الثلاثاء 23 ابريل 2024

الهيدروجين الأخضر أحد سيناريوهات مستقبل الطاقة العالمية

مقالات14-5-2021 | 14:06

لا يمكن أن يستمر الاستخدام غير المنضبط للوقود الأحفوري إلى أجل غير مسمى، على الأقل لأسباب بيئية والحاجة إلى مكافحة تغير المناخ. ففى السنوات الأخيرة، ارتفع الطلب على الطاقة المرتبط بقطاع النقل بشكل كبير، ووصل إلى 33٪ من إجمالى استهلاك الطاقة العالمى - حوالى 95٪ من المركبات تستخدم وقود من مشتقات البترول - ومن المتوقع حدوث زيادة أخرى، وأصبح قطاع النقل متساويا مع قطاع الصناعة فى الاستهلاك للطاقة وهو 33٪، ويلى ذلك القطاع السكنى بنسبة 24٪، ثم قطاع الخدمات بنسبة 10٪.
 من ناحية أخرى، من المتوقع أن يظل الفحم هو الوقود السائد لتطبيقات الطاقة الأخرى، وبشكل أساسي في توليد الطاقة الكهربائية، ولفترات  طويلة قادمة. 
نتيجة ذلك فقد زادت انبعاثات ثانى أكسيد الكربون بشكل كبير فى السنوات الأخيرة، لتصل إلى 34 مليون طن سنويا. 
والنتيجة الرئيسية هى زيادة تأثير الغازات الدفيئة على كوكب الأرض، ومعه زيادة متوسط درجة الحرارة العالمية على الأرض.. فقد ارتفع متوسط درجة الحرارة بما يزيد عن 1 درجة مئوية منذ عام 1880.. بهذا المعدل، سيكون الاحتباس الحرارى ضارا بالنظم البيئية وصحة الإنسان، حيث ستظهر الأمراض المعدية بسبب البيئة الأكثر دفئا ورطوبة.. الآن أصبحت القضايا البيئية لا رجعة فيها، وخاصة وأنه سيظل الاعتماد على الوقود الأحفوري لفترات طويلة قادمة. 
 البحث عن مصادر جديدة للطاقة تكون صديقة للبيئة أصبح حتميا وغير محدود، والدعوة إلى استخدام الهيدروجين كمصدر للطاقة النظيفة يتناسب تماما مع هذا التوجه، خاصة إذا تم إنتاجه من مصادر طاقة متجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. الهيدروجين مرشح قوى ليحل محل الوقود الأحفورى، خاصة فى قطاع النقل، وفى تخزين الطاقة - فى صورة تخزين الهيدروجين - كضمان لإمدادات الطاقة الكهربائية فى حالة فشل شبكة الطاقة فى الوفاء بمتطلبات زيادة الأحمال، أو تعويض نقص الطاقة نتيجة التقلبات التي تحدث في مزارع طاقة الرياح ومحطات الطاقة الشمسية، وهو ما يؤدى إلى مفهوم الشبكات الذكية.
الآن يشهد الهيدروجين "الأخضر" Green Hydrogen انتعاشا عالميا، فقد تم تسميته على أنه أحد مصادر الطاقة المتجددة النظيفة، حيث يمكن أن يعزز تطوير حلول جديدة ومبتكرة وصديقة للبيئة لاستخدام الطاقة، والذى يمكن أن يساعد فى تحقيق صافى انبعاثات صفرية فى العالم فى العقود القادمة.. مما قد يؤدى إلى الانتقال نحو سحب الاستثمارات فى مجال الطاقة من الوقود الأحفورى.
على الرغم من وفرة الهيدروجين كعنصر على الأرض، ورغم اكتشاف وجود تدفقات من الهيدروجين الطبيعى تحت مياه البحار والمحطات، بالإضافة إلى وجود هياكل جيولوجية يمكنها إطلاق تدفقات كبيرة من الهيدروجين الطبيعى الحر.. إلا أن الهيدروجين يوجد دائما فى شكل مركب مع عناصر أخرى، مثل الماء (H2O) أو الميثان (CH4) كما يشكل الهيدروجين مع الكربون مركبات مختلفة - أو هيدروكربونات - موجودة فى الغاز الطبيعى والفحم والبترول، ويجب فصله إلى هيدروجين نقى (H2) لاستخدامه.
