الجمعة 19 ابريل 2024

الإفتاء.. وعلاج كورونا بالخنزير

أخرى26-12-2020 | 16:35

حسنا فعلت دار الإفتاء المصرية بتصديها الفوري لمحاولات إثارة الجدل الفقهي حول تلقي لقاحات كورونا لاحتوائها علي مشتقات من حيوان الخنزير والإضرار بالأمل في الوصول إلي علاج فعال ضد الفيروس الشرس وهي قضية متجددة مع ظهور أي علاج يحتوي علي مشتقات من الخنزير ومعه يثار كثير من اللغط سواء بسبب قلة المعرفة أو سوء النية والتنافس بين شركات الأدوية .

أصبح من المتعارف عليه طبياً استخدام مشتقات حيوان الخنزير في علاج عدد من الأمراض، وهو ما يصطدم لدي غالبية المسلمين مع أمر إلهي حرم تناول لحوم الخنزير، ويثير جدلا فقهياً متجدداً ينتهي في أحيان كثيرة باتهامات معلبة لمن يحلل ذلك لحفظ النفس وحياة الإنسان بينما يقف علي الجانب الآخر الآراء المتزمتة التي تلغي العقل مع النص .

والحقيقة أن دار الإفتاء المصرية تصدت بشجاعة وأصدرت فتوي تبيح العلاج ومعه شرح وتفنيد كامل لرأيها بشكل علمي يستقيم تماما مع مقاصد الشرع الإسلامي بكلمات منضبطة حسمت الجدل وانتصرت للأمل في التخلص من الكابوس الجاثم علي صدر البشرية منذ أكثر من عام.

أكدت الدار بوضوح أنه لا مانع شرعًا من استخدام لقاح فيروس كورونا ما دامت هذه المادة المستخدمة فيه قد تحولت طبيعتُها ومكوناتُها الخنزيرية إلي مادة أخري واستحالت إليها بحيث أصبحت مادة أخري جديدة.

وناقشت الدار بشكل علمي مثير للإعجاب، الفرق بين تناول لحم الخنزير المحرم وتناول أحد مشتقاته في صيغة دوائية وهو ما يؤكد التطور الكبير الحاصل في الدار بقيادة شيخنا الجليل شوقي علّام، مفتي الديار المصرية، وأستاذ الفقه الإسلامي والشريعة، واستفاضت الفتوي في شرح رأيها بأن تحول المادة المستخدمة في اللقاح إلي مادة أخري أثناء عملية التصنيع تعني بشكل واضح أنك لا تتناول خنزيرًا، ولا يَصْدُق عليها أنَّها بهيئتها ومكوناتها التي تحوَّلت إليها جزء من الخنزير، وبالتالي لا مانع من استخدامها في اللقاح للتداوي من فيروس كورونا وغيره من الأوبئة والأمراض.

وذهبت الفتوي إلى اكثر من ذلك بتأكيدها انه حتي في حالة بقاء هذه المادة من الناحية الطبيعية مكون من مكونات الخنزير ، لكن لا يوجد ما يحل محلها في سرعة العلاج أو كفاءته، فيجوز تصنيعها واستخدامها كذلك".

وأوضحت الدار في تأصيلها للفتوي أنه من المقرر شرعًا أن الخنزير حرام أكله وتناوله لقوله تعالى: ﴿إنما حَرَّم عليكم المَيتةَ والدَّمَ ولَحمَ الخِنزِيرِ وما أُهِلَّ به لغَيرِ اللهِ فمَنِ اضطُرَّ غيرَ باغٍ ولا عادٍ فلا إثمَ عليه إن اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة: 173].

وأشارت إلي أن جمهور الفقهاء ذهبوا إلي أَنَّ الخنزير نجس العينِ حيًّا وميتًا، بينما ذهب المالكية إلي أَنَّ الخنزير طاهر ما دام حيًّا، ونجس إن كان ميتًا، وهذا يقتضي حرمة التداوي به أيضًا، لأنَّ الفقهاء متفقون في الجملة علي تحريم التداوي بالنجس، إلا في حالة الضرورة أو الحاجة الملحة التي لا يوجد فيها من الطاهرات ما يحل محل النجس.

وأوضحت الدار في فتواها أن مسألة لقاح فيروس كورونا المستخدم فيه مشتقات الخنزير ينبني الحكم فيها علي الاستحالة، وهي –أي: الاستحالة- تَحَوُّل المواد إلي مواد أخري لها مكونات أخري مختلفة الأوصاف، فإذا ثبتت الاستحالة تغير الحكم، حيث رَتَّب الشرع الشريف وصفَ النجاسة علي حقيقة بعينها، وقد زالت، فيزول الوصف بزوالها، فيُسلَب وصف النجاسة عن نجس العين إذا أثبت التحليل المعملي تغير المكونات بحدوث روابطَ جديدةٍ بين الجزيئات يَشِي بانقلاب المهايا والحقائق، وذلك كما في الخمر المتخللة، ودم الغزال المتحول لمسك.

ولفتت إلى أنه إذا لم تكن هناك استحالة للمادة المحرَّمة أو النجسة فإنه لا يجوز التداوي بها إلا إذا عُدِم ما يحل محلَّه من الطاهرات، أو كان ما عداها من الطاهرات ليس له مفعولها في سرعة العلاج أو كفاءته، كما هو مذهب الحنفية والشافعية.

واختتمت دار الإفتاء فتواها بأنه بناءً على ذلك يجوز التداوي واستخدام اللقاح المستخدم في مواجهة فيروس كورونا إذا تحولت فيه المادة المستخدمة في تصنيعه إلي مادة أخرى.

هذا التفنيد السريع والمثير للاعجاب يستحق توجيه الشكر لدار الفتوي المصرية التي تؤكد ريادتها في العالم الاسلامي بتحركها السريع لانقاذ المسلمين من حملات التشكيك التي تهدد اللقاح باطفاء تلك النيران غير الصديقة في قضية اشكالية قد يؤدي تصاعدها لتهديد حقيقي لحياة ملايين الناس المنتظرة لذلك الامل .