السبت 20 ابريل 2024

حديث النفس.. تجاوز المنتصف!

مقالات19-5-2022 | 13:28

الدنيا سكون وركود.. ولكنى أشتاق للضجيج.. لعناق قلبى لحب جديد.. للتعلق بالقمر والنجوم.. لم تعد لى أحلام يقظة.. كم أصبح السهر يؤرقنى.. فالليل دائما طويل والنهار ممل رتيب.. أعيش بعقل خال من الشرور.. وقلب طائر رقيق يفرح سريعا ويغلبه الحزن أسرع.. تؤثرنى الكلمة والنظرة العابرة النادرة.. أصبحت أحب نفسى أكثر.. أتمسك بأشيائى القليلة البسيطة.. ودعت صراع عنفوان الشباب لكنى فى صراع مختلف.. أصارع لأبقى على قيد الحياة.. مازلت لم أتصالح مع فكرة الموت بعد.. عقلى مليء بالأفكار لكننى تخليت عن الدهشة.. ودعت الكثير من البدايات والنهايات.. لكنى طامعة فى استمرار حلاوة الحياة لأسرار لا نهاية لها.. مازالت أحلامى داخلى.. أحملها بين قلبى وأضلعى لم تبلغ مرامها.. فلم أبلغ الغاية من الحياة رغم أنى فى العد التنازلى.. داهمنى الوقت ولم يتبق الكثير.

تجاوزت منتصف عمرى وأصبحت فى المنتصف المميت الذى تتساوى عنده أشياء كثيرة.. لا يهم معها سوى أن أنجو من بؤس ما سببه لى تعلقى بأشخاص وأشياء.. أصبحت لا ألقى بالا بما هو آت.. توقعاتى دائما أقل من طموحاتى.. تشتد رغبتى فى السلامة من إحباطات لم أعد أتحملها.. أبعد عن الضجيج وأمقت المجاملات والابتسامات الزائفة.. هاربة إلى سكونى ونفسى حتى ولو كانت فى رتابة حياة هادئة بعدما عدت من الشباب مهدر القوى.. لم أعد أهتم بالماضى أو مستقبل قد لا أبلغه فقد يأتى وأنا غير موجود.. فتعلقت بلحظاتى وزهدت فيما فشلت فى الوصول إليه، فقد بددت طاقاتى وأهدرتها فى معارك زائفة، فأصبحت أواجه حياتى بعجز مفرط.. فأنا الآن فى منتصف المكان والزمان.. منتصف كل الأشياء.. لا عاشقا ولا كارها.. ذهب نصف حياتى وربما ما تبقى لى مجرد هامش حياة.

