السبت 20 ابريل 2024

سماء.. ليلة.. نهار

أخرى8-1-2021 | 13:59

"الشعبُ السالكُ في الظلمة أبصرَ نُوراً عظيماً، والمقيمون في أرضِ ظلال الموتِ أَضَاءَ عَلَيهمْ نُورٌ" (أشعياء ٩:٢).

تأتي أعياد الميلاد والعام الجديد مُلبَّدة بسحابة ڤيروس كورونا المستجد، حتى أننا لم نشعر بهذه الاحتفالات كما في الأعوام الماضية، ولكن هذا لا يمنعنا أن نخرج دائماً بدرسٍ عظيم يساعدنا على النضج روحياً وإنسانياً واجتماعياً. ومما لا شك فيه أنه لا توجد مناسبة ألهمت العديد من الأدباء والشعراء والموسيقيين حول العالم للكتابة والتأليف عنها، مثل أعياد الميلاد والعام الجديد، وتُجسّد هذه الروايات القيم النبيلة والمعاني الفريدة مثل السلام والحُب والصداقة والغفران والصدقة والسخاء، كما أنها تُظهر تجنّب أخطاء الماضي والبدء من جديد. ونجد الحديث في هذا المجال عن الأجواء المبهجة أو الأجواء الحزينة، والتجمعات الأسرية حول شجرة الميلاد التي تكسوها الزينة وهدايا سانتا كلوز وغير ذلك..

وتحكي رواية "ترنيمة عيد الميلاد" للكاتب العظيم تشارلز ديكنز 1843 والتي تحوّلت لأكثر من عمل سينمائي ومسرحي وغنائي عن العجوز سكروج البخيل الذي يهتم بعلمه وكنز المال فقط، ولا تعنيه مشاعر الآخرين، ولكن حياته تتبدل عندما زاره شبح شريكه المتوفي مارلي مكبلاً بالحديد، والذي ندم على تصرفاته، محذراً إياه من الطريق الذي يسلكه، كاشفاً له أن ثلاثة أشباح سيزورونه ليلة عيد الميلاد، يمثلّون الماضي والحاضر والمستقبل من أجل منحه الفرصة لتغيير نفسه، وهذا ما تم بالفعل عندما تحوّل العجوز البخيل بعد زيارة الأشباح إلى شخصٍ كريم ولطيف نتيجة الموعظة التي قدموها له. ونحن بماذا نخرج من الأعياد، هل نكتفي بالاحتفالات الخارجية فقط؟ هناك ثلاث علامات تصطحب عيد الميلاد، نستطيع تأملها والتعلّم منها:

أ- سماء: جميعنا مدعو لرفع عينيه إلى فوق، لأننا نعيش اليوم في عالمٍ كل شيء فيه هش: السلام والمال والأزواج والصحة والعمل، حتى الإيمان أصبح مذبذباً. إن الأرض التي نقف عليها لا تستطيع أن تمنحنا دائماً الصفاء والسكينة. لذلك يعود إلينا عيد الميلاد ليس كأسطورة؛ ولكن إجابةٍ على معاناة البشرية، يلوح في السماء نور ونجم ولحن وبداية جديدة. ولكن الإنسان الذي لا يجد مكاناً للعذراء مريم والقديس يوسف والطفل يسوع، يغرق في الوحل. نحن حجبنا السماء بالأنوار المصطنعة حتى أصبحت المدن التي نعيش فيها بدون سماء، كما أن البعض لم يعد يشعر بوجود الله في حياته، ولا يستطيع سماع صوت الملائكة، لذلك نحن في أمس الحاجة لرفع أنظارنا نحو السماء، ونبحث عن النجم الذي يقود حياتنا ومسيرتنا. لقد اختار السيد المسيح طريق البساطة والتواضع في ميلاده، ليعلمنا أن نكف عن الصراعات والحروب من أجل البقاء.

ب- ليلة: إنها ليلة مقدسة للسهر والصلاة. ما من شك في أن كل شخصٍ يظل ساهراً عندما ينتظر إنساناً عزيزاً عليه، أو خبراً حاسماً يهتم بأمره "الشعب السالك في الظلمة، أبصر نوراً عظيماً.." نحن محاطون بالظلام سواء بداخلنا أو خارجنا، حتى أن عيوننا تعوّدت على رؤية ظلام الخطيئة وظلال التهاون في محيطٍ تتلألأ فيه الأضواء المزيفة. لذلك نحن بحاجةٍ ماسة إلى النور الحقيقي والصمت العميق لسماع كلمة الله التي تساعدنا على التحلي بالحكمة، وبذلك نستطيع أن نستمع لصراخ الأبرياء وصوت الأبرار، وبهذا نستعيد بين أيدينا تاريخنا الشخصي والعائلي والاجتماعي والديني. نجد في تلك الليلة قليلاً من الرعاة المهمّشين في المجتمع، الذين ضحّوا من أجل يسوع الطفل؛ بينما الجميع كانوا منشغلين ومشتتين. للأسف كثيرون هم الذين فقدوا سماع الكلمة الحقيقي، كما أنهم وجدوا صعوبة في فهم معنى الغنى الحقيقي لحياتهم، ولم يتعلّموا أن السيد المسيح هو السلام الذي لا ثمن له.

ج- نهار: لا يوجد ليل بدون نهار، ولا طريق بدون هدف، ولا توجد آلام بدون ميلاد، كما أنه لا يوجد زرع بلا حصاد. إذاً كل شخصٍ منّا يستطيع أن يقرر هذا العام أن يكون أو لا يكون عيد الميلاد في حياته. وهنا يعلّمنا يسوع الطفل قائلاً: لقد وُلدتُ فقيراً عرياناً حتى تستطيع أنت أن تتعرى من ذاتك، معتبراً إياي الغنى الحقيقي. وُلدتُ في مغارة للبهائم حتى تستطيع أنت تقديس كل مكانٍ تطأه قدماك. وُلدتُ في مذودٍ فقير لتفهم جيداً أنني في متناول الجميع. وُلدتُ ليلاً حتى تؤمن بأنني أستطيع أن أُنير كل واقع. وُلدتُ في البساطة، حتى تكف عن الشعور بأنك منبوذ ومضطهد. كل عيد ميلاد وجميعنا بخير وسلام ومحبة وصحة وتفاؤل، طالباً من الله أن يحمل هذا العيد كل ما هو صالح ونافع للبشرية جمعاء.