الثلاثاء 23 ابريل 2024

من روائع الآثار المصرية في المتاحف العالمية (18)

مقالات5-6-2021 | 10:05

رأس الملك «سيتي الثاني» – متحف المتروبوليتان في نيويورك

تنسب الرأس، حسبما هو موجود على الموقع الخاص بمتحف المتروبوليتان بنيويورك، إلى الملك سيتي الثاني، خامس ملوك الأسرة التاسعة عشرة، والذي كان ابنًا لكل من مرنبتاح و"إست نفرت" الثانية، وحكم في المدة من 1203 ق.م إلى 1197 ق.م، بينما يرى البعض أنها للمك "آمن مس" الذي كان منافساً له في حكم مصر، وربما يكون أخًا غير شقيق له، فيرى البعض أنه ابن مرنبتاح والملكة "تاخات"، ويعتبره آخرون أحد أبناء رمسيس الثاني الذين لا حصر لهم.

هذا الملك الذي ترجح أغلب الدراسات أن هذه الرأس تنسب له، لا يُعرف عنه سوى القليل.. قيل إنه استولى على طيبة والنوبة خلال سنوات حكم سيتي الثاني من الثانية إلى الرابعة، ويقال إنه حكم مصر لمدة ثلاثة أو أربعة أعوام.. ويحدد العديد من علماء المصريات تاريخ حكمه في الفترة من 1202 ق.م.–1199 ق.م. أو 1203 ق.م.–1200 ق.م.

 بينما يقول آخرون إن تاريخ اعتلائه العرش كان في 1200 ق.م. لهذا يصل بعض العلماء إلى أن فترة حكم "آمن مس" و"سيتي الثاني" كانت فترة غير مستقرة في تاريخ مصر تخللها مؤامرات وصراع على الحكم. ولا يقتصر الخلاف على نسب هذه الرأس للملك "آمن ميس"، أو سيتي الثاني، بل يرى البعض أن تكوين الرأس، وربما الملامح، تجد أصداء لها في بعض تماثيل طيبة لمرنبتاح، ولكن هذا الرأي الأخير لا يجد دعماً له من الكثيرين من علماء المصريات.

ينتمي هذا الرأس الأنيق في الأصل إلى جسد تمثال لا يزال قائماً في قاعة الأعمدة الكبيرة بمعبد آمون في الكرنك، وتُظهِر نقوش التمثال أنه نحت في الفترة القصيرة من حكم "آمن مس".. فبعد مرنبتاح، يبدو أن "آمن مس" قد استولى على العرش من الوريث الشرعي، سيتي الثاني. ثم تمكن سيتي الثاني لاحقًا من استعادة العرش، وأعاد نقش اسمه على هذا التمثال.

الرأس من مقتنيات متحف المتروبوليتان، الموجود في ضاحية "منهاتن"، بمدينة نيويورك، في الولايات المتحدة الأمريكية.. وهو من أبرز المتاحف الأمريكية، ويحتوي على أكثر من 2 مليون عمل فني موزعة فى 19 قسماً، من أهمها مجموعة الآثار المصرية، جاء أغلبها من مجموعات خاصة، ومن الحفائر الأثرية الخاصة بالمتحف، التى تمت في مصر في الفترات بين 1906-1941.

 وتشمل هذه المجموعة أكثر من 36 ألف قطعة أثرية مصرية من العصر الحجري الحديث حتى العصر الروماني، جميعها معروض فى الجناح الضخم الذي يحتوي على 40 صالة خصصت لعرض هذه الآثار، ومنها بالطبع هذه الرأس المميزة

الرأس من حجر الكوارتزيت، وهو حجر، أو صخر، ناتج عن التحول الحراري للحجر الرملي.. وفي هذا الصخر تلتحم حبيبات الحجر الرملي (الكوارتز) بعضها ببعض بواسطة السليكا التي ترسبت بين الحبيبات وفي مسام الصخر الأصلي، وينتج عن ذلك أن يكون الصخر صلداً جداً، وإذا كسر فإنه ينكسر عبر حبيبات الرمال، لا حولها كما في الصخر الرملي. وتتميز حبيباته بأنها متوسطة الحجم، وعادة ما تكون متساوية، كما يتميز الكوارتزيت النقي بلون أبيض، ولكن وجود الحديد وبعض الشوائب الأخرى تعطي الصخر اللون المحمر أو المصفر.

