا ومنتديات الشباب، وتظل هذه العملية بصورة مستمرة للرد على الكتائب الإلكترونية المعادية الصانعة لهذه الإشاعات.

 

ثانياً : التكوين العلمي والثقافي لمن يتصدرون الدعوة :

يؤسفني القول : بأن أكثر من ثمانين بالمائة من الخطاب الديني الذي يهطل على الناس عبر الفضائيات والسوشيال ميديا من السادة العلماء المعممين والسلفيين وما يسمي بالوعاظ الجدد يتناول مسائل فرعية !! بل وفروع الفروع !!

ومعظم هذه المسائل تخص النساء وعلاقة الرجل بالمرأة. متجاهلين القضايا الكبيرة التي يجب معالجتها بالقرآن والسنة والحجج العقلية والاستمالة العاطفية.

كقضية الولاء، ومواجهة حبائل التطرف، وقضايا الأخلاق والضمير، والأسرة،،،، الخ

ويؤسفني القول أيضاً أن البعض منهم يتعامل مع قضايا الإرهاب والتطرف بنظرية مسك العصا من المنتصف !!

أذكر في هذا الشأن خطبة الجمعة التي تلت حادثة مسجد الروضة ببئر العبد والتي قد استشهد فيها المئات من المصلين على يد كلاب النار، كانت المنابر كلها تتحدث عن الإرهاب واعتدائه على المصلين !!

فهاتفني صديق كان يصلي الجمعة في أحد المساجد خلف واعظ من الوعاظ الجدد بالفضائيات !! فتحدث عن ( مفاتيح الرزق ) !!

المساجد كلها تتحدث عن الإرهاب وفاجعة مسجد الروضة وهو يتحدث عن مفاتيح الرزق !!!

فقمت بمهاتفته ! وقلت له : أنا الشيخ احمد تركي لماذا لم تلتزم في خطبة الجمعة بالموضوع المحدد ؟

قال لي : يا شيخ أحمد أنا لست مقاتلاً مثلك !! يوجد في المسجد انتماءات مختلفة وانا مش عاوز يحصلي زي ما حصلك ؟! يشير إلى أحداث مسجد النور عام 2011 و2012 !

وبعد تلقينه الدرس المناسب قمت بإبلاغ الزميل المسئول في الأوقاف عن هذه الواقعة !

وتأكد لي بهذا الموقف وجود أزمة كبيرة من أزمات الخطاب الديني.

بالطبع توجد إجراءات ضخمة تدعمها الدولة المصرية حتي لا تحدث هذه الثغرات ! ، ولكن البعض يحاول جعلها شكلية التنفيذ أكثر منها واقعية !!

وكثير من الزملاء يعترضون على هذه الحقيقة بحجة أنهم يظهرون مواضيع لها أدلة ونصوص!!

يقولون : ما دام الموضوع له نص في القرآن أو في السنة فليس لك أن تعاتبني على اختياري للموضوع الذي أتحدث فيه حتي وإن كان من فروع الفروع !

أقول لهم :

ما الذي يعود على الإسلام وعلى المجتمع من فوائد جراء موضوع " الإذن بالذكر " ؟

وما الفائدة من ظهور شيخ مشهور لمدة ساعة كاملة في برنامج تلفزيوني . يضيع ميزانية مالية ضخمة في البث والتصوير وخلافه ؟! وهو يحدث الناس بكل انفعال وتقعر عن " هل الحور العين في الجنة تحيض ؟!

فضلاً عن ظهور افتكاسة جديدة ألا وهي : البكاء والتباكي فوق المنبر إذا كانت الخطبة مذاعة تلفزيونياً ! أو أثناء صلاة التراويح المنقولة عبر الأثير !!

معلومٌ أن الخشوع محله القلب ويظهر بصورة طبيعية دون استعراض!

لكن ما يحدث في هذا الشأن الآن من قبل بعض الشيوخ هو موقف درامي لا علاقة له بالخشوع أو الإسلام !

إنها رسائل كاذبة فاضحة لمن يلجأ لتلك الحيلة تسويقاً لشخصه ! ومسيئةً للدعوة إلى الله، ومعارضةً لقوله تعالي :

" ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) سورة النحل.

سامح الله من حوّل الشعيرة الربانية إلى دراما غير مقنعة ومنفرةً لكثير من الناس.

 

إن التراث الإسلامي يا شيوخنا الأفاضل بحر عميق !! فيه من الجواهر الكثير وفيه أيضاً تفاصيل لا نحتاجها أو بالأصح غير مناسبة لوضعها في بؤرة الاهتمام في عصرنا الحاضر !!

فلا تكونوا كالمغيب الذي سمعته في الدانمرك عام 2002 يتحدث عن فقه تحرير الجواري والعبيد!!، ويستند إلى نصوص!

تخيلوا شيخ يتحدث في دولة أوروبية عن هذا الموضوع الذي شرعه الله، لإنقاذ الرقاب من ظلم البيئة العربية وقت الاستعباد ؟،،، فلماذا الحديث في هذا الموضوع بلا مناسبة ؟ ولا توجد رقاب أو سبايا في العالم اليوم؟

أو هذا الذي وقف أمامي ( في مؤتمر ) مع وفد من أساتذة الجامعات الألمانية يستدل على سماحة الإسلام وعظمته بالحديث " اذا قتلتم فأحسنوا القِتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة " ؟!

ولولا تدخلي بتفسير النص وسياقة لكان قد أُشكل على الحاضرين أن الحديث دعوة للقتل !!

أرجوكم يا سادة : تناولوا قضايا الروح والنفس والعقل والقلب وموضوعات الحروب الحديثة وكيفية المواجهة !! وحبائل الإرهاب والتحذير منها !!!

حببوا الناس في حياتهم ليحبوا ربهم ووطنهم وينشطوا نحو العمل والإنتاج ..

ضعوا في اعتباركم أن حقائق العلم مع أصول الإسلام خَير وسيلة للإقناع وسوق الناس إلى الخير.

 

لأجل هذا أقول: إن تكوين العلماء والوعاظ من أهم مشروعات الوعي الديني ونحن نواجه حروباً فكرية ضارية !

كما أؤكد أن الخطاب الديني الإعلامي في أزمة كبيرة كشأن الخطاب الديني الوعظي الذي لم يعد مؤثراً أو مجابهاً في معاركنا الفكرية، وحان الآن للتدخل السريع من قبل الدولة المصرية.

والله المستعان.

 

Dr.Randa
Dr.Radwa