الثلاثاء 23 ابريل 2024

يحيى حقي المولود بجوار «أم هاشم»

مقالات21-1-2022 | 13:52

"قنديل أم هاشم" هو عنوان قصة شاب درس الطب في أوروبا، وعاد إلى وطنه وبين جنبيه شعلة تجديد لحياته وبيئته، وما لبث أن اصطدم بجو المحافظة والتقاليد، بما فيه من رواسب ثِقال، فلم يكن له بد من المواءمة بين القديم الموروث، وروح التطور الجديد في تواضع ومُلاينة.

إن هذه القصة الطريفة الحية بنماذجها الإنسانية، وأحداثها المحلية، لَتمثل أدق تمثيل حياة الأستاذ يحيى حقي وفنه، فهو كلما دفع به تيار التطور والتجديد إلى معالجة جريئة، أو إلى موضوعات ثائرة، أو إلى تعبير متحرر، ألقى نفسه أمام قنديل أم هاشم".. هكذا تحدث الأديب محمود تيمور عن يحيى حقي، المولود بجوار أم هاشم.

وُلِد يحيى حقي في حارة الميضة المجاورة لمسجد السيدة زينب في 7 يناير عام 1905، وتُوفِيَ في 9 ديسمبر عام 1992، بعدما أصر على الخروج من إحدى المستشفيات التي تقرر علاجه فيها على نفقة الدولة، عقب الزلزال الشهير الذي ضرب مصر في نفس العام، حيث أكد وقتها للمحيطين به، أن السرير الذي يشغله أولى به أحد المصابين في الزلزال، فلم يعش الأديب الكبير يحيى حقي حياته إلا زاهدًا يعطي في صمت دون انتظار أي مقابل أيًا كان، عاش حياة ثرية بأحداثها وشخوصها داخل مصر وخارجها، فأثرى حياتنا برصيد فكري وأدبي وفني كبير، تتجدد روحه لتواكب حياة الناس جيلًا بعد جيل.

تخرج "قنديل" أم هاشم من معهد الحقوق بالقاهرة عام 1925، وعمل محاميًا قبل أن ينضم لسلك النيابة في وظيفة معاون في منفلوط بصعيد مصر، ثم انتقل بمناسبة عمله هذا إلى عدة مناطق في ريف مصر، فكان أن تجلت أعماله الأدبية المستوحاة من معايشة هذه المناطق، ومنها "خليها على الله" و"البوسطجي" و"دماء وطين" و"أم العواجز".. بعد ذلك التحق يحيى حقي بوزارة الخارجية عام 1929، وظل بها حتى عام 1954، حين تم نقله بعد زواجه من الفنانة التشكيلية الفرنسية "جان"، والتي تزوجها بعد وفاة زوجته الأولى المصرية، أُم ابنته الوحيدة الأديبة نُهى حقي، وكان وقتها يشغل منصب الوزير المفوض لمصر في ليبيا.

بعد ربع قرن من العمل في السلك الدبلوماسي بجدة وروما وباريس وأنقرة، وهو ما زاد من رصيد خبراته وساهم في تنوع ثقافته، استقر يحيى حقي في مصر بعد نقله من وزارة الخارجية إلى وزارة الإرشاد القومي عام 1954، حيث كلفه وزيرها وقتها، المثقف الوطني البارز فتحي رضوان، وكان من العالمين بقدر يحيى حقي، كلفه بتأسيس مصلحة الفنون، النواة الأولى لوزارة الثقافة، وفيها وضع يحيى حقي أساسًا لنهضة ثقافية واسعة في المسرح والسينما والموسيقى والفنون الشعبية، وهو ما أثمر في الستينيات من القرن الماضي، أجيالًا من الفنانين في مختلف المجالات، كان لها فضل تجديد الحركة الفنية والثقافية في مصر والوطن العربي.

حصل يحيى حقي على جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 1969، ومنحته فرنسا وسام الفارس من الطبقة الأولى عام 1983، كما منحته جامعة المنيا الدكتوراه الفخرية سنة 1983، وحاز أيضًا جائزة الملك فيصل العالمية في الأدب العربي عام 1990، والحقيقة أن اختياره شخصية معرض القاهرة الدولي للكتاب المُقبل صادف أهله، عسى أن يكون مدخلًا متجددًا لإحياء سيرة الرجل وإبداعه المتنوع الثري الكبير، الزاهد يحيى حقي قلما يأتي ذكره على خواطر المتحدثين عن كبار الأدب العربي، وهو لا يقل في كل الأحوال عن أيٍ منهما على إطلاق الأسماء، وليكن انحيازًا من جانبنا نحن أبناء حي السيدة زينب، فالرجل له داخلنا الكثير

Dr.Randa
Dr.Radwa