الخميس 18 ابريل 2024

بين القارئ والكاتب ودار النشر.. من الجاني؟

مقالات1-6-2021 | 13:38

ترقُب حذر الآن يشوب سوق صناعة الكتاب فى مصر من قِبل الناشرين ولا يقل عنه قلقًا حال الكتُاْب والأُدباء بعد تخفيف الإجراءت الاحترازية لمواجهة جائحة كورونا وظهور بصيص نور بإقامة معرض الكتاب فى نهاية شهر يونيو، انتظارًا لانتعاشة تعطش لها الجميع بعدما عانت هذه الصناعة من المشاكل آخر فترات، وكُبْلت بأعباء فى ظل الهبوط الاقتصادى العالمى آخر سنة مما أضعف الإنتاج الثقافى لأغلب الكتاب وكبْد دور النشر خسائر مادية فادحة .

 فوسط اتهامات متبادلة من أطراف تلك المُعضلة التى تتأرجح فيها تلك الصناعة منذ سنوات، عانى الكثير من الكُتْاب خاصة الشبان منهم من عدم وجود منفذ لاستقبال أعمالهم الإبداعية؛ فما بين الدور الكبرى التى تترفع عن مخاطبتهم مُكتفية باسم أو اسمين من كبار الكُتْاب لديها إلى دور النشر المتوسطة التى ترحب بإنتاج الشباب ثم تبدأ رحلة الابتزاز بمطالبتهم بدفع مبلغ من المال لنشر أعمالهم أو تقسيم التكلُفة - حيث يتحمل الكاتب المبتدئ حوالى ثُلثى التكلفة - بل إن الأمر تعدى المنطقية بسطو دور النشر على العمل وتجريد الكاتب من أحقيته فى عَنونْة كتابه أو حق الاعتراض على تعديل أو إعادة صياغة المنشور من قِبْل الناشر .

وفى الآونة الأخيرة ظهرت العديد من دور النشر الصغيرة التى تسعى للتجارة والربحية السريعة؛ فتحت أبوابها للكثير من الكُتاب الذين يسعون إلى الشهرة والربح بدون موهبة حقيقية؛ مما أوجد إنتاج ثقافى متواضع ومخالف لقواعد النشر وأنذر بخسارة الطرفين.

وهنا لابد من الالتفات إلى دور النشر الحكومية وعلى رأسها هيئة قصور الثقافة ودورها، تلك الجهات التى تُعانى فى أروقتها من الإهمال والبيروقراطية، مما جعلها وجهه غير مرجوة من الكثير من الكُتاْب ؛ فقد تصل فترة انتظار الكاتب حتى يرى إصداره فى يدْ القارئ فترة ثلاث سنوات مما  أوجد نُدرة فى الإنتاج  وموت بطيئ لأى إبداع بالإضافة كون المردود المادى للكاتب المنشور له حكوميًا لا يتعدى مكافأة رمزية لا تُعبر عن معاناته.

باستعراض دور النشر الغربية سنجد أن المهام فى هذه المؤسسة مهام تعاونية بدءًا من المُصحح اللغوى والمُحرر الأدبى ومُصمْم الغُلاف والمسئول عن الطباعة والتسويق تجاريًا والأهم كيفية إدارة العلاقة مع المؤلف  وهى مسئوليات لدعم وتطوير الكاتب اختصْت بها الدار أكثر من كاتب لديها مثلما هى الحالة فى مؤلفات (أمين معلوف) التى تتفرد بها (دار غراسيه) ومؤلفات (فيليب سولرز) المدعومة من دار ( غاليمار) وهو ما نادراً ما يتوفر فى مصر إلا فى الدور الكبيرة والتى يديرها مُثقفين يحاولون قدر الإمكان تقديم المحتوى الثقافى الجيد للقارئ مع تفعيل عقود مع الكتاب لسنوات لضمان حق الأخير فى الربح مما يضمن عدم تعددية انتقال الكاتب بين أكثر من دار ويضمن الاستقرار وعدم إرباك القارئ.

مصر بلد رائد فى صناعة الكتاب وليس أدل على ذلك من أول كتاب قام المصرى القديم بتأليفه ( كتاب الموتى) مُستعينًا بالخامات الأولى فى الكتابة وورق البردى واليوم الصناعة مُهددة فى مصر وفى نظرى الكُل مدان؛ أولها القارئ حيث انخفضت معدلات القراءة بشكل مُحزن فى السنوات الماضية و ضعفت القوة الشرائية للكتب حيث أن أغلب  الأجيال تَهجُر القراءة بعد إنتهاء سنوات الدراسة مما يستلزم وعى تعليمى وثقافى مُضاعف لإعادة إحياء ثقافة الشعب .

وثانى المدانين هو الأديب نفسه والكاتب حيث ارتضى تدشين أعماله بدون عقود مثبتة  تضمن حقه سواء للبحث عن سرعة الانتشار أو لعدم ثقته فى فحوى وجودة الإبداع المُقدم مما فتح المجال للتلاعب به من دُخلاء المهنة ومُخربيها وأصبحت ساحة المحاكم الاقتصادية واتحاد الناشرين ساحات تراشق بينه وبين الناشر، وأخيرًا دور النشر بسعيها إلى الربح السريع حيث تحولت إلى دكاكين للبيع.

 ومن هنا وجب المطالبة بتكاتف جميع الأطراف من أجل  إعطاء قُبلة الحياة للحياة الثقافية المصرية ولصناعة الكتاب ؛ بدءًا بتغليظ العقوبة على جرائم التزوير التى تسببت فى خسائر مادية رهيبة للمنظومة برمتها مع حماية حقوق المؤلف كاملة من جريمة القرصنة ومحاولة زيادة عدد مكتبات التوزيع بعدما تقلص عددها آخر سنوات مرورًا بوجوب إنشاء المعارض المُستدامة على مدار العام وعدم قصرها على وقت أو مكان معين فى جميع المحافظات مما يضمن ربحية أكبر لدور النشر خاصة مع مطالبتنا بتعاون الحكومة ومساهمة منها فى محاولة خفض  أسعار الأحبار والنظر لتقليل  الأعباء الضريبية على المطابع والأعباء الجُمركية على الورق المستورد، عندئذ لا جانى ولا مجنى عليه والرابح الأكبر هى الساحة الثقافية المصرية وسط تعددية وجودة الإبداع.