الخميس 25 ابريل 2024

مصطلح «أديبْ المَهجَر».. إلى زوال

مقالات25-5-2021 | 13:00

ظهر المُصطلح في مطلع القرن الماضي مع هجرة العديد من الجنسيات العربية وخاصة السورية واللبنانية إلى الأمريكتين من أجل البحث عن مورد رزق أو هروبًا من كبتْ الحريات في أوطانهم - في ظل الاحتلال والذي كانت بداياته عثماني - وأنشأوا تجمْعات للجاليات العربية وروابط أدبية وأصدروا صُحفًا ومجلات تهتم بشئونهم وتنشر إبداعهم.

 فظهرت مدرستين أدبيتين الأولى (الرابطة القلمْية) فى نيويورك عام 1920 والتى وضع حجر أساسها جبران خليل جبران وأيليا أبى ماضى؛ وأصدرت الرابطة مجلة ( فنْون) لنسيب عريضة و( السّمير) و(السائح) لعبد المسيح حداد، أما العصبْة الأندلسية فقد ولدت فى ساوباولو بالبرازيل على يد ميشيل نعمان معلوف وفوزى المعلوف ورشيد سليم الخورى تأثُرًا بالشعر الأندلسى وخاصة الموشحات وبنزعة صوفية زاهدة وخالصة .

وتمسك لسان أديب المهجر باللغة العربية فى بلد أجنبى وتصبْغ بصبغة إنسانية وروحية وطغى عليه التأمل فى الكون وعلاقة الإنسان بالطبيعة إضافة إلى الحنين للوطن الأم وحاول التجديد فى أغراضه الشعرية؛ فتحرر من الوزن والقافية وحرص على الوحدة العضوية للقصيدة مُتأثرًا بشعراء الإنجليزية أمثال وليم بليك وإليوت، وتأثرًا بنهج بولدير وولتريامون من شعراء الفرنسية.

 كانت غاية هؤلاء الأدباء هى تطوير الأدب العربى وإخراجه من قوالبه القديمة وشحذ همْة العقل العربى مما أوجد مجالًا أوسع لاجتهاد الأدباء الناشئين ولكن مما عطْل إبداعهم هو طبيعة الحياة فى الأمريكيتين؛ من افتقار للتراسل وبُعد المسافات والتمييز العنصرى الملموس مما كبْلهم  وحرمهم من توسعة دائرة إبداعهم  لتُلامس إنتقاد بلد المعيشة أو استدامة الكتابة بلغتها والتعرض لمشاكلها بل صبْ اهتمامهم فى المقام الأول على تراث بلدانهم وأحوالها ولغتهم وبالنواحى الفنية فى المقام الثانى.

أما أدباء المهجْر الذين عزموا الترحال لأوروبا ،فبدأ تعبيرهم الأول فى صورة كتاباْت تحوى الكثير من الانبهار بتفوق المجتمع الجديد حضاريًا وثقافيًا؛ كما شهدنا فى نموذج العملاقين توفيق الحكيم وطه حسين ثم تحول الأمر لصدام حضارى كما مع الطيب صالح وإنتهى فى المرحلة الأخيرة الى نقْد صريح لما يلاقيه العربى فى الغرب وكشف لسياسات العنصرية ضده؛ مما أدى به  فى النهاية إلى الإنكفاء والتقوقع فى بوتقته، والهروب الى نصوص شبيهة مما يُكتَب فى بلاد العرب؛ ولولا هويّة الكاتب لما عَرْف القارئ أنه مُهاجر، ويُستَدل على ذلك بنموذج (على المقرى) الكاتب اليمنى المقيم بفرنسا والذى ارتكزت كتاباته على حال بلده فهو صاحب رواية ( طعم أسود رائحة سوداء) إلى روايته الأخيرة (اليهودى الحالى)، ولا تختلف عنه العراقية ( إنعام كجه جى)المُقيمة فى باريس والتى ارتدت فى كل إنتاجها لوطنها الجريح سواء فى ( الحفيدة الأمريكية ) أو روايتها ( طِشِّارى) وهكذا السودانى ( عبد العزيز بركة) المُقيم فى سويسرا بثلاثيته ( البلاد الكبيرة) و(مسيح دارفور)، وربما حفظ الأديبان التونسى (الحبيب السالمى) والمغربى (أحمد المدينى) على توازنهما فى أحيان قليلة.

والمُتأمل فى نتّاج أدب المهجر من رواية أو شعر يجد سمْتين يتنازعان فى الإبداع ويكشفان عن مُعاناة التجربة ؛ أما الأول فنتلمْس من خلاله الحنين إلى الوطن وحلم الرجوع لأحضانه وأما السمْت الثانى فيتمثل فى القلق والحزن لواقع عالم المهجر؛ مما حول الإبداع لتجربة صوفية عند بعضهم وبعد وقت توجه أديب المهجر إلى القارئ العربى طامعًا فى الجوائز بعدما وقع فى المحظورات الثقافية العربية المعروفة وبعد أن قلْت جراءته على تعدى الخطوط الحمراء فى الوقت الذى لم ينتبه لإنتاجه الغرب إلا فى تابو الجنس فقط وهو ما لمسناه فى تجربة الأديب علاء الأسوانى.

والخلاصة أن مصطلح أدب المهجر يضعنا أمام متاهات عدة فسواء كان هذا النوع من الأدب مكتوب باللغة الوطنية للكاتب أو مكتوب باللغات الأجنبية لدولة المهجر لم تعدْ تسميته سارية المفعول في الوقت الحالي سواء إن كانت تجربة مُغادرة الوطن الأم اختيارية أو قصْرية فإنه ومع  ظهور وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا الحديثة  حيث صار أهل الأرض متجاورين ؛لم يعدْ أي إنتاج مقصْور على مكان بل إن تجارب الأدباء المُتعمْقة في وصف حالة الحنين والشتاْت أصبحت مُعممّة لكل زمان ولا يُختصْ بها مكان، حتى إن مجلات مثل ( الناقد) و(الجديد) لم تعد سوى منابر تحتفْى بكل الأقلام أيا كان أراضيها ، فسواء نُعِت بأدب المهجر أو المنفْى؛ فإن الإبداع أشمْل وأعمْ ولا يجوز تصنيفه حسب تجربة صاحبه الحياتية.

Dr.Randa
Dr.Radwa