الخميس 18 ابريل 2024

اذكروا فتاة المعادي!

أخرى7-12-2020 | 12:11

تحدثنا من قبل عن أن رضا المجنى عليها إذا ما ثبت توافره، فإنه ينفى جريمة الاغتصاب لأن الركن الأساس لوقوع الجريمة هو عدم الرضا، فماذا عن سلوك المجنى عليها؟!

قد يظن البعض أن سلوك المجنى عليها، أو شكل ملابسها أو ما يشاع عنها - ولو ثبت صحته - يمكن أن يحوّل مسار الجريمة، إذا ما ثبت أنه تم اغتصابها عنوة رغماً عنها، بل ويجعلها تنتقل من خانة الضحية إلى خانة الجانية على نفسها!

وهذا وهم كبير يتصوره البعض ليبرروا أفعالهم الإجرامية أو تعاطفهم مع المغتصبين.

فسلوك المجنى عليها وطريقة ارتدائها ملابسها أو حتى امتهانها مهنة ذات سمعة سيئة، كل ذلك لا يقدح في صحة الاتهام إذا ما ثبت أن المجنى عليها قد تم مواقعتها كرهاً عنها.. وقد تواترت عدة أحكام من محكمة النقض بذلك بشكل جازم.

هل أغيظك أكثر فأخبرك أن فعل الاغتصاب؛ الذي هو فعل شيطانى النزعة بلا مراء؛ إذا تم ولو مع محترفة دعارة مع توافر الأدلة وظهور علامات على حدوث ذلك عليها رغماً عنها، فإن الجريمة لاتزال قائمة والاتهام سيتحول بلا ريب إلى إدانة.

ففي إحدى القضايا التى عايشت أحداثها كمحرر للحوادث في نهايات التسعينيات، ذهبت إحدى محترفات البغاء مع رجل بمحض إرادتها وبعد اتفاق على ممارسة الجنس معها بأجر - أي أن الأمر يشكل جريمة ممارسة دعارة بالنسبة لها، إلا أنها فوجئت بأنه أحضر أشخاصاً آخرين لممارسة الجنس معها، فرفضت ذلك بشدة، فما كان منه إلا أن ترك أصدقاءه يغتصبونها بعد أن واقعها عنوة ورفض أن تترك المكان الذي اصطحبها إليه!

هنا تمت الجريمة وتوافرت أركانها وقدم المتهمون جميعا بتهمة "مواقعة أنثى بدون رضاها".. قد تتسرع وتنفعل ويتملكك الغضب.. ولكن ليس من حقك، فحتى محترفة البغاء على ما فيها من دناءة سلوك، إلا أن سلوكها المرذول لا يمكن أن يبرر وقوع هذه الجريمة الشيطانية في حقها!

كذلك طريقة زي المجنى عليها، لا تبرر هذه الفعلة النكراء "إلا لمن فى قلوبهم مرض".

في قضية فتاة المعادي الشهيرة (عام 94) التى ارتكبت وكانت حديث مصر كلها وأثارت ضجة هائلة مازالت أصداؤها حتى الآن، حاول المتهمون تبرير جريمتهم النكراء بأنهم وجدوها مع خطيبها في بقعة مظلمة بأحد شوارع حي المعادي وهما في وضع مثير داخل سيارة.

جاء هذا الادعاء عندما استشعر المتهمون خشونة حبل المشنقة حول رقابهم، فأرادوا تشويه صورة الفتاة ومحو تعاطف الرأى العام معها بعد أن أثارت القضية الجميع وصارت حدثاً وحديثاً في كل بيت ومقهى، فما اجتمع اثنان فأكثر أيامئذ، إلا وكانت القضية حديثهما.

ورغم تعدد الوقائع قبلها، إلا أنها كانت علامة فارقة في تاريخ الجرائم من تلك النوعية، فقد كان الكثيرات يتعرضن لمثل ما تعرضت له فتاة المعادى ولكنهن كن وبتشجيع من أهلهن، يكتمن ما حدث ويتلمس الأهل أى طريق غير الأقسام والنيابات والمحاكم، لا يؤدى إلى الفضيحة، فكل فتاة تعرضت للاغتصاب كانت مجنيا عليها من كل الناس بعد الجريمة، لأن الجميع كانوا يتهمونها بأنها تسببت بأى مبرر فيما حدث لها!

يا عالم اتقوا الله.. لكن كانت فتاة المعادى شجاعة فوق التصور كذلك كان أبوها - ذلك الرجل العظيم الذي لا يكاد يذكره أحد- اتخذ قراراً في الاستمرار في القضية قبل وبعد القبض على الجناة، فضرب مثلا في التحدى ليأخذ حق ابنته بالقانون ولا يخشى في الحق لومة لائم!

كذلك كانت تلك الفتاة المكلومة، على خطى أبيها فازداد إصرارها على المضى حتى آخر خطوة لتنتقم ممن اغتصبوها، حسب كل الشرائع السماوية والقوانين التى وضعها البشر على هديها، واستمسكت بحقها الذي عاد بحكم القضاء العادل.

أما ما زعمه الجناة الستة، فذهب أدراج الرياح بعد أن فنّدته النيابة العامة في مرافعة تاريخية لممثل الادعاء، قبل صدور أحكام بالإعدام والأشغال الشاقة والسجن ضد أولئك المجرمين، كل حسب دوره وفداحة فعله، فلم يجد ما ذكره المتهمون مما نصحهم به الخبثاء، أى صدى لدى المحكمة، فقضت بحكمها العادل الذي ختم القضية بما يشفى الصدور.. ويمكنك أن تراجع بنفسك لتعرف، فالقضية يسهل البحث عن وقائعها ومعرفة جوانبها المخزية بسهولة.

أما خطيب الفتاة فقد ضرب المثل الأعلى في الرجولة والشهامة وأًصر على إتمام الزواج.. فشرف عروسه لم يمس مادام ما تم كان اغتصاباً وهو أول شاهد على ما ذلك، بل وكاد يدفع حياته ثمنا عندما اعتدوا عليه بمطواة ولعل تمسكه بالحياة واضطراره للاستسلام بعد شل حركته، كان بدافع الحرص على ألا يقتلوا تلك الفتاة المسكينة إذا ما قتلوه.

وقد ثبت أن المتهمين كانوا في جلسة تعاطي مخدرات قبيل الجريمة ثم هاموا كشياطين الليل يبحثون عن أي أنثى لقضاء شهوتهم الشيطانية.

ولعلهم لم يتوقعوا القبض عليهم ولا حتى أن يبلغ الفتى أو أهل الفتاة عن تلك الجريمة خشية الفضيحة، لكن الأب وابنته وخطيبها مضوا دون خوف.

 ترى هل يقدر أحد ذلك الموقف الرائع من الثلاثة الذين لهم نصيب في كل حق أعيد إلى كل ضحية من ضحايا هذه الجريمة الشيطانية؟