الخميس 25 ابريل 2024

من روائع الآثار المصرية في المتاحف العالمية (19)

مقالات12-6-2021 | 12:45

محتويات مقبرة "خا" في المتحف المصري بمدينة تورينو – إيطاليا

د. محمد أبو الفتوح غنيم

يرمز لهذه المقبرة في الكتب الأثرية بالرمز TT8، اكتشفها عالم الآثار الإيطالي "إرنستو شياباريلي"  Ernesto Schiaparelli   (1856-1928) في عام 1906، وكان يعمل مساعداً لعالم المصريات الفرنسي "ماسبيرو" مدير مصلحة الآثار المصرية فى الفترة من 1899-1914.

وقام بحفائر فى العديد من المواقع الأثرية فى مصر فى هليوبوليس (عين شمس)، والجيزة، وهيراكونوبليس (الكوم الأحمر)، وأسيوط، ودير المدينة ووادي الملكات بالأقصر. واكتشف مقبرة "نفرتارى" زوجة الملك رمسيس الثاني وهي من أجمل مقابر المصريين القدماء، كما اكتشف مقبرة "خا" وزوجته "ميريت" في دير المدينة، على الضفة الغربية لنهر النيل على مقربة من وادي الملوك شمالاً، ووادي الملكات في الغرب، وهي المقبرة التي يرمز إليها بالرمز السابق TT8، والتي تعود إلى الأسرة الـ 18 حوالي (1400 ق.م).

كانت دير المدينة مقراً للعمال الذين يقومون بحفر وبناء وتزيين مقابر الملوك والملكات، والنحاتين والفنانين الحرفيين الذي يشتغلون في صناعة التماثيل والأثاث الجنائزي، وذلك خلال عهد الدولة الحديثة (1570 - 1070 ق.م). وتظهر بقايا المنازل والمقابر ما كان لهؤلاء العمال من مكانة، وما كانوا ينعمون به من رغد عيش ورفاهية بزُّوا بها غيرهم من عامة الشعب، فمنهم من بنى لنفسه مقبرة له ولزوجته، مثل مقبرة "خا" المشرف على الأعمال من دير المدينة في منتصف الأسرة الثامنة عشر، والتي تحمل الرمز السابق الإشارة إليه، وهي من أجمل المقابر التي عثر عليها خارج وادي الملوك بالقرب من دير المدينة، فقد كان صاحبها رئيس العمال في دير المدينة وتولى مسؤولية بناء مقابر ثلاثة من أعظم ملوك الدولة الحديثة والأسرة الثامنة عشر، أمنحتب الثاني وتحتمس الرابع وأمنحتب الثالث بالترتيب.

وتكمن أهمية المقبرة من كونها مقبرة لأحد الأثرياء، وليس لأحد الملوك، وجدت بكامل محتوياتها ولم يمسها اللصوص، وتعكس الحياة الأرستقراطية لأحد الأثرياء وزوجته، فكانت المقبرة تحتوي على تابوتي "مريت" و"خا"، كما تحتوي على جميع الأثاث الذي كانا يستخدمانه في حياتهما من أوان للطعام، وقوارير للزينة، تضمنت بعض المتعلقات فواكه وحبوب كانت موضوعة على الأرض، وذهب ومجوهرات في كل مكان، ومجموعة من الأواني المصنوعة من خشب الجميز والألبستر والفاينس من مقبرة "خا" وزوجنه "مريت"، التى تم تجهيزها بكل ما سوف يستخدم فى الحياة الأخرى للزينة وأدوات الاستعمال الشخصي من الكحل، والدهان، والمراهم، والأشياء الضرورية التى كانت المرأة المصرية القديمة تحرص على اقتنائها واستعمالها محافظة على جمالها وصحتها.

 هذه الأشياء الثمينة تم وضعها فى أوان ذات أشكال مختلفة مغطاة من الفاينس والألبستر والزجاج وضعت فى صندوق من الخشب زين سطحه الخارجي بشكل لعبة الداما الملونة، وبرعم اللوتس، الذي يرمز إلى إعادة الميلاد. والكتابة التى على الصندوق من المحتمل أنها كتبت قبل الدفن وهي تنص على أن هذا الصندوق لروح الزوجة "ميريت".

كما تضمنت محتويات المقبرة سرائر، وكراسي مصنوعة بإتقان ومهارة، وكأنها صنعت لملك، ولما لا، وقد وضع زملائه أو من كان يرأسهم من العمال، الكوبرا على رأسه في تابوته لتمثيل رئيسهم و"ملكهم".. وكأن هذا آخر شيء محترم يمكن أن يقدمه عماله تقديرا له، وعادة ما كان يتم وضع رمز الكوبرا جبهة الملوك الفراعنة ولم يكن "خا" منهم بالطبع.

تناثرت جميع ممتلكات "خا" وزوجته "ميريت" وقرابينهم في القبر الصغير بين التابوتين، ومن بين جميع متعلقاتهما الشخصية، كان هناك تمثال صغير من الخشب يمثل صاحب المقبرة "خا"، يزينه إكليل من أزهار جافة تتدلى من خط رقبته.. كان يرتدي رداءً به كتابات هيروغليفية تقرأ كتابه عن الموتى.. وكان كتاب الموتى مجموعة من التوجيهات والتعليمات له في الآخرة.