يمكن إنتاج الهيدروجين من الماء أو الوقود الأحفورى أو الكتلة الحيوية، منها التحليل الكهربائى للماء، إعادة تشكيل الغاز الطبيعى، إعادة تشكيل سائل مشتق من الكتلة الحيوية. أكثر الطرق المستخدمة فى إنتاج الهيدروجين، هى إعادة التشكيل بالبخار للغاز الطبيعى والأكسدة الجزئية للهيدروكربونات.. إلا أن هذه الطرق تنتج عنها كميات كبيرة من غازات الاحتباس الحرارى، وبالتالى فهى ليست صديقة للبيئة.
 ومصادر الطاقة المستخدمة متنوعة منها الوقود الأحفورى، مثل الغاز الطبيعى والفحم (مع عزل الكربون)؛ الطاقة النووية؛ وغيرها من مصادر الطاقة المتجددة، مثل الكتلة الحيوية، وطاقة الرياح، والطاقة الشمسية، والطاقة الحرارية الأرضية، والطاقة الكهرومائية - باستخدام مجموعة واسعة من العمليات.
فى طريقة إعادة تشكيل الغاز الطبيعى، وعن طريق تفاعل الغاز الطبيعى مع بخار ماء عالى الحرارة يتم إنتاج غاز تخليقى، وهو خليط من الهيدروجين وأول أكسيد الكربون وكمية صغيرة من ثانى أكسيد الكربون، وكذلك يتفاعل أول أكسيد الكربون مع الماء لإنتاج هيدروجين إضافى.. هذه الطريقة هى الأرخص والأكثر فعالية والأكثر شيوعا. 
الهيدروجين "الأخضر" يتم إنتاجه بواسطة مصادر طاقة لا ينتج عنها كربون – مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح – وكذلك طريقة تحضيره لا ينتج عنها كربون، باستخدام التحليل الكهربى للماء، لفصل جزيئات الهيدروجين عن جزيئات الأكسجين.. وبذلك يصبح الهيدروجين أخضرا فى إنتاجه، وأخضرا فى استخدامه، فالمنتج الثانوى الناتج عن احتراق الهيدروجين هو الماء، ولا يصدر عن استخدامه ثانى أكسيد الكربون.
إنتاج الهيدروجين عن طريق التحليل الكهربائى للماء يكلف حوالى 4-8 دولار/ كجم (للحالة المحددة لتقنية غشاء البوليمر بالكهرباء)، وهو ما يقرب من أربعة أضعاف تكلفة طريقة إعادة التشكيل بالبخار للغاز الطبيعى، والتى تساوى 1.3 دولار/ كجم، جزء كبير من تكاليف الإنتاج - أكثر من 75 ٪ - تنفق فى مراحل التخزين والنقل والتوزيع. لكن عندما تتوفر الكهرباء من مصادر الطاقة النظيفة – طاقة شمسية وطاقة رياح - وبتكلفة منخفضة، سوف ينتشر إنتاج الهيدروجين باستخدام التحليل الكهربائى للماء، ويصبح ذو جدوى للتطبيقات الصناعية التى تبلغ بضعة ميجاوات. والخطط الموضوعة تهدف إلى خفض تكلفة الهيدروجين الأخضر إلى أقل من 2 دولار/ كجم.
الوصول بتكلفة الهيدروجين الأخضر إلى أقل من 2 دولار/ كجم، يعتبر نقطة تحول محتملة، ستجعل الهيدروجين الأخضر وأنواع الوقود المشتقة منه قادرة على المنافسة فى قطاعات متعددة، بما فى ذلك صناعة الصلب والأسمدة وتوليد الطاقة والشحن بعيد المدى وإنتاج المواد الكيميائية.
 كما سيتم استخدام الأمونيا الخضراء Green ammonia، المصنوعة من الهيدروجين الأخضر، كبديل محتمل للوقود الأحفورى فى توليد الطاقة الحرارية، مما سيقلل بشكل كبير من كثافة الانبعاثات من مشاريع الطاقة الحالية.
 يحتوى الهيدروجين على أعلى محتوى للطاقة من أى وقود شائع من حيث الوزن (حوالى ثلاث مرات أكثر من البنزين)، وهذا هو السبب فى استخدامه كوقود لإطلاق الصواريخ، وخلايا الوقود لإنتاج الكهرباء فى بعض المركبات الفضائية. ولكنه يحتوى على أقل محتوى للطاقة من حيث الحجم (حوالى أربع مرات أقل من البنزين).
 الإنتاج العالمى السنوى من الهيدروجين حوالى 70 مليون طن، حيث يتم إنتاج 96% منها من الوقود الأحفورى - عن طريق إعادة التشكيل بالبخار للغاز الطبيعى والأكسدة الجزئية للهيدروكربونات - وهو ينتج من الميثان مع انطلاق غازات دفيئة فى الغلاف الجوى، وهو ما يسمى الهيدروجين "الرمادى".. أما الهيدروجين "الأزرق" فيتم إنتاجه باستخدام الغاز الطبيعى، ومن ثم يتم التقاط انبعاثات ثانى أكسيد الكربون، مما يجعله أنظف من الهيدروجين الرمادى.
