الخميس 25 ابريل 2024

لعنة النساء!

مقالات18-1-2022 | 13:19

المدهش أن الفلسفة اليونانية بكل شموخها ورسوخها وتأسيسها للعقل والفكر والمعرفة لم تري في المرأة سوي أنها دنس ورجس من عمل الشيطان! فنجد عمالقة التفلسف اليوناني يسفهون منها ويعتبرونها متاعًا ووعاء للتلقي وفقط، فها هو سقراط يقول قولته المشهورة" المرأة مصدر كل شر"، ويسخر من الزواج في مقولة أخري" بكل الأحوال تزوج، لو حصلت علي زوجة جيدة ستكون سعيدًا، ولو حصلت علي زوجة سيئة ستكون فيلسوفًا"، أما أفلاطون فرغم مثالية فلسفته وسموها إلا أنه كان يعتقد أن الأنفس الشريرة ما هي إلا نتيجة تزاوج بين نفس الأنثى( الأكثر شرًا) وبين الرجال غير العقلاء، وحتي عندما نادي بالمساواة بين الجنسين في جمهوريته الفاضلة كان مؤمنًا وداعيًا أن تكون المرأة مشاعًا للجميع داخل دولته السامية! فلا حاجة للأسرة، أما الأبناء فهم أبناء للجميع.

بينما المعلم الأول العظيم أرسطو لم يختلف رأيه كثيرًا عن سابقيه، ففي تقسيمه للكائنات وضع الرجل في مرتبة سامقة بينما تقبع المرأة بجانب العبيد في فلسفة أرسطو الدنيا، في حين كان الفيلسوف ديمقراطيس يري المرأة معطلة للتفلسف وللفلسفة، لذلك لم يتزوج كثير من الفلاسفة الإغريق من أمثال أفلاطون وديمقراطيس.

إن المرء ليتعجب كيف لفلسفة عميقة ومؤسسة للفكر الإنساني بأكمله أن تكون نظرتها للمرأة بكل تلك الدونية والكراهية، نعم كراهية بكل ما تحمله الكلمة من معان، فالمرأة الأثينية لم يكن يحق لها الخروج نهائيًا من منزل الزوجية تحت أي ظرف، واعتبروها ملكية خاصة للرجل مثلها مثل العبيد، يفعل الرجال بها ما يشاؤون وقتما يريدون، لم يكن لها أهلية التصرف ولا أخذ أية قرارات، كانوا يرونها لا تصلح إلا لخدمة المنازل وتربية الأطفال والتسرية عن الرجال، حتي أن القانون اليوناني حرم المرأة من أن ترث!

وبينما نغوص أكثر وأكثر داخل الحياة اليونانية القديمة يمكننا تلمس طرف الخيط الذي جعلهم يموضوعون النساء في الدرك الأسفل من الحياة، يتضح لنا أن تلك النظرة مستمدة من الميثولوجيا الإغريقية، الأساطير التي تناقلها الجميع فتوارثتها العقول دونما فحص أو تمحيص، ولم الفحص وهذه الأساطير ذاتها كانت قد تحولت لما يشبه الدين وما أدراك ما هو الدين؛ الذي لا يسمح لأحد بالتفكير في معتقداته بل كل ما يأمرنا به هو الإيمان دونما تساؤل، والتسليم بالغيبيات دونما دلائل.

والميثولوجيا اليونانية تشهد من داخلها علي دناءة مكانة المرأة، يمكننا قراءة ذلك في كتاب أنساب الآلهة للشاعر هزيود وكذلك في مسرحيات إسخيلوس، ولتبيان ذلك لابد لنا من ذكر واحدة من أشهر وأهم القصص الأسطورية في التاريخ اليوناني القديم حتي نتمكن من تفهم جذور وضعية المرأة المتدنية.

إنها أسطورة بروميثيوس، والتي تحكي أن كبير الآلهة زيوس لم يخلق سوي جنس الذكور في البداية، والذي تبناهم  ورعاهم كان هو بروميثيوس الذي وقع في عشق البشر فأحاطهم برعايته وعنايته وكان مشفقًا عليهم من برودة الطقس فقرر سرقة قبس النار من جبال الأوليمب والتي كانت مقتصرة في ذاك التوقيت علي استخدامات الإله زيوس فقط، وقام بروميثيوس بإعطاء النار للرجال حتي يتمكنوا من التدفئة ومن طهي اللحوم، غضب الإله زيوس كل الغضب من بروميثيوس وقرر عقابه بربطه بسلسلة من الحديد شديدة القوة علي شجرة بحيث أن نسر عنيف يأتي كل يوم ويأكل كبده في النهار التي سرعان ما تلتئم في الليل حتي يعاود النسر أكلها من جديد، عذاب أبدي لا يحتمل تم توقيعه علي بروميثيوس الذي ندين له نحن البشر بتعليمنا الفن والفكر والحضارة حسب الأسطورة.

وبتلك الطريقة انتقم زيوس من بروميثيوس لكنه لم ينتقم بعد من جنس الذكور الأرضيين بعد، فتخيل ماذا تفتق ذهنه بعقاب؟

قرر زيوس خلق الأنثى " باندورا" حاملة بداخلها كل أنواع الشرور والخبث والحقد ودمجها بمجتمع الرجال! ومنهما تم تناسل كل القبائل والأجناس البشرية الشريرة والمتوحشة، فكان ذلك أقسي عقاب للرجال!

تلك هي الأسطورة التي ارتقت لمرتبة دينية إغريقية، والتي لم يستطع الفلاسفة الكبار أن يخرجوا من عباءتها فقرروا تقنينها بأفكار فلسفية وسياسية تكرس كراهية ودناءة المرأة.

ونحن الآن بعد مرور ما يقارب الثلاثة آلاف عام من تلك الأساطير؛ هل ابتعدت نظرتنا للمرأة عن تلك النظرة اليونانية؟ هل اتخذت المرأة في عقولنا مكانتها المستحقة أم ما زالت ترزخ تحت وطأة النظرات الدونية الكريهة؟ هل حقًا أكرمنا نساءنا أم ما زلنا نعتقد أن المرأة ما هي إلا جسد بلا عقل كما كرس لذلك فحلنا الشعري الأبرز نزار قباني!

هل يمكننا قلب المعادلة الرياضية (للذكر مثل حظ الأنثيين ) إلي معادلة إنسانية للأنثى مثل حظ الذكر من الاحترام والتقدير والمكانة!
 

Dr.Randa
Dr.Radwa