الثلاثاء 16 ابريل 2024

رحيل مؤلف الموسيقى المصرى المعروف جمال سلامة

مقالات13-5-2021 | 14:17

فى السابع من مايو2، 21 رحل عن عالمنا مؤلف الموسيقا  المصرى المعروف  جمال سلامة عن عمريناهز 76 عاما، بعد أن أثرى حياتنا الموسيقية بأعذب الألحان التى حافظ فيها على الهوية الموسيقية المصرية بوضوح، واستطاع أن يستفيد من كل العلوم الموسيقية التى تعلمها سواء فى مصر أو فى الخارج وسيطر عليها وأخضعها لخدمة مؤلفاته الموسيقية والغنائية التى عبرت عن شخصيته الفنية المتميزة، وقد جاءت مؤلفات جمال سلامة متنوعة سواء المؤلفات الموسيقية أو الأعمال الغنائية أو موسيقا الأفلام الروائية المصرية أو العروض المسرحية، وقد شدى بألحانه كبار المطربين والمطربات فى مصر والعالم العربى.

وقد تمتع جمال سلامة بموهبة فطرية غزيرة صقلها بالعلم حتى وصل فيه إلى أعلى الدرجات، عندما إستكمل دراسته الموسيقية بعد تخرجه فى كونسيرفتوار القاهرة فى الاتحاد السوفييتى (السابق)، وسيطر على لغته الموسيقية من خلال سيطرته وفهمه للعلوم الموسيقية وحسن إختياره لأسلوب التعامل مع الكتابة للأوركسترا، وقدم الغناء العربى بمصاحبة موفقة مع الأوركسترا السيمفونى والكورال بصورة أحبها الجميع، ولعلنا نذكر فى هذا المجال غنائياته ذات الطابع الدينى (محمد رسول الله – سلام الله ياطه – أم النبى – طلع البدر علينا – يا سيد الخلق يا طه) التى شدت بها المطربة الكبيرة ياسمين الخيام. 

رحم الله جمال سلامة رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته، جزاء ما قدمه لبلاده من فن راقٍ رفيع المستوى سيبقى فى التاريخ الموسيقى المصرى الحديث.

والآن نلقى بعض الأضواء على حياة وأهم أعمال الراحل العظيم جمال سلامة:

هو جمال الدين حافظ أحمد سلامة، اشتهر باسم "جمال سلامة"، مؤلف موسيقى وعزف بيانو وعازف أورج، ولد بمدينة الإسكندرية فى الخامس والعشرين من أكتوبر عام 1945، لأب موسيقى، فقد كان والده من رواد عزف آلة الترومبيت المصريين   (وهى آلة نفخ نحاسية)، وكان عازفا فى أوركسترا القاهرة السيمفونى، والجدير بالذكر أن أبناءه صاروا موسيقيين أيضا، وهكذا فقد كان المناخ الذى ساد فى بيت الأب حافظ سلامة مناخا موسيقيا، فقد كانت كل الآلات الموسيقية موجودة فى البيت (البيانو – الكمان – الأكورديون ) وإذا كان أحد الأبناء يعجب بآلة موسيقية، كان والده يشتريها له، ويحضر له من يعلمه العزف على تلك الآلة التى أعجبته.

وفى عام 1957 درس أخوه فاروق عزف آلة الأكورديون، واحترف عزفها فى الحياة الموسيقية المصرية، فخاف الأب على إبنه جمال أن يتبع خطى أخوه فاروق، لأن جمال كان فى ذلك الوقت يعزف على آلة الكمان بالطريقة الشرقية، وفى ذلك الوقت إفتتحت مدرسة الطلائع الموسيقية التى أنشأها دكتور محمود أحمد الحفنى، وكانت تتبع وزارة التربية والتعليم، فالتحق بها جمال سلامة، وكانت تلك المدرسة بها قسم داخلى، وكان ذلك فى العام الدراسى (1957/ 1958).

استمر حمال سلامة يدرس فى تلك المدرسة لمدة أربع سنوات، تميزت الدراسة فيها بأن الطلبة كانوا يدرسون مناهج الدراسة فى التعليم العام كأى مدرسة، بالإضافة إلى المواد الموسيقية، وكان عدد هؤلاء الطلاب ثلاثة عشر طالبا، وكان جمال سلامة يدرس عزف آلة البيانو، وكان يقضى الساعات الطوال فى التدريب نظرا للوقت الطويل المتوفر فى المدرسة الداخلية، وبعد مرور أربع سنوات وهو على هذا الحال كان من الطبيعى أن يصل إلى مستوى فنى متقدم فى عزف آلة البيانو، مما لفت إليه الأنظار.