وقد وجدت جميع محتويات المقبرة متراصة بنظام، فلم تمتد إليها أيدي دخيل، أو يعبث بها أو ينال منها لصوص، بل وجدت المقبرة "مكنوسة" قبل غلقها، ووجدت مومياء "ميريت" في التابوت الخاص بـ "خا"، ويعزى ذلك إلى وفاتها غير المتوقعة قبل وفاته، فوضعت موميائها في التابوت الذي جهزه لنفسه.

وقد تم العثور ضمن مقتنيات المقبرة على أكثر من 100 قطعة من الملابس الكتانية الثمينة والفاخرة في ذلك الوقت، كانت محفوظة في مجموعة متنوعة من الصناديق والحاويات. وتشمل الأشياء الأخرى في المقبرة الصنادل والأواني من المرمر والزجاج والخزف. يعد تابوتي "خا" وزوجته "ميريت" من أعظم الأمثلة على الثراء والحرفية الفنية الفائقة من الناحية الفنية خلال حكم أمنحتب الثالث.. فهما مصنوعان بعناية وعليهما تعاويذ ورسومات للآلهة، ووصف لبعض ما سوف يقابله "الميت" في طريقه إلى العالم الآخر.

 وعليهما رسومات وكتابات هيروغليفية جميلة، تدل على ثرائهما، وقد أظهر الفحص بالتصوير بالأشعة السينية لمومياء "ميريت" أنها مزينة بقلادة من الذهب وأقراط ثقيلة تحت الأربطة الكتانية، وكذلك الحال في مومياء "خا" فقد وجدوا عقداً غليظاً وأقراط من الذهب في الأذنين، وكان ذلك من أقدم ما عثر عليه في التاريخ لرجال يتزينون بالأقراط.

ووجد في تابوت "خا" نسخة من كتاب الموتى وهو واحد من أقدم كتب الموتى التي عثر عليها في مصر القديمة.. وهو عبارة عن ورقة بردي مكتوبة وموضحة بالرسومات ويبلغ طولها نحو 14 متر وملفوفة، وموضوعة بجواره في تابوته

كما وجد في المقبرة تمثال من الخشب لـ "خع"، وطبقا لاعتقاد قدماء المصريين أن "الروح " ستحل فيه عند عودتها إلى الجسم إذا وجدت أن المومياء غير صالحة. وهذا التمثال منحوتاً نحتاً جيداً، يمثله واقفاً مرفوع الهامة، مرتدياً رداءً طويلاً يزينه شريط بطول الرداء من الكتابات الهيروغليفية ربما تحمل ألقابه أو دعوات له، وهو يرتدى شعراً مستعاراً ويزين صدره إكليل من الورد المتدلي حتى أسفل الصدر بينما تتدلى ذراعاه بجانبه ويتقدم بساقه الأيسر قليلاً إلى الأمام. على ردائه توجد تعويذة مكتوبة لمساعدته في المثول أمام أوزير في العالم الآخر، تنتهي باسمه و"الصادق في كلامه" (ماع خرو).

وكل محتويات هذه المقبرة الثمينة أخذتها البعثة الإيطالية وأودعتها في متحف مدينة تورينو في إيطاليا، لتشكل جزءً مهماً من مقتنيات هذا المتحف الذي يحمل اسم المتحف المصري "متحف إيجنيزيو".. وهو واحد من أكثر المتاحف الأثرية شهرة فى إيطاليا، والمتحف الوحيد فى العالم الذي خصص لاقتناء وعرض الآثار المصرية فقط خارج مصر، حيث يحتوي على مجموعة كبيرة من روائع الفن المصري والحضارة المصرية القديمة تصل إلى 32500 أثر مصر.. منها التماثيل الحجرية والخشبية واللوحات الجدارية الملونة، والمومياوات والتوابيت المختلفة والأقنعة الجصية المذهبة ونماذج الحياة اليومية وقطع الفخار والفاينس وغيرها مما أبدعته يد الفنان المصري القديم. وتغطى هذه المقتنيات فترة تاريخية طويلة من تاريخ مصر القديم لتشمل الأسرات المصرية (31 أسرة، إذا أضفنا الأسرة التى تكونت أثناء الغزو الفارسي) وتمتد حتى نهاية العصر الروماني.

وتبلغ المجموعة المعروضة من هذه الروائع 5600 أثر، بينما تحتفظ المخازن بحوالي 26000 قطعة أثرية.. وربما يرجع قلة المعروض لضيق المساحة المخصصة للعرض ولأن البعض من هذه المقتنيات فى حاجة إلى الترميم والصيانة، كما أن بعض القطع الأثرية ذات أهمية خاصة للدارسين والباحثين فى الآثار وغير ذات أهمية لعامة الجمهور.

Dr.Randa
Dr.Radwa