الخميس 25 ابريل 2024

الجشع البشري

أخرى22-1-2021 | 22:27

أراد أحد ملوك الصين القديمة أن يكافئ أحد مواطنيه نظير الخدمات التي قدمها ذلك المواطن للمملكة، أتى الملك به، وقدم له عرضًا سخيًا؛ قال الملك للرجل: أود أن أكافئك مكافأة سخية.. سوف أهب لك مساحة كبيرة من الأرض تكون ملكًا خالصًا لك.
 

فكر الملك مليًا في مقدار مساحة تلك الأرض التي سوف يهبها لذلك الرجل، ثم تفتق ذهنه عن عرض طرحه على ذلك المواطن، فقال له: سوف تمتلك كل مساحة الأرض التي تستطيع أن تقطعها سيرًا على قدميك. 

هلل الرجل فرحًا لهذا العرض السخي من جلالة الملك المعظم.
 

في الصباح الباكر استيقظ مهرولاً، وأخذ يعدو لقطع أكبر مساحة من الأرض، سار مسافات طويلة، كان يهرول بجنون، نال منه التعب، ففكر أن يعود إلى الملك ليمنحه المسافة التي قطعها، ولكن سرعان ما طرد هذه الفكرة من ذهنه، مقررًا مواصلة السير للحصول على المزيد من الأرض، قطع مسافات أطول، وفكر في الرجوع إلى الملك مكتفيًا بما وصل إليه؛ ولكنه للمرة الثانية يتردد في العودة طمعًا في الاستحواذ على مساحات أكبر، واصل المسير، ظل الرجل يسير ويسير، نال منه التعب والإنهاك فسقط صريعًا.


إن تلك المساحات الشاسعة من الأرض التي بذل حياته من أجل الاستحواذ عليها لم يمتلك منها سوى مساحة مترين تم دفنه فيها. 


لا حدود للجشع البشري!!.. هكذا نحن نحرص على اكتناز المال وامتلاك العقارات، ونقضي أعمارنا سعيًا للمزيد، نتوهم أننا سوف نعيش أبد الدهر، وأن الموت لن يعرف طريقه إلينا، نسلك على هذا النحو، ونشقى في سبيل الحصول على مزيد من الثروة، نضحي بأجمل سنوات عمرنا من أجل امتلاك مال أو عقار لكي يتمتع به غيرنا، إن ما نملك سوف يؤول إلى الأزواج والزوجات والأبناء والأحفاد، صحيح أن الواجب يحتم علينا أن نترك لهم ما يساعدهم على مواجهة صعاب الحياة، لكن للأسف الشديد نحن في سعينا إلى اكتناز المزيد من المال والعقار نعتقد وهمًا أن سعادتنا سوف تزداد بالقدر نفسه، غافلون عن أننا نتعب ونشقى وقد ندخل في معارك ضارية يضيع فيها العمر وينجم عنها عداء الكثيرين لنا. 


إن ما نقوله هنا لا يعني أن يزهد المرء في الحياة، ويكف عن العمل، ويقعد عن السعي للرزق، إن الطموح الإنساني والسعي لتحقيق الذات ولتحقيق حياة كريمة أمر مشروع ومطلب نبيل، لكن التكالب على المال من جانب أناس يملكون منه الكثير، وتضيع أعمارهم من أجل بناء ثروات ضخمة تفيض عن حاجتهم؛ فهذا هو الجشع المرفوض. 


لقد وُلِدَ الإنسان ليعيش الحياة.. لا ليستعد لها.

    Dr.Randa
    Dr.Radwa