الأربعاء 24 ابريل 2024

من روائع الآثار المصرية في المتاحف العالمية (12)

مقالات24-4-2021 | 18:02

رأس الملكة كليوباترا الثانية – متحف والترز للفنون

في مدينة بعيدة من مدن ولاية ميريلاند، إحدى الولايات الشرقية الأمريكية، توجد رأس حجرية أثرية مصرية للملكة البطلمية كليوباترا الثانية، شاء القدر أن تنتقل من مصر وعبر البحر المتوسط لتخوض غمار المحيط الأطلسي الشاسع، وخلال شهور من الإبحار، لتستقر هناك في متحف من متاحف المدينة البعيدة، وحيدة بعيدة، تطالع وجوه زوارها بملامحهم الغريبة عليها، وهم يطالعونها بملامحها الأنيقة في انبهار وتعجب.

 

هذا المتحف هو متحف والترز للفنون  Walters Art Museum، الذي يقع في وسط مدينة بالتيمور، ولاية ميريلاند، أبرز معالم المدينة الثقافية، وأحد المتاحف الأمريكية المميزة، والذي يرجع الفضل في تأسيسه إلى الأب ويليام طومسون والترز (1819-1894)، وكان من هواة جمع التحف والأعمال الفنية والنحتية، وتوسع في جمع المقتنيات الفنية والأثرية عندما انتقل إلى باريس في عام 1861عند اندلاع الحرب الأهلية الأمريكية؛ والابن هنري والترز (1848-1931)، الذي خلف أبيه في تجميع المقتنيات والتحف الفنية والأثرية حتى تضخمت، فاتخذ الترتيبات لبناء قصر تاريخي في حي ماونت فيرنون بلفيدير، في بالتيمور (في الفترة من1905-1909)، ليجمع كل تلك المقتنيات المتنامية والمتزايدة  باضطراد.

وعند وفاة هنري والترز كان قصره يحتوي على نحو 22.000 تحفة فنية، أهداه والمبنى الذي يحويها إلى مدينة بالتيمور لكي يستمع الجمهور بزيارته وبمشاهدة مقتنياته، وليصير معرضاً للفنون يحمل اسم The Walters Art Gallery ويفتتح للجمهور عام 1943م.

 

كان المعرض يحوي آثاراً من مصر القديمة، وتماثيل من بلاد الإغريق وتوابيت من عصر الرومان، كما كان يحوي أعمالاً من العاج تعود للعصور الوسطى، وأعمالاً فنية من عصر النهضة، ولوحات زيتية لفنانيين من القرن التاسع عشر، وبعضاً من الخزف الصيني، وجواهر من الشرق الأوسط القديم والعراق القديم.  وفي عام 2000، تم تغيير اسم المبنى من معرض والترز للفنون The Walters Art Gallery إلى متحف والترز للفنون  The Walters Art Museum ليصير بذلك مؤسسة حكومية عامة تخدم الجماهير. وبداية من شهر أكتوبر عام 2006، صار دخول المتحف متاحاً للجميع مجاناً دون رسوم على مدار العام، نتيجة للمنح الكبيرة التي قدمتها مدينة بالتيمور ووكالات وسلطات مقاطعة بالتيمور للفنون في الضواحي المحيطة. وتوسع المتحف في اقتناء مقتنيات جديدة من مختلف بلاد العالم، عن طريق الشراء أو الإهداء، منها ما هو من منطقة الشرق الأوسط، ومن شرق آسيا، والشرق الأدنى، ومن اليونان، ومن أمريكا، ومن العصور الوسطى من أوروبا.

 

تضم مجموعة والترز للفنون مجموعة من الآثار المصرية والنوبية مجموعة فريدة وليست بالقليلة، وربما جذب هنري والترز إلى اقتناء أعمال من الفن المصري القديم قيامه برحلة بحرية في البحر المتوسط عام 1889م، زار خلالها مصر، وتحديداً القاهرة والجيزة، وكانت من ثمار هذه الرحلة أن جمع عدداً من روائع مجموعته المصرية، أغلبها جاء من خلال الشراء وليس من خلال أعمال الحفائر لبعثة أثرية. وتحتوي المجموعة على الكثير من الآثار الصغيرة الحجم، العالية القيمة، مثل: التماثيل الصغيرة، والتمائم، والجعارين، والأختام، والخرز والحلي والأواني، والقطع الحجرية المنقوشة، ومجموعة فريدة من التماثيل المصرية المصنوعة من البرونز للمعبودات المصرية القديمة.