وأتعجب كم كنا قادرين على المقاومة والتجاوز والاستمرار فى بدايات حياتنا، وبمرور الوقت نجد أنفنسا كبرنا وهرمنا وأكلنا الدهر وأصبنا بالتعب والضعف.. كم خدعنا فى معارك زائفة لنا ولغيرنا فى سباق مع الزمن؟.. ليصبح الزمن مجرد ثوان معدودة تتسرب من بين أيدينا.. فقد ضاع الوقت ولم نعد نمتلك الكثير.
سيطر الخوف علينا فى رحلة حياتنا وجعلنا دائمى البحث عمن يحتوينا ونسكن إليه مختبئين من مصارع الحياة.. يطاردنا الخوف من كل شيء.. حتى أننا قد نخيف بعضنا ونستقوى على بعضنا البعض.. وقد نقدر من سكنا إليه وقد ننكره.. ونهرع لغيره متى غاب عنا.. فنطارد الخوف وأنفسنا وغيرنا باحثين عن الأمان.
ترهقك الرحلة وتأخذ منك عمرك ومن كثرة الركض واللهاث تستيقظ على مفاجأة أنه لم يعد يتبق لك الكثير.. فتتوقف تتأمل لتحاسب نفسك على ما مضى من عمرك وقد تشعر بالشفقة عليها، فلم تعد الجلاد الذى يلهبها بسوطه.. فى لحظة تستوى معها الدوافع القسرية والطوعية لأنك أصبحت لا تريد سوى الهدوء بعدما سيطر عليك الحاضر بقسوته، وأصبحت بالفعل فى المنتصف الذى معه تدفع فاتورة قراراتك.. فى وقت يشعر القليل منا بالرضا عن تجربته.. وآخر بأنه كان ضحية وثالث يسلم بالأمر الواقع فقد وصل لنقطة تعادلية فلم يعد يستمتع بالجديد والنهم من متع الحياة، على الرغم من تعرض البعض لأزمات تدفعه لمعاندة الزمن وتجاعيده الداخلية والخارجية.. لكن سيظل الخوف هو الدافع الرئيسى الذى يحركنا ونحمل صندوقه داخلنا منذ الولادة وحتى نهاية العمر مهما أظهرنا من الشجاعة وعدم المبالاة التى نتسلح بها حتى لا يطمع من فى نفسه مرض.. فنحمل داخلنا دائما أفكارا للخوف تختلف درجاتها من شخص لآخر.. نتعايش معها ونحاول ترويضها أو نتناساها لكنها موجودة داخلنا تحركنا فى مسارات الحياة محاولين أن نهدأ ونتزن.. نخاف من المرض فنسعى لنكون أصحاء.. من الفقر فيجذبنا طريق المال.. من الوحدة فتفترسنا قصص الحب ويبتزنا الآخرون فى علاقات الصداقة والحب والزواج.. قد تكون مشوهة وسامة أو حتى جيدة يداهمها ألم الفراق والفشل لتنتهى أيضا.. ونخاف من فكرة الرفض أو الاستخفاف من الآخرين فنقحم أنفسنا وسط أناس يبتزوننا فتضيع هويتنا وذواتنا، فهم لا يعبئوا سوى بنزيف العطاء شرطا لاستمرار العلاقة، وإذا ما أردت الاستراحة لالتقاط الأنفاس وإعادة التواصل تخرج بلا عودة، ولا يلتفت أحد لخروجك وكأنك كنت عابر سبيل ولسان حالهم غبت وحل غيرك محلك مهما كانت درجات الإيثار والتفانى والتضحية حتى لو توقفت لأسباب خارجة عنك، وفى الغالب تكون رغما عنك بعدما عجزت قدراتك عن مواجهة التملقات والمجاملات الزائفة.. الكل فيها يأخذ ويأخذ حتى آخر نفس من الطرف الآخر.
ومتى صرخت من التعب وأردت أن تحيا حياة حقيقية مع نفسك ومع الآخرين واهما أنك حفرت مكانة فى وسطهم تجد نفسك مطرودا من رحمة علاقاتهم، رغم ما منحت من الألقاب الحميمة.. فالنسيان عنوان معظم العلاقات غير المتزنة المشروطة بالتضحيات المتواصلة.. لكن المؤلم أن مثل هذه الحقائق لا تأتى إليك إلا بعدما تقضى أكثر من نصف عمرك فى تقديم تنازلات وتفان من أجل غيرك باحثا عن صور تليق بذاتك فى عيون الآخرين تدفع ثمنها مقدمًا ومؤخرًا.
 فتلجأ للوحدة والعزلة كثيرا فتطحنك الأفكار وفوضى المشاعر من تلك الأمارة بالسوء ولسان حالك حررينى وارفعى قيودك عنى واتركينى أرحل وأكمل طريقى.. كفاك بكاء على عمر مهدور وسنوات ضاعت فى الأماكن الخطأ مع أناس خطأ.. أعدك أنى سأسير فيما تبقى من عمرى على أطراف أصابعى وتعديننى ألا توقظى جروحى القديمة.. أعلم أنى الآن وحدى.. لكن ما الغريب فأنا دائما وحدى.. أحزن وحدى.. أثرثر وحدى وسأموت وحدى.. فقد تعلمت الكتمان وعدم البوح.. وكفى بنفسى عليلا وطبيبا لجروحى.
