الخميس 25 ابريل 2024

الحاج جوستاف لوبون

أخرى4-12-2020 | 12:33

في العشرينيات من القرن الماضي نفذ النور إلى سماء مصر من جدار سميك تكوّن فوق الرؤوس والعقول عبر 400 سنة من الاحتلال التركي الذي يعد من أسوأ أنواع الاحتلال، إذا اعتبرنا أن حتى الاحتلال فيه أنواع تتدرج من السيئ للسيئ جداً للأسوأ على الإطلاق، وهذا النوع الأخير ينتمي إليه الاحتلال التركي للبلاد المسلمة باسم رابطة الدين على مدى قرون.

 

في العشرينيات من القرن الماضي، عرفنا حركة نشر وتعريب لما توصل إليه الغرب من آداب وعلوم اجتماعية وفنون كمحاولة جادة وعاقلة، وإن كانت تأخرت كثيراً لمحاولة الاقتراب من الراكض الأول في سباق ركض يتسابق فيه نحو 100 متسابق ونحن فيه نمثل المتسابق رقم 100، في ترتيب جعلنا في مؤخرة الحضارة بمجافاة العقل والتفكير النقدي والاستسلام لتوسيع الغيبيات في حياتنا اليومية، فلم يعد نطاقها علاقة العبد بربه أو المعاملات التي تطلب أساساً شرعياً لإتمامها، بل أراد الحاكم في إسطنبول جعل الغيبيات أسلوب حياة، حتى تتوسع سلطاته فتصبح مطلقة ومقدسة مستمدة من الدين الذي يحميه كخليفة للمسلمين يريد أن يكون كالدين مطلقاً ومقدساً.

 

 كل هذا جرى والعالم يركض من حولنا.. يجري بأعلى منا ندرك ويتعلم بأكبر مما نتخيل ويكتشف بأبعد مما يحتمل تحصيلنا من المعارف، كل هذا والعالم يضحك على حالنا ويسخر من تخلفنا ويسيطر على مقدراتنا بتقدمه في الأسلحة والقدرات العسكرية، بينما نحن نغط في تخلف عميق أوصلنا إليه من جعلوا تغييب عقول الناس الوسيلة الوحيدة لفرض حكم أمة من الأمم تسكن هضبة الأناضول على بقية الأمم حولها حكماً تسلطياً يسرق الخيرات ويحلب الشعوب كالبقر، وارجعوا إلى التاريخ وكيف كانت تساق خيرات مصر والشام وغيرها من البلاد المسلمة إلى إسطنبول كل عام بينما يدبر أهل البلاد أنفسهم بالفتات التي تتبقى لهم، وكل ذلك باسم الإسلام الذي شوهته طغمة بني عثمان إيما تشويه.

 

تحدثت قبل ذلك عن قيام أحمد فتحي زغلول باشا بترجمة كتاب چوستاف لوبون "سر تطور الأمم" سنة 1913، وكيف أمر سعد باشا زغلول بإعادة  طبع الكتاب سنة 1921، بعد طبع كتاب "روح الجماعة" للمؤلف نفسه.. إذن كانت المحاولات التنويرية المصرية قائمة على أساس وهو الاحتفاء بما توصلت إليه العقول في العالم كله بمبدأ "من هنا نبدأ".. من هنا نطور أفكارنا وأساليبنا ونتعرف على ما يراه الراكض رقم واحد بينما نحن في ذيل السباق يفصل بيننا وبينه فراسخ وأميال!.. ومن هنا كانت المحاولات الدائبة لفهم خلاصة أسس الحضارة دون إغفال لثقافتنا وأسس القيم التي تميزنا وترتبط بأصلنا وتاريخنا.

 

لكن شيئاً مهمًا بعد ذلك كان لابد أن يحدث وهو أن نخرج من قراءة ما كتبه علماء الاجتماع الكبار ومن بحثوا في فكرة الحضارة بمفهومنا نحن الذي يستطيع الحياة في بيئتنا.. البذرة التي إذا ما غرسناها في أرضنا أنبتت وأينع نباتها حتى نجني الثمار، وهذا البذرة لم تكن لنقدمها لمجتمعنا باسم چوستاف لوبون، ولكن كنا بحاجة ولا نزال إلى "الحاج چوستاف لوبون"، النسخة المصرية العربية المسلمة من لوبون وأفكاره التي نستطيع من خلالها الوصول إلى أهداف أفكار لوبون نفسها وغيره التقدمية دون الدخول في مواجهة عبثية مع نظرية المؤامرة داخل عقول عاشت قروناً تفترض أن كل ما يأتي من أوروبا عدوان على ثقافتنا وأن كل فكر نشأ هناك مؤامرة على الإسلام، لذلك فالبحث واجب عن الحاج چوستاف لوبون.. مصري الجنسية عربي الهوية مسلم الديانة، لا يشكك أحد في دينه أو ينكر أحد عليه ثقافته أو ينتهي به الأمر بالاغتيال، عقاباً على أفكاره على يد شاب لم يقرأ له يوماً.. لأنه لا يجيد القراءة والكتابة من الأساس، فلنبحث جميعاً في مجتمعنا عن الحاج چوستاف لوبون عجّل الله ظهوره وأيده بنصره على أمل السير في طريق التقدم والحضارة.

    Dr.Randa
    Dr.Radwa