يصل ارتفاع الرأس إلى 44.5 سم، وفيما يبدو من بقايا الألوان عليه أنه كان ملوناً، حيث تشير آثار الألوان على سطح الرأس إلى أن التاج كان مطليًا باللون الأزرق، وأن الشريط الذي يلازم الجبهة مع الصل (الكوبرا) كان ملونًا بلون أصفر، من المرجح أنه من المغرة الصفراء (معدن الليمونيت)، والوجه كان ملوناً بلون أحمر، من المؤكد أنه من المغرة الحمراء (معدن الهيماتيت).

يرتدي الملك التاج الأزرق المعروف بـ "خبرش" وهو تاج مصري قديم، يطلق الكثيرون عليه تاج الحرب، استناداً إلى أن الملك كان يرتديه في المعركة، أو في ظروف عسكرية، ومع ذلك لا يميل البعض إلى حصره في هذا اللقب استناداً إلى أنه كان يُلبس كثيراً في الاحتفالات أيضاً.. كما يعتقد بعض العلماء أنه كان يُقصد به أيضًا استحضار القوة الإلهية للفرعون، وبالتالي تم ارتداؤه لتعيين الملوك دينياً كمظاهر للآلهة على الأرض.

لم يتم العثور على أي نموذج أصلي لتاج الخبرش حتى الآن، على الرغم من تمثيله في الكثير من الأعمال الفنية المنقوشة والمنحوتة، وتوقع بعض علماء المصريات أنه كان مصنوعًا من الجلد أو القماش المقوى، ويغطى بمئات من الخرزات أو الأقراص أو الحلقات ذات اللون الأزرق المرتبة بانتظام ودقة عالية، كما هو الحال في رأس الملكة "تي" الخشبي في متحف برلين. وكما هو الحال في العديد من التيجان الملكية الأخرى، كان الصل (الكوبرا) مربوطًا بمقدمة التاج.

وتعود أول صور التاج "خبرش" إلى عهد أحمس الأول، أول ملوك الأسرة المصرية الثامنة عشر، الدولة الحديثة. واستمر هذا التاج في التطور خلال أوائل الأسرة الثامنة عشرة، حيث بلغ الشكل الأكثر شهرة في عهدي حتشبسوت وتحتمس الثالث، ثم صار تقليداً وتاجاً أساسياً عند بعض الملوك بعد عهد الملك أمنحتب الثالث - وخاصة خلال الأسرتين الثامنة عشرة والتاسعة عشرة - بينما توقف تصوير التاج في الأسرة المصرية الخامسة والعشرون (747- 656 ق.م).

ملامح الوجه تبدو أنيقة، قسماته مشرقة، ابتسامة خافتة على شفاه منمقة، تعلو ذقن مهذبة، بينما يعلوها أنف أفطس قليلاً، والعيون تكاد تنطق، وإن كانت غير مطعَّمة، بحدودها المسحوبة على الجانبين، وتتسق معها الحواجب الرفيعة وتوازيها في انسيابية ملحوظة. وهناك تناسق واضح وسيمتريه دقيقة، لجانبي الوجه، مع حدود عليا لجبهة ذات خطوط أفقية، وخطوط جانبية وسفلية، تبدو منحنية ومقوسة، للفكين والذقن. والحقيقة أن كل تفاصيل الوجه، وتكوين الرأس والتاج، يجد المتأمل فيها هندسة نحتية وفنية بارعة أضفت جمالاً عاماً على الرأس لا تخطئه العين إلا إذا كانت تعاني من رمد أو ضعف نظر.

تعاني الرأس من فقد واضح للأذن اليسرى، والجزء البارز من الجانب الأيسر للتاج، ورأس حية الكوبرا "الصل الملكي"، وهو أمر مألوف مع التماثيل الحجرية المصرية القديمة، أن تتعرض الأجزاء الضعيفة البارزة منها، كالأنف أو الأذن أو الذقن، للكسر والفقد نتيجة تعرضها للسقوط أو الاحتكاك، أو خلال عمليات الكشف أو النقل، أو نتيجة تشويه متعمد خلال عصور تاريخية لاحقة.

لا ندري متى تم انتزع هذا الرأس من تمثاله في معبد آمون بالكرنك، ومن قام بانتزاعه، وكيف تم خروجه من مصر ووصوله إلى متحف المتروبوليتان في مدينة نيويورك، بالولايات المتحدة الأمريكية، بعيداً جداً على الضفة الأخرى من الأطلنطي، ولكن الذي نعرفه أنه يقبع الآن في إحدى قاعات العرض في هذا المتحف، يطلُّ على رواده، الذي ينجذبون إليه ولا يملون رؤيته، مرفوعاً على قائم معدني مطلي بالذهب. 

Dr.Randa
Dr.Radwa