الخميس 25 ابريل 2024

ماذا لو قدر لنا النجاة من «كورونا»؟

أخرى29-12-2020 | 16:55

إذا قدر لنا النجاة من هذه الجائحة، لن نكون مضطرين لأن نستدعي لأحفادنا بعد سنوات عجاف، حواديت جداتنا عن "أبو رجل مسلوخة"، لنخيفهم كي يناموا فيخلوا لنا الجو في ليلة خميس دافئة، سيكفي حينها أن نقص عليهم ماذا فعل فيروس لعين أصغر من حبة السمسم، في العالم كله، كي ينتفض الصغارُ فزعاً، ثم يتدثروا حتى رؤسهم في اللحاف، ويغمضوا أعينهم أملاً في التخلص من طيف هذا المسخ، والإنكماش حتى قدوم النهار.


يوماً ما سنتجاوزُ هذه المحنة بمشيئة الله، لنحتضن أحفادنا ونريهم صور أحباءنا الذي سبقونا إلى الدار الآخرة بيد هذا الفيروس القاتل، ونُفضي إليهم بأحزاننا العميقة حين اقتنص "كورونا" أحبتنا في لمحة عين، وحرمنا بغلظة من فرصة وداعهم، واحتضان جسدهم وتقبيل جبهتهم لآخر مرة، ومنعنا من إقامة سرادق لتلقي العزاء فيهم، ونقصَ عليهم كيف تحولت حوائط السوشيال ميديا إلى صفحات للوفيات، وغدت مستشفياتنا أجنحة عزل، أسرتها مُكتظة بالمرضى، وحولهم أطباء يتحركون ليل نهار ببذل واقية خانقة تقاسيهم الأمرين.


سنعبر هذه الجائحة بإذن الله، كي نشرح لأحفادنا ببساطة تلائم حدود فهمهم، كيف توقفت الحضارة فجأة، وتعطلت خطط التنمية في البلدان، وإنطفأت ماكينات المصانع، وكيف أغلقت الحدود وخلت الطائرات، وتكرست جهود العلم من أجل هدف واحد هو ايجاد لقاح سريع ناجع لهذا المرض، سنروي لهم كيف أوصدت دور العبادة أبوابها في وجوه الناسكين،  وأفتقدت المباريات لحماس الجمهور، وغلقت أبواب المتاجر باكراً، وأصبحت الدراسة عن بعد، ليطل المدرس على تلاميذه عبر شاشة حاسوب صماء تفتقر إلى التواصل الفاعل.


سنصلُ يوماً إلى بر آمن بعون الله، ليعلم أحفادُنا من خلالنا كيف أمست "الكمامة" زياً عالمياً يربط الشعوب، والبعد عن الناس "غنيمة"، و"العطسة" مُفزعة أكثر من الإنفجار، والمصافحة مُخجلة بأوضع من ذنب دنيوي، ورائحة "الكحول" أروع جاذبية من العطور، سنحكي لهم كيف استغل أصحابُ الأعمال الفرصة بمكرِ لقطع أرزاق نصفُ العاملين، واقتناص نصف أجور الآخرين، سنحكي لهم كيف حولت الأزمة "صنايعية" من أيدي عاملة ماهرة، إلى مستحقي الدعم، وتجار أزمات جشعين ومحتكرين إلى أصحاب ملايين. 


الأهم من كل ذلك، أنه سيكون واجباً علينا إذا كتب الله لنا النجاة من هذا الوباء، أن نغرس في قلوب أحفادنا قيمة "العلم"، وأنه السبيل الوحيد لإرتقاء البشرية وبناء الأمم، فبينما إكتفت بعض الشعوب برفع أكف الضراعة إلى السماء، والولولة ليل نهار حول سلبيات هذه الأزمة على الصحة والاقتصاد والمجتمع، أو حتى تسجيل فيديوهات حول إعداد الكيكة الإسفنجية، كانت شعوبُ أخرى داخل معاملها ومُختبراتها تبحث عن "لقاح" يفك شفرة هذا الفيروس المستجد اللعين ليعالج آثاره الصحية المدمرة، فالإجابة دوماً هي :"العلم".


وربما ننقلُ إلى الأحفاد يوماً، أقسى درس تعلمناه من جائحة "كورونا"، ونحن نغالب الدمع الذي يتدافع في مقلتينا لنهمس لهم: احتضنوا أحباءكم قدر الإمكان، بمبرر أو بدون مبرر، فربما لا نملك القدرة يوماً على ضمهم إلى صدورنا.. ولابأس أن نجعلهم يسمعون كلمات أحمد مكي التي تمس القلب والوجدان: "عيشوا المشاهد كل مشهد زى ما يكون الأخير، واشبعوا ساعة الوداع، واحضنوا الحاجة بضمير، دا اللى فاضل مش كتير".

    Dr.Randa
    Dr.Radwa