الجمعة 19 ابريل 2024

تجديد الفقه الإسلامى (3)

أخرى10-12-2020 | 22:55

قبل الإجابة على هذا السؤال، يجب تعريف مصطلح المناط فى الفقه الإسلامى، ومعرفة الفرق بين تخريج المناط وتحقيق المناط وتنقيح المناط؟ ذلك بأن المناط هو الآلة اللازمة لصناعة الفتوى! والتلاعب بها يخرج النص الشرعى من سياقه إلى سياقٍ يريده المتلاعب بالقرآن والسنة نحو أفكاره الشخصية! 

* ومناط الحكم: هو علته الفقهية كعلة تحريم الخمر السُكر (بضم السين)   

* والفرق بين تخريج المناط وتحقيق المناط وتنقيح المناط؟ 

تخريج المناط: هو استنباط الوصف المناسب من النص ليُجعل مداراً للحكم. 

كاستنباط أن الإسكار هو علة تحريم شرب الخمر، فالفقيه يستنبط المناط بالرأي فيقول علة تحريمه كونه مسكراً،  فنقيس عليه أي مسكر! ككل أنواع المشروبات الكحولية والخمور. 

أما تحقيق المناط: فهو كيفية تطبيق هذا على أرض الواقع مثل قوله تعالى (فجزاء مثل ما قتل من الصيد) تحقيقه أن البقرة مماثلة في العوض للحمار الوحشي. 

 وتنقيح المناط: هو أن العلة عندما تتغير، يتغير  الحكم، يعني مثلاً  لو أن السُكر قد انتزع من مشروب كان حراماً (مشروب الشعير فيه كحول حرام لأنه مسكر، انتزع منه الكحول أصبح حلالاً لأن العلة رفعت) والله أعلم. 

وقد استعمل النبي (صلى الله عليه وسلم) المناط في مواقف كثيرة منها جوابه على المرأة التي سألته: إن أمي ماتت وعليها صوم نذر أفأصوم عنها؟ فقال: أرأيت لو كان على أمك دين قضيته عنها؟ قالت: نعم، فقال: فدين الله أحق بالوفاء. (رواه البخاري)

***  

والآراء الفقهية المتشددة في عصرنا الحاضر أو العلماء الذين يوظفون علمهم لصالح توجههم السياسي يلعبون في عقول الشباب بهذه المداخل ويغيرون في تحقيق وتنقيح المناط، ومثال ذلك: 

1- الفتوي التي ظهرت بوجوب الجهاد في سوريا الشقيقة وقتال الجيش السورى عام 2012!

تم تغيير تحقيق المناط من كونه العدو الذي يحتل البلاد ويهتك الأعراض ويحصد الأرواح على حدود الوطن، إلى العدو السياسي الداخي وأنظمة الحكم التي تواجه الإرهاب (هكذا أفتى تجار الدين القرضاوى ومعه عدد كبير من المعممين فى البلاد العربية وكذلك وعاظ التطرف) 

فالجهاد وفق ما شرعه الله  للدفاع عن الأرض والعِرض يعنى (حماية حدود الدولة ومصالحها) ولا يتم إعلانه إلا  من خلال الدولة لدفع خطر محقق أو محتمل. 

فقام تجار الدين بالتلاعب فى المناط تحقيقاً وتخريجاً وتنقيحاً وأعلنوا هم الجهاد بكل فوضى وهمجية لقتل المسلمين وتخريب البلاد والعباد، وجنّدوا آلاف الشباب وحشدوا بهم فى معارك سياسية باسم الله ورسوله، راح ضحيتها مئات الآلاف من الأبرياء وتم تدمير بلد شقيق بفتاوى كلاب النار. 

ولذلك أطالب بالقبض فوراً على كل من قام بالتوقيع على بيان الجهاد فى سوريا من المعممين الأزهريين فى مصر أو الوعاظ غير الأزهريين وتحويلهم لمحاكمة عاجلة جراء جرمهم بالتسبب فى قتل الآلاف من الأبرياء! 


2- فى العشرين من فبراير عام 2011  أقامت الجمعية الشرعية بالجلاء ندوة بعنوان "الإسلام ومعالم الإصلاح فى مصر"  (موجودة على موقع اليوتيوب)

حاضر فيها كل من المرحوم الدكتور "م.م"، والمرحوم الدكتور "م.ع"،  والدكتور "م.م.ج" الوكيل العلمى للجمعية وقتها. 


ورداً على سؤال من قبل بعض شباب الجماعات حول مشروعية الانتحار لإسقاط الدولة المصرية (على غرار  انتحار محمد بو عزيزى فى تونس والذى كان سبباً فى ثورة تونس)؟!!!! 


فقيل: إن الانتحار لإسقاط الطغاة حلال!! (يقصد إسقاط الدولة) وزاد على ذلك بقوله: "بل هو شهادة فى سبيل الله أما الانتحار يأساً من الحياة فحرام" !!!!  


وهذه الفتوى من أخطر الفتاوى السياسية التى ظهرت فى القرن الواحد والعشرين؛ لمخالفتها القرآن والسنة والقواعد الفقهية والمنطق البشرى، ولأنها تبرر تفجير الشاب الإرهابى نفسه بل وتحرض على ذلك! إرضاءً لهوس الجماعات المتطرفة فى توظيف النصوص الشرعية لخدمة مصالحها وأفكارها السياسية.

ومما هو معلوم أن النفس البشرية هى ملكٌ لله تعالى، ولا يجوز إزهاقها إلا بالحق (القصاص)

قال "صلى الله عليه وسلم": "من قتل نفسه بحديدة؛ فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن شرب سماً فقتل نفسه؛ فهو يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن تردى من جبل فقتل نفسه؛ فهو يتردى في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً".

وكل ذلك وأكثر يفرض علينا التصدي بقوة على المستوى الفكري والثقافي لتجار الدين وكشف جرائمهم الفكرية.

وللحديث بقية .