السبت 20 ابريل 2024

تجديد الفقه الإسلامي (9)

أخرى22-1-2021 | 11:16

الرد على شائعة نشر الإسلام بالقتل والفتوحات؟

 إن هذا الموضوع هو من أخطر التصورات العقدية عند الجماعات الإرهابية العنيفة حيث يعتبرون السيف هو الوسيلة الأولى والأخيرة لنشر الإسلام وإلزام الناس بتعاليمه !

ولهذا يلجأون إلى الذبح وارتكاب الجرائم والتوحش !!

كما يعتقدون أنه لا يمكن أن يعيش المسلم طائعاً لله إلا في دولة الخلافة.

أما دون ذلك فالمسلمون جميعهم كفرة ومجتمعاتهم جاهلة حتي وإن صلوا وصاموا وأقاموا شعائر الإسلام

ولقد سوّق وعاظ الجماعات الإرهابية هذا الفكر خلال أكثر من ثمانين سنة !!  وجندوا به العديد من الشباب للالتحاق بركب التطرّف ثم الإرهاب !!

 ولقد نظّر لهذا الفكر أيضاً سيد قطب في عدة كتب له بل هو المهندس الكبير لفكر الإرهاب في القرن العشرين !! 

وهذا الفكر أبعد ما يكون عن الإسلام، لأن الإسلام دين حضاري إنساني يقود الإنسان من روحه وضميره وقلبه إلى اسمي القيم الاجتماعية والإنسانية، لصناعة جوٍ عالمي من السلام عند الإنسان بينه وبين نفسه وبينه وبين ربه وبينه وبين الناس وبينه وبين الكون

وأسفنا أن الإسلام دين المحجة البيضاء ظُلْم كثيراً عبر التاريخ بإشاعة الأباطيل عنه من قبل أبنائه الجهلاء وأعدائه الخبثاء

 

إن الإسلام ليس هو الدين الذي يحتاج إلى العنف كي يفرض تعاليمه على الناس، لأنه دينٌ أساسه الرحمة والعلم والحضارة والعمل الصالح والتعمير، يخاطب العقل حتي ينبهر بجلال الله، ويخاطب الفطرة حتي تشاهد آثار جمال الله، إنه الدين الذي يجد طريقه ميسراً إلى القلوب، ممهدا إلى أولي الألباب.

فالتوحيد، والأخلاق السمحة، والعبادات الزكية، والمعاملات الحسنة، والأحكام العادلة، كل ذلك ما يحتاج إلا إلى الدعوة الهادئة والإقناع المجرد ؛ قال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) [النحل : 125].

ويبين القرآن الكريم أن الرسالات السابقة من رسالة نوح – عليه السلام – إلى رسالة سيد المرسلين وخاتم النبيين محم (صلى الله عليه وسلم)، لم تنتشر إلا بالدعوة، وعدم الإكراه؛ قال تعالى على لسان سيدنا نوح : ( قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ ) [هود : 28]؛ وقال عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ) [يونس : 99].

وعندما تتدبر آيات الدعوة التي شرحت وظيفة الرسالة، نجد هذا المعنى قائم، قال تعالى : (فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ ) [الطور : 29]، وقال سبحانه : ( فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ  لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ ) [الغاشية : 21 ، 22]، وقال جل وعلا : ( قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ ) [الأنعام : 104] ، ووجه ربنا سبحانه إلى مدى حرية الاعتقاد والإيمان، فقال تعالى: (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) [الكهف : 29].

وبالتالي : فحاجة الإسلام  ليس إلى سيف ؟ بل إلى داعية ناجح، يحسن عرض الإسلام على العباد.

* وعندما نقرأ الفتوحات الإسلامية في سياقها الديني والتاريخي  يتبين الآتي :

1- دعوة الإسلام الناس كانت واضحة، يقال فيها : عندنا دين صحيح لا زيف فيه، صادق لا كذب فيه ، واضح لا غموض فيه ، خير لا شر فيه ، نعرضه عليك ، فإن قبلته قبلته! ، وتكون مسلما لله تعالى، وإن رفضته، فهذا لك، بشرط أن تدع المسلمين يشرحون لغيرك ويبينون للناس، فإذا قال : ( ادعوا من تريدون وأنا لا أصدكم عن دعوتكم ، فهذا حسن ).

أما من منع عرض الإسلام على الناس، فهذا هو المقصود بالقتال في الفتوحات الإسلامية، لتأمين وصول الإسلام إلى الأقطار .

فالنظر إذا إلي الفتوحات الإسلامية علي أنها قتال !! ظلم ووهم كبير !! 