هناك تطبيقات كثيرة يكون من الصعب اعتمادها على مصادر الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح أو البطاريات – على الرغم مما شهدته هذه المصادر من تخفيضات كبيرة فى التكلفة – فهذه المصادر لن تعمل بشكل جيد بالنسبة للصناعات الثقيلة، والنقل لمسافات طويلة، مثل النقل بالشاحنات وسفن الشحن والطائرات وسفن الفضاء، لكن على العكس نجد أن الهيدروجين، وهو ذو كثافة طاقة عالية، فيكون هو مصدر الطاقة المناسب لتلبية احتياجات هذه التطبيقات للطاقة. 
يمكن استخدام الهيدروجين فى مصانع الصلب نظرا لقدرته على إنتاج حرارة عالية. وإذا كان وزن البطاريات يمثل مشكلة فى سفن الفضاء والطائرات، حيث يظل ثابتا طوال الرحلة، فإنه على العكس من ذلك، يقل وزن خزان وقود الهيدروجين باحتراق الوقود أثناء الرحلة. وفى مجال تخزين فائض الطاقة الكهربائية، أو تخزين الطاقة الكهربائية من محطات الطاقة الشمسية أو مزارع طاقة الرياح، لتعويض فترات الانقطاع، نجد أن الهيدروجين يتفوق أيضا على البطاريات للتخزين طويل الأجل.
نظرا لأهمية الهيدروجين الأخضر فى مستقبل الطاقة النظيفة المتجددة على مستوى العالم، فقد قدرت الاستثمارات فى هذا القطاع، على مدى 30 سنة القادمة، بحوالى 11 تريليون دولار، وهو مبلغ ضخم.. لكن عندما يكون من الضروري جدا للعالم أن يصل إلى صافى انبعاثات صفرية بحلول عام 2050، والحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية عن 1.5 درجة مئوية، فلا يجب أن نفكر فى المبالغ المستثمرة فى مجال إنتاج الهيدروجين الأخضر، كعائد للطاقة على الاستثمار، وذلك لأنه مع التوسع فى استخدام الهيدروجين الأخضر، يمكن استعادة الأموال التى تم استثمارها. الاستثمار فى مشاريع إنتاج الهيدروجين الأخضر الحالية، من المتوقع أن تنتج حوالى 3 ملايين طن فقط سنويا، مقارنة بالهدف العالمى البالغ 8.7 مليون طن سنويا.
من المتوقع أن يلبى الهيدروجين الأخضر ما بين 20٪ إلى 25٪ من احتياجات العالم من الطاقة بحلول عام 2050، والتى لن يتم تلبيتها بسهولة بالبطاريات أو مزارع طاقة الرياح أو محطات الطاقة الشمسية، وأن يصبح سوقا يمكن التعامل معه بقيمة 10 تريليون دولار. من المتوقع أن يتم توليد 25 جيجاوات من الكهرباء، باستخدام الهيدروجين الأخضر بحلول عام 2026، مما سيكون له تأثير كبير على انبعاثات الصناعات الثقيلة.
نظرا لانخفاض سعر الكيلو وات ساعة من الطاقة الشمسية، فقد أدى إلى انخفاض تكاليف إنتاج الهيدروجين الأخضر بنسبة 40٪ منذ عام 2015. الآن أصبح سعر الكيلو وات ساعة من الطاقة الشمسية "الخلايا الكهروضوئية"، أقل بكثير من 2 سنت - فى مناطق جغرافية معينة - فمن المتوقع أن ينخفض سعر الكيلو وات ساعة مرة أخرى من الطاقة الشمسية بنسبة 40٪ حتى عام 2025، والاعتقاد السائد أن يوفر ذلك إنتاج "هيدروجين أخضر" بأقل من 2 دولار لكل كيلوجرام خلال مدة أربع سنوات.
الآن الاستثمار فى التحليل الكهربائى يزدهر فى جميع أنحاء العالم، وهناك خطة حتى عام 2030 لمشاريع جديدة بقدرات أكثر من 23 جيجاوات - القدرة الحالية تبلغ 82 ميجاوات - أى أكثر من 280 ضعف السعة الحالية. 
أشكركم وإلى أن نلتقى في مقالة أخرى لكم منى أجمل وأرق التحيات.

Dr.Randa
Dr.Radwa