الجمعة 19 ابريل 2024

جاهدوا الإرهاب والفساد بالتحدي والأمل والعمل

أخرى19-11-2020 | 21:49


منذ فترة وأنا أنتوي الكتابة عن الوطن وآلامه، وآلامي لآلامه، وقضيت الساعات الطوال مفكرا ومتألما، تفكرت في حوادث الفساد وإصرار البعض على جني مكاسب حرام، من جسد الوطن الجريح! 


الأزمات التي نسجها أعداؤنا لنا بليل، لإيقاعنا فيها، وأبطالنا من الجيش في سيناء وبسالتهم وانتصاراتهم وتضحياتهم، والخوف الذي أراه في وجوه المصريين على وطنهم ومستقبل أولادهم، وهؤلاء الذين وظفوا منابرهم لتيئيس الناس، وتصوير حاضر مصر، ومستقبلها على أنه أسودٌ كالليل البهيم الذي لا صبح له!

وأيضا جماعة الإخوان الإرهابية (مشروع الخيانة والعمالة من عام 1928)، التي باتت صديقة للأعداء، ومعادية للمحروسة بحقد لم تشهدالإنسانية مثله. 


وتذكرت موقفا في غاية العجب لرجل عجوز من العباسية، يُدعى "عم سيد" ، وكان يأتي دوما إلى مسجد النور وقت أن كنت إماما له، ليأخذ إعانة بسيطة تعينه على متطلبات علاجه وحياته. 


أتاني عم سيد في شتاء عام 2015، في مكتبي بديوان عام وزارة الأوقاف، يلتحف ببطانية قديمة تحميه من البرد على جلابيته الصيفية، يسألني عن مدى احتمالية الإعانة التي كان يتقاضاها شهريا من مسجد النور! 


قمت إليه مقبّلا رأسه، ويدي تحتال لتضع بعض المال في جيبه، فإذا بي أرى صورة الرئيس السيسي وقد علقها على صدره تحت البطانية!  


وقال لي: "يا ولدي أنا لا أريد منك أنت شيئا، وأنا هصبر لحد البلد ما تقف على رجليها الخير جاي.. والله يا بني بإذن الله الخير جاااااي". 


حبست دموعي متأثرا بحاله وكلامه، وسألته مازحا لماذا تضع صورة الرئيس على صدرك يا عّم سيد؟ قال لي: "الريس يا بني وضع روحه على كفّه، علشان مصيرنا ميكونش زي سوريا وليبيا.


انصرف عّم سيد، وبقيت دموعي تنهمر، متأثرا بموقف عجوز، يحمل عبق وتاريخ أخلاق المصريين، وقت الأزمات عبر العصور، وكم شعرت بصغري في وطنيتي، أمام عم سيد العظيم.. لقد أعطاني درسا دون قصد، لن أنساه أبدا! 


وجلست أقارن بين ثلاثة نماذج  من المصريين، مصري تشبع من خيرات مصر بحق، وبغير حق، وأصبح يعيش في أرقى الأحياء، بعدما كان صعلوكا، لا وزن له، يبشر بالخراب المستعجل، وينشر ثقافة اليأس والتشاؤم والخوف والفوضى!

 

ومصري خان وطنه باسم الله ورسوله، وطاف على كل أسواق النخاسة والعمالة والاستعمار، ليبيع بلده بثمن بخس دولارات معدودة! أو خان وطنه بفساده، مدعيا وطنية كذوبة! 


وبين عم سيد وأمثاله، ربما لا يجدون دواءهم واحتياجاتهم، يقاومون الأزمات بالتحدي والأمل (يابني الخير جااااااي بإذن الله).


فارق كبير! 


الأنموذجان الأول والثاني، يحملان القيم الزائفة، أثناء الحديث عن الوطنية وإصلاح البلد، لأن إصلاح البلد لا يمكن أن يكون بنشر الإحباط مع سبق الإصرار، ولم أعلم وطنا بُني بالإحباط عبر التاريخ، بالعكس! 


وكذلك كيف يتحدث الإخوان عن الوطنية، وهم قد خانوا بلادهم وتحالفوا مع شياطين الأرض لإسقاطها! إن الأوطان تُبني بالولاء والانتماء والأمل والعمل والإخلاص، وكيف يتحدث الفاسدون عن الوطنية وقد نخروا جسد هذا الوطن فساداً وإفساداً؟! 


وتزامنا مع نمو مصر اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، في هذا العصر الحرج، وسط أمواج عالية من التحديات، من المناسب تذكر المسلمين الأوائل، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم، وهم يعيشون أزمة حصار المدينة في غزوة الخندق.


لماذا قدر الله تعالى على المسلمين الأوائل، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم، هذه الشدائد وهم يبنون مجتمعهم؟ ولم يُريدوا لأنفسهم وللناس إلا الحياة الصالحة، لم يُريدوا الموت لأحدٍ، ولم يُريدوا أن يُقيموا دولتهم أو وطنهم على أنقاض أوطان غيرهم، لماذا قدر الله على الصحابة رضوان الله عليهم، مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يعيشوا مشهد الأحزاب؟ الذي صَوَّره القرآن الكريم بقول الله تعالى: (إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِالظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا)، [الأحزاب/10، 11].


