الأربعاء 24 ابريل 2024

انقذوا تاريخنا.. حافظوا على بيوت المشاهير على طريقة اليونان (2-2)

مقالات7-5-2021 | 15:01

ليست كأى بيوت ولا أى جدران، لأن من عاشوا بها صاغوا حياتنا وأحلامنا وأفراحنا وأطراحنا، هنا كانت الندوات والصالونات الثقافية لعظماء تاريخ هذا الوطن، فى الفكر والثقافة والفن والإبداع، هنا ولدت أجمل الكلمات وأعذب الألحان، وفكرة أروع أفلام السينما المصرية.

فى كل "شبر" من تلك البيوت صفحة من تاريخ هذا الوطن، فى كل جدار وكل غرفة أنفاس مبدع، ذاب عشقاً فى هوى مصر وأهلها وناسها، هى بيوت من "ذهب" تحولت بفعل "الجهل" و"الاستغلال" و"الاستسهال" إلى "خرابات" تبكى صفحات مضيئة من أيامنا وتاريخنا.

لا توجد احصائية دقيقة بعدد بيوت مشاهير مصر، التى تعرضت للهدم والتخريب المتعمد، نتيجة ثغرات القانون من جهة، والروتين الحكومى من جهة أخرى، واطماع الورثة من جهة ثالثة، خلال النصف قرن الماضى، لكن بنظرة سريعة على محرك البحث "جوجل" تكتشف أن غالبية محافظات مصر، عاش بها عدد كبير من رموز السياسة والفكر والفن والإبداع، وأن غالبية تلك البيوت تحولت إلى "خرابات" و"أنقاض" دون تدخل حكومى حاسم، إلا فيما ندر!

فى حى الزمالك الشهير، كانت تعيش "السندريلا" الراحلة، سعاد حسني، فى شقة بالإيجار، استردها المالك بعد وفاتها بعدة سنوات، وتحولت الشقة بعد إفراغها من محتوياتها إلى شقة تؤجر بالمدة، رغم أنه كان يمكن أن تتحول إلى متحف ومزار سياحى يضم مقتنيات الفنانة الراحلة، على غرار بيوت المشاهير فى العالم.

فى حى حدائق القبة تقبع أطلال "فيللا" شاعر الشباب أحمد رامي، نصف متهدمة، نتيجة نزاع قضائى بين الورثة، حسبما يتردد، والأغلب أنه سيواجه مصير فيللا كوكب الشرق فى الزمالك، التى تحولت بعد وفاتها إلى برج سكنى يعلوه فندق يحمل اسمها، وعلى ذكر أم كلثوم، تحول منزلها فى مسقط رأسها بقرية طماى الزهايرة بمحافظة الدقهلية، إلى أطلال أيضا.

فى طهطا بمحافظة سوهاج، يقبع قصر "رائد التنوير" رفاعة الطهطاوى، مهجوراً، يحيط به الباعة الجائلون من كل اتجاه، بعد أن هجره الأحفاد.

وفى الإسكندرية تحول منزل "موسيقار الشعب" سيد درويش، بحى كوم الدكة، العريق، إلى مقلب قمامة، منذ سبعينيات القرن الماضي، حيث لا تتجاوز مساحة المنزل 65 متراً، ومازل المنزل محاطاً بسور حتى الآن، بسبب الخلاف بين ورثة "درويش" ومالك المنزل، حول قيمة شرائه وتحويله لمنزل يضم مقتنيات فنان الشعب، الموجودة بحوزة ورثته، رغم إعلان محافظ الإسكندرية الأسبق سيد الجوسقى، فى منتصف الثمانينيات عن عزم المحافظة وقتها، تحويل المنزل والمنطقة المحيطة به، لمزار سياحى ومتحف، وهو المشروع الذى توقف فجأة بعدها!

ورغم أن الكاتب الإنجليزى لورانس داريل الذى رشح لنيل جائزة نوبل مرتين- صاحب كتاب رباعية الإسكندرية- أحد أهم الكتب والمراجع الأجنبية، التى وضعت المدينة الساحلية على خريطة الأدب العالمي، عاش بالإسكندرية، نحو 11 عاما كاملة وصف فيها الإسكندرية بأنها "عاصمة الذكريات" خلال حقبة بداية الأربعينيات والحرب العالمية الثانية، ومغادرته لمصر، أوائل الخمسينيات، عمل خلالها كمراسل حربى، مقيما بفيللا "إمبرون" بشارع المأمون، بحى محرم بك، وأدرجت "الفيللا" ضمن مجلد التراث والمبانى المحظور هدمها، إلا أنها رفعت من "المجلد" بقرار من المحكمة، منذ عدة سنوات، عقب قيام اثنين من المقاولين السكندريين بشرائها منذ عدة سنوات، وقيامها فعليا بهدم الفيللا الأثرية ذات المساحة الشاسعة لبناء أبراج سكنية على أنقاضها ولا عزاء للتاريخ!

فى المقابل يحسب لكل من مكتبة الإسكندرية، وورثة المخرج الراحل شادى عبد السلام، فى حفاظهم على تراثه ومقتنياته الخاصة، التى يضمها متحفه الخاص بـ"مكتبة الإسكندرية" والذى يضم العديد من مقتنيات منزله من أثاث ذو طابع الأرابيسك العربى الشهير، إضافة لمكتبه الخاص، والعديد من لوحات "اسكتشات" المشاهد السينمائية التى قام "شادي" بالعمل بها، كمصمم للأزياء ومنسقا للديكور، إضافة لاحتفال جمعية "أصدقاء شادى عبد السلام" الدائم به فى ذكرى وفاته كل عام.

على جانب آخر احتفت القنصلية اليونانية بالإسكندرية، على طريقتها الخاصة بالشاعر اليوناني، قسطنطين كفافيس‏ (1864 – 1933) شاعر الإسكندرية، المدينة التى عشقها وهام بها وخلدها‏ فى أشعاره، حيث قامت عام 1992 بتحويل منزله إلى متحف، تابع للسفارة اليونانية، يضم بعضا من مقتنياته الخاصة، أو بمعنى أدق قامت بشراء شقة "كفافيس" التى تحولت لـ"بنسيون" عقب وفاته وحتى بداية السبعينيات- مدة 33 عاما- من أصحابها على نفقتها، لتخليد شاعر الإسكندرية، خشية تعرض المنزل لـ"معاول الهدم"، حيث يقع "متحف كفافيس" بالدور الثالث بشارع شرم الشيخ، بمحطة الرمل، فى عمارة ذات طابع أثرى عتيق، ويعتبر مزارا سياحيا رئيسيا للجاليات الأجنبية فى زيارتهم للمدينة الساحلية.

مذبحة هدم بيوت المشاهير المستمرة منذ سنوات تحتاج إلى وقفة جادة من البرلمان، وسن تشريعات حازمة تحافظ على ما تبقى من بيوت رموز مصر، ويحسب لجهاز التنسيق الحضاري، التابع لوزارة الثقافة، المبادرة الناجحة التى أطلقها منذ سنوات بعنوان "عاش هنا" والتى خلدت ما تبقى من منازل مشاهير ورموز مصر فى شتى المجالات، احتفاء بذكراهم وتخليدا لإبداعهم على غرار الدول الكبرى.

Dr.Randa
Dr.Radwa