الفتوحات الإسلامية في تاريخنا النظيف هي الدعوة، ومعاملة الناس بأخلاق الإسلام

فقد بعث رسول الله برسائله إلى ملوك ورؤساء العالم – كسرى، وقيصر، والنجاشي، وغيرهم – يدعوهم إلى الإسلام، ويمررون الدعوة إلى شعوبهم، وهذه الرسائل ليس فيها تهديد بالقتل إن أعرضوا عن الإسلام إنما كلها دعوة وسلام. وجاء فيها : أسلم. تسلم، أسلم يؤتك الله أجرك مرتين فإن أبيت فعليك إثم ( المجوس  لكسري أو الروم لهرقل أو الآريسيين للمقوقس عظيم القبط والآريوسيون نسبة إلي آريوس. وهو كاهن قبطي. )  

والمقصود بقوله - صلي الله عليه وسلم - " أسلم تسلم ". يعني تسلم من ضيق الدنيا وعذاب الآخرة وليس المقصود منها تسلم من القتل. كما يروج البعض !!  لان رسول الله صلي الله عليه وسلم لم يقاتل إلا الروم في موقعتين. مؤته وتبوك. وكان للدفاع عن المدينة المنورة لوقف زحف الروم إليها. حيث كانوا يريدون ذلك

وكانت هذه الرسائل أيضاً واضحة في إنهم إن رفضوا الإسلام فليسمحو بعرضه علي أقوامهم، فمن شاء منهم أن يؤمن ومن شاء ظل علي عقيدته بكل حرية !! 

غير أن هؤلاء الملوك كانوا يعتبرون أقوامهم عبيدا ومن حقهم أن يفرضوا ديناً وعقيدة معينة علي الناس دون سواها

ورفض أكثر هؤلاء الملوك أن تمرر الدعوة إلى الشعوب، فكانت الفتوحات الإسلامية، لإقصاء هؤلاء الجبارين، ثم عرض الإسلام على الشعوب، وهنا يتم تطبيق الآية الكريمة : (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) [الكهف : 29].

فالفتوحات الإسلامية كان فيها حروب للمسلمين في فترة تاريخية ،حيث كان حكام الشعوب يمنعون عرض الإسلام على شعوبهم بالقوة، ويفرضون عليهم عبادة أنفسهم، أو معبودا غيرهم.!!

إن الفتوحات الإسلامية لم توجه ضد الشعوب، أو عامة الأفراد، وإنما ضد من منعوا عرض الإسلام، ووقفوا في طريق هداية الناس.

أما اليوم فلا يوجد أي عارض في أي مكان بالعالم يمنع من عرض القرآن ونشر الإسلام بين الناس، ففي كل بلاد الدنيا توجد المساجد، وتقام الشعائر الدينية بكل حرية !! 

  وبناء على القاعدة الأصولية التي تقول : ( العلة تدور مع الحكم وجوبا وعدماً )، فإن قضية القتال في الفتوحات الإسلامية باتت أحكاما تاريخية، كالكثير من الأحكام مثل : نكاح ملك اليمين ومكاتبة العبد لسيده حتى يتحرر من عبوديته إشارة إلي قوله تعالي " فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا" النور : ٣٣ .!

2- مما يؤكد هذه الحقائق، وأن انتشار الإسلام كان بالدعوة وليس بالسيف ؟، انتشاره في جنوب وشرق آسيا، دون وصول جيوش العرب والمسلمين إلى هذه المناطق ( ماليزيا، وإندونيسيا، وغيرها من البلدان...)، ودخل الناس في الإسلام تأثرا بالمعاملة الطيبة لتجار المسلمين، كذلك نجد انتشار الإسلام في إسبانيا، كما يذكر – جوستاف لوبون – في كتابه "حضارة العرب".

فالحقيقة التاريخية تؤكد أن انتشار الإسلام في الأماكن التي دخلتها الجيوش العربية والإسلامية، كانت وفق معدلات متناسبة تماما من الناحيتين ( الكمية ، والكيفية ) مع التطور الطبيعي لحركة الدعوة الإسلامية عبر التاريخ.

فَلَو كان السيف هو الفاعل لنشر الإسلام لدخل الناس في الدين نفاقاً من أول يوم !! 

ولكن ملياراً ونصف من المسلمين اليوم هم نتاج الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة فقط دون إكراه

 3- المسلمون لم يقتلوا الشعوب ويبيدوهم، كما حدث في كثير من الدول التي قامت على أنقاض شعوب وحضارات أخرى، وقُتل الملايين من البشر ظلماً وعدواناً، بل شارك المسلمون الناس لإنشاء حياة كلها سلام ورحمة.  