استمر جمال سلامة يدرس فى تلك المدرسة وفى عام 1961 إفتتح كونسيرفتوار القاهرة، وكان مقره فى الزمالك فى ذلك الوقت، فرآى والده أنه قد حقق مستوا  متميزا فى عزف البيانو، فأقنعه والده أن يخرج من المدرسة، ويلتحق بمعهد الكونسيرفتوار الجديد الذى افتتح توا، لأنه معهد جديد ومن المتوقع أن يكون مستقبله أفضل، وكان جمال فى ذلك الوقت فى الفرقة الأولى الثانوية فى التعليم العام، فترك مدرسة حلوان، وتقدم لإمتحان القبول  بمعهد الكونسيرفتوار ليلتحق بالفرقة الأولى بالمرحلة العالية (المعادلة للدراسة الجامعية)، وأدى إمتحان القبول أمام لجنة تضم كبارالموسيقيين والأجانب، ونجح بجدارة، وبرغم مستواه الفنى المتقدم، فقد قررت اللجنة أن يلتحق بالفرقة الثانية الثانوية بدلا من الفرقة الأولى بالمرحلة العالية (الجامعية) التزاما بقوانين التعليم، أى أنه لا يمكن ان يلتحق بالقسم العالى، إلا بعد حصوله على شهادة الثانوية العامة، فأحزنه ذلك كثيرا، ولكنه رضى بالأمر الواقع.

التحق جمال سلامة بالفرقة الثانية الثانوية بكونسيرفتوار القاهرة، وكان ذلك عام 1963، وكان عدد الدارسين جميعا فى ذلك الوقت يتراوح بين (2، و3) طلاب فى المرحلتين الثانوية والعالية.

وحدث أن الدارسين فى قسم الغناء بالمرحلة الثانوية بالمعهد كانوا فى حاجة لمن يعزف البيانو لمصاحبتهم أثناء الغناء، فلجأوا إلى زميلهم جمال سلامة ليقوم بالمهمة، وبالفعل قام بهذا الدور مما أتاح له فرصة اكتساب خبرة فى مجال جديد فى عزف البيانو لم يطرقه من قبل، وبعد أن أثبت نجاحه، إستعان به أيضا المسئولون فى المعهد العالى للباليه لعزف البيانو فى مصاحبة دارسى الباليه أثناء تدريباتهم فى المعهد، فقام بذلك، وكان كل همه فى ذلك الوقت أن يكون متميزا فى عزف البيانو.

الجدير بالذكر أن جمال سلامة منذ تخرجه في  مدرسة حلوان للموهوبين عام 1962 عمل كعازف بيانو فى الحياة الموسيقية المصرية، وكان يعزف الأجزاء الانفرادية لآلة البيانو فى أعمال كبار الملحنين المصريين، وكذلك اشترك فى الفرق الموسيقية الغربية التى كانت منتشرة فى القاهرة فى الفنادق الكبرى الملاهى، وفى عام 1964 عمل جمال سلامة لأول مرة فى أوركسترا السيرك القومى، وفى عام 1966 تم افتتاح عروض السيرك القومى، وكان والده يقود الأوركسترا المصاحب للعرض فاشترك في الأوركسترا، وفى عام 1967 ترك جمال أوركسترا السيرك، وعمل فى أوركسترا فرقة رضا للفنون الشعبية، فأفاد كثيرا من كل ما يتعلق بالممارسة العملية للموسيقا العربية، فقد عمل فى الفرقة الماسية وفى فرقة صلاح عرام فى عزف ألحان كبار الملحنين، واستمر على هذا الحال لمدة عشر سنوات فى الفترة من عام 1962 وحتى عام 1972، حيث عمل طوال الوقت كعازف بيانو، وفى عام 197، عمل جمال سلامة كعازف أورج كهربائى، وكانت أول مرة يستمع إليه الجمهور، عندما عزف الأورج الكهربائى فى موسيقا أغنية "آه لو تعرف" للمطربة الكبيرة نجاة من ألحان موسيقار الجيال محمد عبدالوهاب وتوزيع أندريا رايدار، ثم اختاره الملحن الكبير رياض السنباطى ليعزف الأورج الكهربائى فى لحنه لأغنية "أقبل الليل" التى شدت بها كوكب الشرق أم كلثوم، وكذلك عزف مع الملحن الكبير فريد الأطرش فى أغنيتى "الربيع" و "أول همسة".

