الجمعة 19 ابريل 2024

التدمير الذاتي للاقتصادات العربية

مقالات20-4-2021 | 12:30

هناك صراعات وحروب تدمر المجتمعات واقتصاديات الدول، ولكن يمكن القول أن هناك صراعات داخلية دون تدخل أي طرف خارجي أو عدوان قد تساهم في تدمير أي بلد، وهناك العديد من النماذج في الوطن العربي من "سوريا إلى اليمن والعراق وليبيا  .

صورة قاسية ولكنها لا تغيب عن البال يوم دخول القوات الأمريكية بغداد وما صاحب ذلك من سلب ونهب وسرقة لكل شيء "ذهب ونقود وآثار والممتلكات العامة والخاصة"، وبذلك تراجع العراق كثيراً، دائما ما يصاحب الحروب والصراعات العسكرية انهيار اقتصادي ويصاحب هذا الانهيار تراجعا كبيرا في العملة الوطنية مما يساهم في خفض مستوى المعيشة، هذا بالإضافة إلى انهيار كامل في البنية التحتية ونزوح العديد من العناصر والكفاءات الوطنية خارج البلاد، وذلك يؤدي إلى زيادة البطالة بين السكان بسبب توقف الأنشطة الاقتصادية وندرة فرص العمل مع قلة جودة الخدمات المقدمة، وكلها عوامل مؤدية إلى فقر حتمي  .

أقصد هنا بالتدمير الذاتي حالة عدم الوعي والانجراف نحو صراعات حزبية طائفية أهلية بين الشعب الواحد وتدمير كل شيء مقابل مكاسب ضئيلة أمام تدمير الوطن !

الاقتصاد السوري كنموذج قبل الحرب كان اقتصاد متوازن لا يعتمد على الاستيراد بشكل مكثف، وكان هناك نشاط للصادرات والسياحة والزراعة والصناعة، وفق البنك الدولي شهدت الفترة بين عام 1995 إلى 2010 زيادة في أعداد السائحين لسوريا حتى وصل أعداد السياح في عام 2010من 7.5 إلى 8.5 مليون سائح تقريباً بعائدات تقدر بحوالي أكثر من 7 إلى 8.3 مليار دولار، وشكل هذا الرقم 14% من الناتج المحلي الإجمالي، وكل هذه الأرقام قبل الحرب أرقام مقبولة وخصوصاً أن لدى سوريا أماكن أثرية متنوعة ومسجلة بقائمة التراث العالمي لليونسكو، بعد عام 2011 توقفت السياحة تماماً بما يعني أن سوريا خسرت خلال العقد الماضي من القرن الحالي ما لا يقل أبدا عن 70 مليار دولار عائدات من قطاع السياحة كما أن التوقف شبه الكامل لقطاع السياحة ساهم في زيادة نسب البطالة بشكل غير مسبوق، وفقاً لأرقام وزارة السياحة السورية حتي الربع الأول من عام 2019 تم تدمير أكثر من 403 منشآت سياحية إلى جانب خروج 1468 منشأة سياحية .

بلغت قيمة الصادرات السورية في عام2009حوالي10.3مليار دولار منها 5.4 مليار دولار صادرات للدول العربية، عام 2017 بلغت الصادرات السورية نحو700مليون دولار وهو رقم يعكس تدهور الصادرات السورية، كما تراجع الاستيراد بشكل كبير جداً وذلك بعد التأثر بالعقوبات التي فرضتها بعض الدول علي سوريا مما يشكل تهديداً مباشراً لتلبيه بعض الحاجات الأساسية سواء كمستلزمات صناعية أو سلع أساسية.

 وبلغت قيمة الاستيراد حوالي5.2مليار يورو في عام 2019، وبالتالي فحركة التجارة الخارجية صعبة للغاية خصوصاً في ظل الظروف الراهنة وارتفاع التكاليف وانعدام فرص التواصل المباشر بين المصدر والمستورد، كما تعرضت محافظة حلب أكبر المحافظات السورية وأحد أهم المراكز الصناعية والتجارية في سوريا للسلب والنهب فقد تم تخريب كلي أو جزئي أو نقل لخارج الأراضي السورية لكثير من المصانع حيث أن المحافظة خرجت عن السيطرة الحكومية من عام 2012 وحتي عام 2016 .

وفقاً لتقرير لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (إلاسكوا) ومركز الدراسات السورية في جامعة سانت آندروز قدرت قيمة تكلفة الحرب بنحو 442 مليار دولار تقريباً كما أن وفقاً للتقديرات بلغ عدد ضحايا الحرب في سوريا بين 300الي 400الف شخص وهو رقم مؤسف وضخم للغاية فأهم محرك للاقتصاد هو القوة البشرية .

كما أن ارتفاع عدد القتلى والمصابين يساهم في انهيار القطاع الصحي في سوريا، وفي قطاع التعليم ووفقاً لليونسيف فعدد الأطفال المهدد بمشكلات وخطر التسرب من التعليم بلغ حوالي 3 ملايين طفل كما تعرضت حالي 4000 مدرسة للاعتداء حتي عام 2016 ويتعرض الأطفال في سوريا  بعد الخروج من المدارس إلى العمل المبكر وفي ظروف غير أمنه وغامضة وكلها أرقام كارثية تهدد إمكانية عودة الاقتصاد مرة أخرى في المستقبل .

أرقام ومؤشرات محزنة ومحبطة بل وتدعو للتفكير كيف كان الحال في حالة الاستقرار، الحلول الجذرية بلا شك تكمن في وقف النزيف الحالي في العالم العربي بالتوقف عن الصراعات والنزاعات والحروب والتي دمرت أوطان بالكامل،  فالعالم العربي يحتاج إلى زراعة الأمل أولاً وقبل أي شيء فهو الدافع ووقود عملية التحول من اقتصاد اليأس إلى التنمية الاقتصادية والاجتماعية والابتكار والإبداع .