الأربعاء 24 ابريل 2024

«كلمة السر.. طفي المكنة»!

أخرى19-12-2020 | 13:10

يعرّف العمل النقابي، أو النقابة أنها إطار يدافع عن الحقوق المادية والمعنوية لشريحة معينة داخل المجتمع ، وغالبا ما تكون تلك الطائفة أو الشريحة مكونة من جماعة بشرية لها ظروف متقاربة في اكثر من موضع ، مما يجعل مصالحها كذلك متقاربة ، سواء كانت جماعة من الحرفيين او المهنيين او الفنانين ، أو حتى شريحة من المجتمع تجمعهم مصالح ورؤي واحلام متوافقة ومتقاربة ، ومن منطلق وحدة التخصص الواحد ، وبالتالي يصبح الهدف الأسمى لتلك الجماعة من البشر هو سعي أفرادها تجاه إيجاد أرضية للعمل التضامني ، ومن أجل الدفاع الجماعي المشترك عن الحقوق المادية والمعنوية.


والعمل النقابي الحقيقي ليس عملا مفتعلًا أو إراديا ، بل هو ضرورة ملحّة ، ونتيجة طبيعية لظروف مادية ومعنوية ومستوى اجتماعي معين ، كما أنه أيضاً ليس باب من أبواب الحصول على المزايا وتحصيل المكاسب ، أو حتى مدخل للتباهي والواجاهة الاجتماعية ، بل أنه هو درب من دروب الخدمة المجتمعية ، والتي تتجلى في مقام البذل بما تملك من مال ووقت وجهد ، تجاه خدمة أبناء طائفتك او مهنتك او جماعتك البشرية او المهنية ، التي تنتمي اليها وتنحاز لقضاياها ، فالعمل النقابي وبحق هو احد اهم الصور التي تعبر عن مفهوم الإنتماء الي كيان ، والوفاء لهذا الكيان ، وليس الوفاء هنا هو محض عبارات فضفاضة نرددها ، بل هو بذل حقيقي وتضحية في مقابل اعلاء شأن الكيان الذي تنتمي اليه ، وتدافع عن مصالح من ينتمون اليه من أعضاء توسموا فيك الخير ، فوضعوا فيك الثقة ، وفوضوك لتمثلهم وتتحدث بألسنتهم جميعاً ، وتحول احلامهم ومطالبهم  من مجرد أحلام ، إلى واقع ملموس ينعكس ايجاباً على تلك الجماعة وابنائها .


ولعل الدستور المصري انحاز للعمل النقابي واعترف به دوماً ، فتنص المادة 76 من دستور 2014 على أن

 ( إنشاء النقابات والاتحادات على أساس ديمقراطى حق يكفله القانون. وتكون لها الشخصية الاعتبارية ، وتمارس نشاطها بحرية ، وتسهم فى رفع مستوى الكفاءة بين أعضائها والدفاع عن حقوقهم ، وحماية مصالحهم ، وتكفل الدولة استقلال النقابات والاتحادات ، ولا يجوز حل مجالس إدارتها إلا بحكم قضائي ، ولا يجوز إنشاء أى منها بالهيئات النظامية ) .


وجميع ما سبق هو محض كلام يصف واقع النقابات ربما بشكل نظري وقانوني بحت ، إلا أن الواقع العملي يكشف خلاف جميع ما سبق ، وكلامي هنا على وجه التحديد ، وحتى لا يصاب القارئ الكريم بالالتباس والتشويش ، هو كلام متعلق بفئة ممن يسعون تجاه العمل النقابي، وبطبيعة الحال هنا فالكلام ليس على مجموعة من الشرفاء ممن آثروا العمل النقابي ، والذين قدموا الكثير والكثير في مجال العمل النقابي بكافة النقابات المهنية أو العمالية ، وهم شرفاء طيب ذكرهم على مدى التاريخ ، كفاحهم من أجل الانتصار لحقوق الفئات التي يمثلونها بنقاباتهم ، ولكن حديثي هنا ينصب على فئة اتخذت من طريق العمل النقابي وسيلة لتحقيق مصالح شخصية ضيقة ، ومكاسب سواء مادية أو معنوية دفعتهم رغبتهم المحمومة إلى السير في هذا الطريق ، وهم أشخاص تتغير أشكالهم واسمائهم أو حتى مجالات انتمائهم وعملهم ، إلا أن غايتهم واحدة في كل مكان وزمان ، المصالح الشخصية الضيقة ولا شيء آخر غيرها .