وبعد تلك المرحلة اتجه جمال سلامة إلى مرحلة التوزيع الموسيقى لأغانى كبار الملحنين، والجدير بالذكر أنه عندما كان يعمل فى الفرقة القومية للفنون الشعبية، كان يؤلف موسيقا بعض رقصاتها، فاكتسب خبرة جديدة فى هذا المجال فى الفترة ما بين عامى (1966 و1972)، وأثناء دراسة جمال سلامة فى المرحلة العالية (الجامعية) انتقل من قسم البيانو إلى قسم التأليف الموسيقى، وفى عام 1971 درس مع الأستاذ الروسى "جيوفانى ميخائلوف"، وعند تخرجه عام 1972 قدم "سيمفونية مصر الحديثة" كمشروع تخرجه، وبعد ذلك أرسلها لمسابقة موسيقية فى إيطاليا، وفاز عنها بجائزة، وفى العام نفسه اعتزل عزف الأورج، واتجه إلى تأليف الموسيقا للأفلام الروائية المصرية التى نذكر منها (أريد حلا – الكرنك – حدوتة مصرية – صور ممنوعة – الشطار- عصر القوة – شبكة الموت – اللص والكلاب)، كما ألف الموسيقا لعدد من المسلسلات التليفزيونية أهمها مسلسل "محمد رسول الله"، وألف الموسيقا لبعض العروض المسرحية نذكر منها (ملك يبحث عن وظيفة – المليم بأربعة – مراتى تقريبا)، وشارك فى ألحان مسرحيتى "شارع محمد على" و"الجنزير".

وفى عام 1973 سافر جمال سلامة فى بعثة دراسية إلى الاتحاد السوفييتى (السابق) لاستكمال دراساته الموسيقية بتزكية من أستاذه فى التأليف الموسيقى "جيوفانى ميخائلوف" الذى كان تلميذا للمؤلف الأرمينى الشهير "آرام خاتشاتوريان"، وبعد أن وصل إلى موسكو قابل خاتشاتوريان وأسمعه تسجيلات لأعماله، وعزف أمامه، وبعدها وافق خاتشاتوريان على قبوله بين طلبته، وفى عام 1974 كان زملاء جمال سلامة فى البعثة من العازفين المصريين سيشاركون فى مسابقة تشايكوفسكى، فألف لهم مؤلفات مصرية الطابع ليشاركوا بها فى المسابقة ضمن فقرات برنامج الإمتحان، وقد نصحه أستاذه خاتشاتوريان بألا يكتب مؤلفات كبيرة، ولما عاد جمال سلامة إلى مصر تأكد من صواب رأى أستاذه، وفى علم 1976 ألف جمال سلامة أوبرا باليه "عيون بهية" على نص كتبه د. رشاد رشدى، والتى عرضت على مسرح البالون، واستمر عرضها لمدة ستة أشهر متواصلة، وشارك فى أدائها أوركسترا القاهرة السيمفونى، وفرقة أم كلثوم للموسيقا العربية، وقام بالبطولة الغنائية كل من "ياسمين الخيام ومحمد رؤوف" وصمم رقصات العرض د. عبدالمنعم كامل ود. عصمت يحيى، وأخرج العرض الفنان الكبير جلال الشرقاوى. فى عام 1977 حصل جمال سلامة على جائزة الإبداع الفنى من أكاديمية الفنون بالقاهرة، وتسلمها من الرئيس الراحل أنور السادات، وفى عام 1982 حصل على جائزة الدولة التشجيعية فى التأليف الموسيقى عن مؤلفه "ذكريات"، وعندما عادت أرض سيناء الحبيبة إلى أرض الوطن بعد تنفيذ إتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، وأقيمت الاحتفالات القومية بهذه المناسبة، قدم جمال سلامة أغنية "مصر اليوم فى عيد" وأدتها المطربة الكبيرة شادية، ومن مؤلفاته الغنائية الأخرى نذكر "أهلا بالعيد" غناء صفاء أبو السعود، و"ال جانى بعد يومين" و"مش ح أتنازل عنك أبدا" غناء سميرة سعيد، و"ساعات.. ساعات" غناء صباح، و"المصريين أهمه" غناء ياسمين الخيام، و"ست الدنيا يا بيروت" غناء ماجدة الرومى.

ومن مؤلفات جمال سلامة الموسيقية نذكر (سيمفونية مصر الحديثة – فوجة للأوركسترا – ذكريات)، أوبرا – باليه (عيون بهية) بالإضافة إلى عدد من المؤلفات الموسيقية للآلات المختلفة، وقد شدى بالحان جمال سلامة كبار المطربين والمطربات، فمن المطربين نذكر ( محمد رشدى- محمد الحلو- هانى شاكر –عماد عبدالحليم) ومن المطربات نذكر (زينب يونس – شادية – صباح – ماجدة الرومى - نجاة – فايزة أحمد - سميرة سعيد – صفاء أبوالسعود – نادية مصطفى – وردة-

ياسمين الخيام).

وأخيراً رحم الله جمال سلامة وجزاه خيرا عما قدمه لبلاده من فن راقى، حافظ فيه على الهوية المصرية، ، مما جعله يحتل مكانة مهمة فى تاريخ الموسيقا المصرية الحديثة.