 

ومن روائع الآثار المصرية في متحف والترز للفنون في مدينة بالتيمور Baltimore، ولاية ميريلاند Maryland في الولايات المتحدة الأمريكية، رأس من الحجر الجيري للملكة كليوباترا الثانية، تظهر الملكة بملامحها البطلمية اليونانية المميزة، وخاصة في العينين والفم، وهي ترتدي باروكة شعر مستعار ثقيل مكون من طبقات من تجاعيد الشعر "المفتاح"، وترتدي عقالًا ملفوفاً فوق جبينها مع ثعبان الكوبرا الذي يعلو الجبهة. والملكة كليوباترا الثانية، من بين الملكات البطلمية السبع المسماة كليوباترا، كان آخرهن، وآخر الملوك البطالمة، كليوباترا السابعة، التي ارتبطت قصتها مع يوليوس قيصر ومارك أنتوني.

 

والأسرة البطلمية، عائلة من أصل مقدوني تنسب إلى بطليموس الأول، وكان أحد قادة جيش الإسكندر الأكبر الذي دخل مصر عام 332 ق.م، تولى بطليموس حكم مصر بعد وفاة الإسكندر الأكبر عام323 ق.م، وصل نفوذ الدولة البطلمية إلى فلسطين، وقبرص وشرق ليبيا، وناطحوا الرومان فترة من الزمن. وظلت أسرة بطليموس (جميع ملوك البطالمة حملوا اسم بطليموس) تحكم مصر متخذة من مدينة الإسكندرية، التي أتمَّ بنائها بطليموس الأول بعد أن وضعها أساسها الإسكندر الأكبر، عاصمة للبلاد حتى دخلها الرومان بعد هزيمة كليوباترا السابعة وحليفها أنطونيو على يد القائد الروماني يوليوس قيصر (أغسطس)، في موقعة أكتيوم البحرية سنة 31ق.م؛ لتصبح مصر ولاية رومانية منذ ذلك التاريخ.

 

كانت كليوباترا الثانية، صاحبة هذه الرأس الحجرية الأثرية، التي يقتنيها متحف والترز للفنون في ولاية مريلاند الأمريكية، هي إحدى أبناء بطليموس الخامس (حكم في الفترة من 203-180 ق.م)، وأمها كليوباترا الأولى السورية الأصل زوجة بطليموس الخامس، وهي أخت بطليموس السادس(وزوجته)، وأخت بطليموس الثامن (وزوجته)، وقيل إنها أم بطليموس السابع من أبيه بطليموس السادس. عاصرت فترة تاريخية شهدت منذ وفاة والدها وحتى وفاتها، صراعات واضطرابات سياسية في مصر وخارجها وفي البيت البطلمي ذاته. وهناك اضطراب حتى في الروايات التاريخية عن الأسرة البطلمية، وعن الملوك البطالمة أنفسهم وزوجاتهم، وتضارب في الآراء حولهم.

 

ومن ضمن هذه الآراء التي قد تكون صحيحة، أو جانبها الصواب، أنه بعد وفاة بطليموس السابع، قامت ثورة كبيرة على بطليموس الثامن،  فهرب الي الصين والتقي جونير الأولى ملكة الصين، فكان أن انفردت كليوباترا الثانية بالحكم، وبعد مرور فترة استعاد بطليموس الثامن الحكم، ولأن الصراع على السلطة كان السوس الذي نخر في عظم الأسرة البطلمية، وكان متوارثاً من عهد لعهد، ومن جيل لجيل، فقد تواصلت كليوباترا الثانية مع ملكة الصين جونير الثانية، التي جاءت بعد الأولى، واتفقت معها على الانتقام من أخيها، ولكن جونير الثانية تخلت عنها وخزلتها واتحدت معه ضدها، فكانت نهايتها كليوباترا الثانية القتل. وهكذا انتهت حياتها بينما بقيت آثارها شاهدة عليها وعلى عصرها.

والرأس الذي نتحدث عنه، من الحجر الجيري الأبيض، تنم ملامح الوجه المتسقة، وتجاعيد الشعر المنسقة الكثيفة، عن عمل فني نحتي رائع، اشتراها هنري والترز عام 1928م، من مصدر غير معروف، يبلغ ارتفاعها 24.7سم، وعرضها 22.5سم، وعمقها 17.8سم.

تبقى هذه الرأس للملكة كليوباترا الثانية، والتي يرى البعض أنها قد تكون لابنتها كليوباترا الثالثة، والتي تستقر في هذا المتحف الكائن في مدينة بعيدة، شاهدة على عصر من التاريخ المصري تذوق حلاوة الانتصار وتجرع مرارة الانكسار، وعلى شخصية عاشت حياتها بين وهج النور ولفح النار. لم يتبق منها ومن تاريخها إلا تلك الأحجار التي تخبرنا عنها والروايات التي لا نستطيع تكذيبها أو حتى تصديقها

 

 

 

Dr.Randa
Dr.Radwa