الخميس 25 ابريل 2024

عاصمة إدارية جديدة بدون «زكريا الدرديرى»!

أخرى9-1-2021 | 21:22

مَن منا لا يتذكر "زكريا الدرديري"؟.. الشخصية الهزلية التي أدّاها النجم يوسف عيد، أمام العملاق علاء ولي الدين، رحمه الله كليهما، في فيلم: "الناظر"، حين سأله "ولي الدين" عن توصيفه الوظيفي في المدرسة، ليجيب ببرود: "زكريا الدرديري.. مُدرس رياضيات وفرنساوي، عقبال ما يجيبوا مدرس فرنساوي".


"زكريا الدرديري" شخصية أضحكتنا كثيراً في هذه المشهد الذي عكس واقعاً نراه، ويحيط بنا، ولا يتجاوز حدوده المؤسسات التعليمية، بل يمتد إلى المصالح الحكومية ومختلف الجهات، فهذه الشخصية موجودة بالفعل معنا، تشغلُ وظيفة وربما اثنتين، دون أن تملك المقومات التي تؤهلها لأداء كليهما، فهي مجرد سد عجز، وملأ خانة، دون إنتاج حقيقي، أو مُخرج ملموس يُنسب إليها الفضل فيه.


"زكريا الدرديري" شخصية أحببناها على الشاشة، وعاصرناها لعقود في جهازنا الحكومي العتيد، ولكننا لا نرغبُ أن تكون بيننا في العاصمة الجديدة، فمع كل ما يتم الإعلان عنه من ترتيبات لتطوير العمل الإداري وتحديثه ورقمنته بالتزامن مع خطوة الانتقال إلى الحي الحكومي شرق القاهرة، فإننا نتطلع لأن يعرف كل "رأسه من قدميه"، ليكون له بطاقة وصف وظيفي، تحدد بدقة المهام الموكلة إليه، والمسئوليات الملقاة على عاتقه، بما يتسق مع مؤهلاته الدراسية، وخبراته العملية، وما يستطيع تقديمه بالفعل في الوظيفة التي يشغلها ويتقاضى أجره عنها.


"بطاقة الوصف الوظيفي" أمر ضروري يتجاهله الكثير من الجهات الحكومية في الإرث القديم، ليجد الموظف نفسه في موقع أقل من إمكاناته، فيصابُ بالإحباط وضعف الإنتاجية، أو أكبر من إمكاناته، فلا يرتقي آداءه ومخرجات العمل مع مستوى المطلوب منه، وبالتالي ضعف المردود من هذا النمط من الموظفين، كما تعجز إدارات الموارد البشرية في جهات عديدة عن توظيف العاملين في المواقع الأنسب لقدراتهم، وهو أمر لا يتطلب من الجهة سوى إعادة تدوير وظيفي، وتوزيع جديد للمهام، لايكلفها مليماً واحداً، فلا تضطر لإضافة عناصر جديدة، كما أن تحيد المسئوليات يترتب عليه قدرة أكبر على المتابعة وتقييم حجم الإنجاز ومحاسبة المُقصر.


رفض انتقال "زكريا الدرديري" إلى العاصمة الإدارية الجديدة لا يعني بأي حال من الأحوال "قطع رزقه" وطرده من الوظيفة الحكومية، ولكن العمل على تدريبه وتطوير أداءه بما يتناسب مع نمط الإدارة المنتظر في الحي الحكومي، أو إعادة التدريب التأهيلي ونقله إلى وظيفة أخرى تتناسب بصورة أكبر مع إمكاناته، ليظل القرار بيد "زكريا الدرديري" نفسه، الذي ينبغي أن يدرك أن حالة البطالة المقنعة التي عاشها لعقود لا يمكنها أن تستمر، والمستقبل يتطلب منه تغيير شامل في شخصيته ودوافعه ومهاراته بما ينعكس على أداءه، والتوظيف الأنسب لإمكاناته في المكان الأنسب، ليتحول من مصدر ضعف إلى نقطة قوة وإضافة إيجابية.


سننتقلُ إلى العاصمة الإدارية الجديدة، ونترك "زكريا الدرديري" يحترق في العاصمة القديمة، والكل في الحي الحكومي سيعرفُ ماذا عليه أن يفعل، كي يمكننا تقييم إلى أي مدى قام بإنجاز ماهو مطلوب منه، فلا مكان هناك لـ"مدرس رياضيات وفرنساوي عقبال ما يجيبوا مدرس فرنساوي".

    Dr.Randa
    Dr.Radwa