لقد حَاصَر أجلافُ العرب والعجم المسلمين مراتٍ عديدة، حتى خَشِيّ الناسُ أن يذهبوا لقضاء حاجتهم ويتركوا وطنهم وأعراضهم وأموالهم دون حماية!


الإجابةُ عن هذا السؤال المهم، تأتي ضمن ما ذكرهُ القرآن الكريم في كثيرٍ من الآيات، مظهراً مقصودَ هذه المواقف التي يُحاصَرُ بها الأوطان أحياناً!!


قال تعالى: (لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ... ) [الأنفال/37].

وقال تعالى: ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَآَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ )[البقرة/214].


إن شعور الإنسان بالألم لقرحٍ يصيبه في جسده أو في أولاده (هذا طبيعي) وقد يشغله عن قضايا أمته الهم في السعي على الرزق، أو في مشاكله الخاصة.


فلا بد من هذه الابتلاءات حتى يتحول الإنسان من حالة الشعور بألمه الخاص بنفسه وأولاده، إلى الشعور بآلام أمته وقضاياها وتحدياتها، وعندئذ يشعر أن مشكلاته الخاصة هينة وبسيطة وقضاؤها يسير، وكأن حسه ينتقل من جسده إلى حدود وطنه! 


فيفرح ويحزن ويضحي لأجله حتى يأتي النصر، وعلى كل المستويات العسكرية والاجتماعية والسياسية.

 

هذا الشعور عاشه الصحا،بة وهم حول نبيهم، يحفرون الخندق والحجارة على بطونهم جوعى، يتحدون الأحزاب بالعلم والعمل والتدبير والتخطيط، (وهذا ما سميته بجهاد التحدي واخترته عنواناً لهذا المقال). 


وعندما جاء سيدنا جابر بن عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بقليل من الطعام ليطعمه دون بقية الناس! نادى رسول الله على أهل الخندق جميعا، وعددهم ثلاثة آلاف فرد، وأكل الجميع وشبعوا بالقليل!! يقسم جابر أن ثلاثة آلاف أكلوا وشبعوا، ولا زالت القسعة تغط بالطعام!! 


وعندما اعترضتهم صخرة عظيمة وعجزوا عنها ، شكوا لرسول الله، الذي ضربها بالمعول ثلاثاً وهو يقول: "الله أكبر كنوز كسري، الله أكبر كنوز قيصر، (يبشر الناس بالنصر وهم يُزلزلون زلزالاً شديدا).

وبالطبع انفك عن المسلمين أناس كثر ، بمنطق وفلسفة أهل التبشير بالخراب في عصرنا (الواقع أسود والمستقبل أسود)!


قال تعالي: (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (12) وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا ۚ وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ ۖ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا (13) وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُواالْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا (14) وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ ۚ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا) (15) الأحزاب.


ومن مقاصد هذه الابتلاءات بالطبع أن ينفك هذا الأنموذج عن القافلة، لأنهم كما ذكر القرآن (لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا). (خبالاً يعني  شرّا و فسادا، أو عجزا وجُبنا).


وَمِمَّا يدل على أن الله أراد بمصر خيراً في ظل هذه المؤامرات المخزية، انفكاك الخونة والعملاء عنها في هذا الوقت العصيب والمنعطف الخطير، وبالتالي أنموذج "عم سيد" من المصريين أغنياء أم فقراء، شباب أم شيوخ، رجال أم نساء، هو من يمثل القيم الفاضلة الأصيلة التي تُبني الأوطان بها، إنهم يتمثلون تعاليم القرآن وقت الأزمات. 


(فلنجاهد المؤامرات على بلدنا بالتحدى والتماسك والالتفاف حول رئيسنا وجيشنا كجسد واحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر، ولنجاهد الفقر بالصبر والعمل والإيمان، ولنجاهد الحرب على الوطن بالتضحية بالجهد والمال والنفس ولنجاهد اليأس بالأمل). 


ولا بد أن يسأل كلٌ منا نفسه سؤالاً، لقد قدم خير جنود الأرض أرواحهم تضحية في سبيل الله لإنقاذ مصر ، فماذا قدمت أنا؟!

 

عسانا أن نتحرك جميعاً، تضحية كلٌ منا بما يستطيع حتى ولو بالدعاء والانتماء.  


وأخيراً أقول لك أيها المصري: لا تخش على مصر من الضياع!!

لأن مصر ذكرها الله تعالى في القرآن الكريم خمس مرات تصريحا، وأكثر من ثلاثين مرة تلميحا.


أتعرف ماذا يعني هذا؟

 

هذا يعني أن الله خلق هذا البلد ليعيش إلى يوم القيامة، فلا يمكن أن يأتي اليوم الذي يقرأ الناس القرآن، ومصر في خبر كان!!! ، وإلا سيكون هذا تكذيب للقرآن. 


فما ذكره الله في القرآن من أوطان سيتبقى مادام القرآن باقٍ، إنها مصر الحضارة والتاريخ والتحدي، إنها فلتةٌ جغرافية وتاريخية، كما ذكر المرحوم جمال حمدان، إنها البلد الوحيد القادر على الانتصار وهو ضعيف، وعندما يقوى يسود العالم،

فلننتفض من الآن بجهاد التحدي والأمل والعمل.                                                              

ولا بد أن نوقن بحقيقة أن الله معنا ضد الإرهاب وضد الخونة حتى ولو شتمونا باسم الله ورسوله! 


تحيا مصر