الجمعة 19 ابريل 2024

إشكالية اللغة والفكر

مقالات17-5-2022 | 11:37

ينفرد الإنسان بميزة التفكير عن باقي الكائنات الأخرى وهو ما يؤهله للتواصل مع الآخر اجتماعياً للتعبير وتبادل الأفكار وهذا ما يُعرف في الفلسفة باللغة.

وهنا تأتي إشكالية الفلاسفة ومريديهم؛ فهناك فريق يرى انفصال علاقة اللغة بالفكر والفريق الآخر يؤكد أنها علاقة اتصال، وبين شد وجذب أحب أن أعرض الأطروحتين ولكم الحكم.

يرى أنصار هذا الاتجاه انفصال اللغة عن الفكر؛ أي أنه لا يوجد توازن بين ما يملكه الإنسان من أفكار وتصورات وما يملكه من ألفاظ وكلمات؛ فالفكر أوسع من اللغة، وأول من روج لهذا الفكر هو"أبو حيان التوحيدي" الذي قال: (ليس في قوة اللغة أن تملك المعاني)، ويبرر التوحيدي موقفه بحجة واقعية؛ وهي أن الإنسان في الكثير من المرات تجول بخاطره أفكار يعجز لسانه عن التعبير عنها! وهو ما نراه في مشهدية الدموع كتعبير شعوري عند البعض كرد فعل لخبر مفرح أو صدمة محزنة بينما يتوقف اللسان عن التعبير.

لا يختلف الأمر عن تحليل انفصال اللغة عن الفكر في أطروحة المفكر الفرنسي "بركسون"؛ الذي قال: (الفكر ذاتي وفردي واللغة موضوعية واجتماعية)؛ وبهذه المقارنة تتأكد عند هذا الفريق أن اللغة تعجز عن التعبير عن الفكر وهذا يثبت الانفصال بينهما؛ ومن هذا نستنبط وصف اللغة بالعجز وبأنها تعيق الفكر لكن لا نغفل مساهمتها على مدى العصور في الحفاظ على التواصل.

ونأتي للفريق الثاني والذي يؤكد اتصال اللغة بالفكر؛ من خلال الربط بين ما نملكه من أفكار وما نملكه من ألفاظ وعبارات؛ حيث أثبتت نظرياتهم قوة العلاقة بين النمو الفكري والنمو اللغوي؛ وأن أي عطب يصيب أحداهما ينعكس سلباً على الأخر ومن أنصار هذا الرأي "هاملتون" الذي قال: (الألفاظ حصون المعاني)؛ وقصد بذلك إن المعاني سريعة الظهور وسريعة الزوال وهي تشبه في ذلك شرارات النار ولا يمكن الإمساك بالمعاني إلا بواسطة اللغة.

لذا نجد هنا أن تلك النظرية ربطت بين اللغة والفكر بشكل واقعي ،يدعم هذا وجود  أنماط من الناس تعاني بضحالة  المساواة بين قدرتهم على التفكير وقدرتهم على التعبير.
المشكلات الفلسفية الكلاسيكية والتي احتار فيها علماء اللسانيات؛ وكانت محصلة اجتهاداتهم  أن هناك ارتباط وثيق بين اللغة والفكر؛ وهو ما لمسوه في تخلف اللغة بالتوازي مع الفكر في عصر الانحطاط في الأدب العربي، عكس عصر النهضة والإبداع،والذي شهد تقدماً لغوياً وفكرياً ).
اللغة ظاهرة إنسانية تفصل بين الإنسان والحيوان ولا يمكن أن نتحدث عن اللغة إلا إذا تحدثنا عن الفكر؛ وهو ماذكره الفيلسوف "دولا كروا" حين أكد أننا  لانفكر بصورة حسنة أو سيئة إلا لأن لغتنا مصنوعة صناعة حسنة أو سيئة.. لذا بالأدلة والبراهين والقناعة الشخصية نستنتج أن  اللغة والفكر علاقة تفاعل وتكامل؛ علاقة ارتباط يدعم كل عنصر منهما الآخر؛ إما أن يرتقي به أو يتسبب في سقوطه ودونيته ؛ فارتقوا بألفاظكم ومصطلحاتكم وعباراتكم يرتقي فكركم.