4- المسلمون جعلوا بعض عبيدهم حكاما، مثل: الظاهر بيبرس، وقطز، وغيرهم .

5- لم يعرف تاريخ المسلمين محاكم تفتيش عن العقيدة، كما حدث في الغرب، وفي الأندلس بعد سقوطها .

6-تمتع أهل الأديان الأخرى تحت حكم المسلمين، وفي ظل راية الإسلام، بشهادة المؤرخين الغربيين، بحقوق لم يأخذوها وهم تحت سيطرة أمثالهم .

بل وشارك المسلمون  في بناء كنيسة العذراء بالفسطاط كما شارك الأقباط المسلمين في بناء جامع عمرو بن العاص

وعندما دخل المسلمون القدس. استأمن المسيحيون المسلمين علي مفاتيح كنيسة القيامة حيث تسلمتها عائلتان مسلمتان (نسيبة وجودة) ولا تزال مفاتيح كنيسة القيامة مع هاتين العائلتين في القدس حتي اليوم !! 

7-تزاوج المسلمون مع أهل تلك البلاد، وبنوا أسرا وعائلات على مر التاريخ .

وظل إقليم الحجاز – مهد الدعوة الإسلامية – فقيرا إلى عصر ظهور البترول  في القرن الماضي ولوكان الإسلام مثل غيره يعتمد على القوة سبيلا للسيطرة والهيمنة، لجلب المسلمون ثروات العالم ليغنوا بها أهل مكة والمدينة، سكان الحرمين  الشريفين .!!

ونخلص من هذا كله إلى أن الفتوحات الإسلامية ليست هي الجيوش التي تحركت نحو البلدان  !!

وإنما هي دعوة الناس إلي دين الله، وهذه الجيوش لم تكن لنشر الإسلام وفرضه على الأخرين، وإنما كانت في فترة تاريخية لإذهاب من يعترض دعوة الإسلام، ويمنع وصولها لباقي الأفراد؛ أما وقد وجدت الوسائل الحديثة للوصول إلى الشعوب، ودعوة الأفراد إلى الإسلام بطرق مختلفة، فإن ذلك يعد من الأحكام التاريخية التي انتفت لانتفاء علتها!! 

وبالتالي: قضية الفتوحات الإسلامية هي قضية تاريخية لها حدودها الزمانية وظروفها ولا يمكن تكرارها مع وصول الإسلام إلى الدنيا كلها

ولنا أن نسأل ؟!

لماذا  لا تزال الفتوحات الإسلامية تدرس ضمن أبواب القتال في الفقه حتى اليوم؟ رغم أن تدريسها يوهم الطالب الدارس أن الإسلام انتشر بالقتال وليس بالقتل فتقترب في ذهنه تصورات الجماعات الإرهابية في هذا الشأن؟

ورداً على تصورات هذا الجماعات أقول :

إن الحروب في الإسلام كلها للدفاع عن المجتمع كما قال جابر بن عبدالله "ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَغزو إلا أن يُغزى وما كان يُحارِب إلا أن يُحارَب."

وهذا هو مفهوم القتال !! وهو يختلف عن مفهوم القتل !! والكثير لا يستطيع التفرقة بينهما، مع إن الفرق بينهما هو نفس الفرق بين الجندي الشهيد المدافع عن وطنه وبين الإرهابي القتيل الذى يدافع عن جماعته أو أفكاره !!

فالقتال يكون بإذن ولى الأمر والقتل يكون بقرار شخص أو بقرار جماعة غيلة وتشفيا في القتيل .

والقتال يبذل الجندي المقاتل فيه روحه لتحيا الأمة من بعده والقتل يزهق القاتل فيه أرواح الأبرياء ليعيش هو أو تعيش أفكاره وجماعته !! .

والقتال  يعنى أن هناك اعتداء على الوطن فيأمر ولى الأمر بتجييش العدة والجنود للدفاع عن الأرض ومصالح الأمة .

والأمر القرآني جاء بوجوب القتال اذا حدث اعتداء على الدولة، قال تعالى وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) سورة البقرة .

أما القتل فهو إزهاق للروح من غير أن تتوافر شروط القتال في سبيل الله وهو من اكبر الكبائر ولا يباح إلا على سبيل القصاص بيد الدولة ،، قال تعالى: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179 ) البقرة .. وقال أيضاً : وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۗ ) 33 الإسراء

فهل نستطيع مجابهة هذه التصورات المغلوطة بالحقائق؟! .

كما نعدل الفتاوى الخاصة بهذا الشأن في كتب الفقه والتي بالطبع لها سياقها وحدودها الزمانية والمكانية؟! .

نعم نستطيع ،،،

. والله الهادي إلى سواء السبيل ،،