الثلاثاء 23 ابريل 2024

تمام الكلام

مقالات26-4-2021 | 21:22

  الطائر الحزين يرحل مقهوراً

قسمات وجهه الدقيقة الطيبة المتعبة الحزينة، المسطورة بخطوط الظلم قهرا، ولون الصبر كمدا، والمغلوبة على أمرها، أوجعت قلوبنا، وذرفت دموعنا عليه، وألجمت ألسنتنا إلا من قول لا حول ولا قوة إلا بالله العلى القدير، وعلى الرغم خبرته الطويلة فى مجال الطيران، الذى يعد حلماً لكل شاب، وكذلك خبرته فى التدريس بمعاهد الطيران، إلا أن ذلك لم يشفع له بأن يموت منتصراً لكرامته ولتاريخه العملي.. بل مات مقهوراً.

لقد امتلك كابتن طيار أشرف أبو اليسر، رحمه الله، المهارة المميزة به فى قيادة الطائرات، وأيضا مهارة وإنسانية التعامل مع الآخرين والرقى فى مخاطبتهم، وكان لى الحظ أن أسافر على طائرة يقودها فى إحدى الرحلات المحلقة لأوروبا، وكان دمث الأخلاق، بشوش الوجه.

ترى لماذا لم يقدر تضحيته من تسبب فى أزمته، وأن يكون على قدر سماحته ورقيه معه؟ لماذا لم يعوضه الفنان الأسطورة كما يطلق على نفسه، عن ما فعله به من إساءة فادحة أدت إلى شطب سجله المشرف كخبير طيران صاحب سيرة ومسيرة مشرفة؟

لماذا لم يمنحه أى احتواء إنسانى أو أدبى قبل المادى الذى حصل عليه منه عن طريق المحكمة، وإن كانت ملايين الدنيا لن تعيد إليه ما أهدره هذا الأسطورة من أرشيفه وكرامته مهما بلغ هذا المبلغ المادى قمم الجبال؟

حتى السؤال عنه وهو فى أشد أزماته الصحية، وهو أسير المرض الجسمانى والنفسى معاً، لم يحرك ساكناً فى هذا الأسطورة ليسأل عنه، بل استخسر فيه عناء السؤال.

هذا الإهمال أو التجاهل القاسى المتعمد، أصاب الطيار الشريف بالانهيار الكلي، وهذا ما اتضح جلياً على قسمات وجهه ومخارج ألفاظه عندما كان يتحدث عن الواقعة وظروفها ومعاناته فى محاولة اخراج التفاصيل من جوفه الذى كان يحترق كمدا وغيظا، حتى استسلم للموت لأنه ربما لم يعد يطيق الصبر على ما به من عذاب الشعور بالاستهانة به وبتاريخه الكبير.

اين هذا النبل من الذى يطلق على نفسه الألقاب بلا حصر؟ أين ذهبت قيمة الفن والفنانين أصحاب الموهبة والإبداع والخلق الرفيع والابتكار والرقى، فى زمن الأشباه؟

هل ذهب هذا كله أدارج الرياح فى غبار ظاهرة وسائل التواصل الاجتماعى والشهرة التى تعظم ما لا قيمة له، ومن لا موهبة له؟ ظواهر لا نستفيد منها فى التطور، بل تأخذ بالكثيرين إلى مناطق أبعد ما تكون عن الإنسانية، عالم غامض مبنى على علاقات افتراضية غير مأمونة هادمة للأخلاقيات الانسانية الجميلة التى جبلنا عليها؟

كيف لسيرة رجل أن تداس تحت أقدام سطوة الابتذال والابتزاز والغرور والعنجهية والجهل؟

لماذا التحق هؤلاء بالفن وعوالمه، الفن الذى بات لا يحمل من اسمه إلا القيل الجيد، والمعظم مخز ومخرب ويلعب بالعقول والقلوب؟

أيها الفنانين الحقيقيون، وخاصة الأسماء الكبيرة التى ندين لها بالمحبة والعرفان، ان تعيدوا للفن هيبته وقيمته، وليس هذا "اللافن" الذى يروج للبلطجة وسفك الدماء والخروج على القانون والقيم؟

أثق أن العقول الواعية فى مجال الفن والسينما فى مصر عليها دور مهم وحقيقى ومؤثر لمنع تكرار مثل هذه المهازل اللا إنسانية، شرط أن يتم ذلك عبر نظام ما لا يوقف الإبداع ولا يحجر على العقول، وأيضاً من دون محسوبية وواسطة ومصالح شخصية.

Dr.Randa
Dr.Radwa