وقفت فى وسط الطريق بعدما أفقت من وهم كيانى المتضخم الذى صوره غرورى وقضيت عمر زائف بامتنان خادع.. أتأمل ذلك الضجيج الذى أصابنى بالانهيار متأرجحا بين ألفة زائفة وحنين خادع محاولا التخلص من قيود سلاسل العطاء والاحتياج الدائم إلى من قيدونا فى مداراتهم المشروطة.. من أشخاص وأشياء انتزعوا منا ذواتنا وفرقوها على أنفسهم.. فننسحب داخلنا.. نغيب فى وحدة نشعر معها أننا أحرار.. فى عزلة لا تخلو من الحزن القليل، لكننا لن نغالط أنفسنا فى هذه الخلوة.. فقد يأخذك الحنين العبثى منتظرا أن يشعر أحد بغيابك ويبحث عنك.. غبت عن أناس كثيرة لكن لم تغب عمن أحبوك وأخلصوا لك حتما سيبحثون عنك.. فلا تقع فى فخ الحنين الزائف الذى يعذبك وحدك.. فتزداد عزلتك وتعود لماض لن يعود.. ستصف نفسك بالحماقة لكنك ستتعلم كيف تعالج نفسك.. وتتعلم أن تتوقف عن العتاب والتحسر والندم على أمور كنت تجهلها لو علمتها تتصور أنك لن تفعلها!!.. يا عزيزى أؤكد لك أنك كنت ستسير فى نفس الطريق لأن المخبئ لم يكن قد ظهر لك.. فدقائق الأشياء لا تصل إلينا إلا بعد أن نخوض المعارك، وكلما كان الثمن باهظا والدرس قاسيا كلما تقومت نفوسنا.. وعلى الرغم أن عصا التهذيب والتأديب والإصلاح تأتى إلينا من الآخر لكننا من نلتقطها ونضرب بها أنفسنا.. قد تكون سوطا أو خنجرًا.. هون على نفسك لست المذنب الوحيد فى هذا الأمر.. كلنا هكذا نُلَقن ونُلِِقن لنفق من غدر الصحاب والأحباب وإغماءات الحياة.
والآن عليك أن تكمل حياتك فى طرق فرضت عليك حاملا تراكمات وإحباطات عمر مضى.. تنفض وتحتفظ منها ما شئت فى رحلة لا تخلو من خيبات وغدر جديد.. تلعب فيها لعبة الفك والتركيب بين نذالة جديدة وأخرى مشابهة فى بقايا حكايات وقصص.. نفصل ونجود خبراتنا.. منا من يتأثر ويحاول أن يصبح نذلا جديدا، وآخر مهما لاقى من سوء لم يستطع أن يصبح مثل من أساءوا إليه.. يعيش معذبا، لكن لا يعرف كيف يكون مثل خصومه.. فنتحول لأناس جدد، نحاول التشرس ليهابنا الآخرون أو نمثل دور الضحية لنرضى غرور الظلمة فيرحلوا عنا.
فى رحلة التكيف فى وسط الطريق التى أصبحت فيها تكتم حسرتك وتقاوم الشعور بالضياع.. قد تحاول أن تثأر لذاتك وتكون أول خطواتك أن تحيا بذات حقيقية.. فتحتاج أن تبعث من جديد.. ولا أنكر شعورك بالمشقة وربما الاختناق، لكن لا عليك واصل الجهاد فقد قاربت على النجاة بعدما صارعت الموت.. فتبدأ ضربات قلبك فى الهدوء وأنفاسك فى الانتظام بعدما قررت البقاء وأطلقت صرخة الحياة بالحقيقة.. الآن تهدأ بعدما أنهكت قواك فى مشاعر اليأس.. وأصبحت تبحث عن ذاتك الجديدة.. لكن احذر أن تحصل عليها فى عيون الآخرين فتنخدع من جديد.. توخ الحذر فالطبع يغلب التطبع.. أعلم انه لا مفر من حب جديد أو حضن جديد لتستمر فيما تبقى من عمرك، لكن الآن أصبح عقلك دليلك ومرشدك.. ولسان حالك مازلت أطمح فى روح الحياة.. لم أبلغ غايتى منها بعد.. ترى هل ما تبقى لنا سيمنحنا فرصة اللقاء معها لنحتضنها قبل موتنا فبعدما تجاوزت المنتصف لم يعد أحد يشبهنى ولم يعد مكانى يليق بى وأصبح إحساسى مرهف وازداد إيمانى بوقتية الأشياء فى حياتنا الزائلة!!.. معذرة من يجد القسوة فى كلماتى لا يتعجل بالحكم.. فليتأمل حياته الآن فقد يغير خط حياته.