ولعل الدافع وراء كلماتى تلك هو ما تم تداوله على نطاق واسع خلال الأيام الماضية بواحدة من أعرق النقابات المهنية والوطنية وهى نقابة المحامين ، وما تم تسريبه لمجموعة من المنتسبين لها ممن اجتمعوا للاتفاق علي بعض الترتيبات ، أو دعونا نقول التربيطات فيما بينهم وبين أنصارهم في أحد الإستحقاقات التي ستجري حول دمج النقابات الفرعية بالمحافظات ، ولست هنا في مقام السرد لما دار من حديث اتحفظ على ذكره أو تكراره نظراً لما شابة من عبارات ، بعضها خارج عن نطاق الأدب والأخلاق ، وبعضها الآخر كان يصف لنا كيف ينظر البعض من هؤلاء إلى جماعة الناخبين التي يخطب ودهم طمعاً في الفوز بمقعد أو منصب بالنقابة ، فهؤلاء اتفقوا فيما بينهم على أن الناخب يمكن شراء صوته بـ 500جنيه ، نعم خمسمائة جنيه ، ياللأسف ، هل انحدر الحال بالعمل النقابي إلى هذا المستوي المهين ، وهل وصل الحال ببعض أصحاب المطامع والساعين خلف المصالح إلى هذا المستوى ، وبعد أن وصل بهم الحال إلى أن يتحلقوا حول أغراضهم ، فهذا يخطط ويرتب ويدير المعركة ، وهذا يسب ويقذف الأخرين ، وهذا يقيم الدعاوى والطعون ، فيهاتفه من يدير المعركة ليوجه إليه تعليماته النهائية ويقول له (احنا هانطفي المكنة) ، وهي عبارة كودية أو مشفرة معناها أننا سنتوقف عن أى تحركات ، وعليك أنت ايضاً أن تتوقف عن ما كنت ستقوم به من طعون على قرار دمج النقابات ( وهي عبارات من واقع التسريبات المسجلة والمتداولة ).


يعلم الجميع ممن يعرفوني بشكل شخصي ، أنني ما كنت في يوم من الأيام طامعاً في تحصيل منصب ، أو منفعة من وراء نقابتي ، والتي افتخر بالانتساب إليها لمدة جاوزت العشرون عام حتى الآن ، إلا أنها المرة الأولى التي اتعرض فيها بالحديث عما يدور حولها ، واعتراضاً مني على هذا المسلك المشين من بعض المنتسبين اليها ، والطامعين في تحقيق مصالح شخصية ، حتى ولو كان على حساب نقابتهم ، وعلى حساب زملائهم الذين يدعون كذباً بأنهم يسعون من خلال العمل النقابي للدفاع عن مصالحهم ، وهم أبعد ما يكونوا عن هذا الهدف النبيل ، فهم لا يعرفون إلا لغة المصلحة ، ولعل التسريبات المتداولة مؤخراً كشفت عن مخططاتهم ، وكشفت أيضاً عن سوء اختياراتهم لداعميهم ، ويؤكد هذا أن احد الحضور بين ظهرانيهم هو من خان الجماعة التي وثقت به ، فقام بتسجيل الحديث الدائر بينهم وسربه ، ففضح مخططاتهم وكشف عن وجههم الحقيقي ، وهو ليس بأفضل حال منهم ، فالطيور على أشكالها تقع .


وختاماً أقول : انني كلي ثقة في وعي جموع الزملاء المحامين ، وفي حسن اختيارهم في قادم الأيام لمن يمثلهم في أي استحقاق انتخابي قادم ، سواء للنقابات الفرعية أو للنقابة العامة في دورتها القادمة ، فنقابة المحامين بها العديد من الرموز الوطنية والمهنية المحترمة ، والقادرة على استعادة كرامة وهيبة النقابة ، وحمايتها من أطماع بعض خلايا جماعة الإخوان النائمة والطامعة دوما في السيطرة عليها ، وبالتبعية استعادة أمجاد تلك النقابة الوطنية صاحبة التاريخ الوطني المشرف ، من الانتصار لقضايا الوطن وقضايا الحقوق والحريات والانتصار للضعفاء ومسح آثار الظلم عن المظلومين.

    Dr.Randa
    Dr.Radwa