الجمعة 19 ابريل 2024

حديث النفس.. قل لي إنها الأخيرة

مقالات19-11-2021 | 21:00

الليلة الأخيرة.. القول الأخير.. اللقاء الأخير.. الألم الأخير.. عساه أن يكون.. كل أخير فى حياتنا ألم نودعه.. فحينما ترحل لن تأخذ معك شيئًا.. قد تحمل حبى ودموعى وتترك حزنى وفرحى لأنك كففت عن ألمى.. فكم قسوت على نفسى لأجلك.. وإن سألتك الرحيل فلا أسأله نفسى فلربما أنت الأقوى منى بعدما سئمت الشكوى منك لك.. فلتكن اللحظة الأخيرة بعدما حل موعد دفن حبك.. لتكن الدمعة الأخيرة لتنقى روحى وتطهر قلبى من عشق وجرح بأمنية أخيرة ألا يعود!! 

أحببنا لنخرج من حالات العزلة وحتى لا نصاب بالوحدة.. ولكن أصابنا الوجع والألم بعدما تحول لكره أو قتل فى علاقات أصابها التذبذب والاشتراطات بدوافع الأنانية والتملك للوصول لنشوة هى فى عمر الحب لمحة أو كلمة عابرة فى رحلة اللذة القصيرة لتحمل تلك المفردات الموجودة فى كل علاقات الحب بين الرجل والمرأة فى معادلة صعبة، قد تصل لأن تصبح مستحيلة لتحقيق السعادة النسبية بما تحمله رغبات السيطرة والتحكم والحصول مقدما على المقابل فى رحلات من الكرّ والفرّ بين الرجل والمرأة التى لابد أن تملأها عذابات وانتكاسات تلعب طبيعة الجنس البشرى دورا أساسيا فيها؛ لتتشكل فى صور من رحلات الصياد والفريسة والتضحية والإيثار والتنازلات.. وقد تأخذ أشكالا من التملك والإفناء النفسى حتى تنجح هذه العلاقة.. أو قد تصل لمرحلة من النضج يلعب عامل السن عنصرا أساسيا بها ولكن لا تغيب المنغصات والآلام التى قد تصل لأن يحاول طرف أن يقترب على حساب هويته فيفقدها أو يقضى على هوية الطرف الآخر التى بدورها تؤدى إلى تلويثها وتشويهها.

هى رحلة قد يكون اللقاء الأول بها عنوانه الصدفة أو السعى الحثيث لإيقاع الطرف الآخر.. وينتهى الأمر عند ذلك الحد حتى أنه ما إن امتلكه وشعر أنه تحت السيطرة ما يلبث أن يمارس عليه سطوته.. وهنا لا يفرق كثيرا من الطرف المسيطر أهو الرجل أم المرأة.. لأن الصورة الذهنية الخاطئة دائما ما تتجه لوجوب تغليب شخصية الرجل للطبيعة الشرقية وقوامة الرجل، على الرغم أنه فى بعض من الأحيان يكون صاحب الكلمة العليا فى العلاقة المرأة حتى وإن كان بشكل غير معلن لأن المرأة تعمد منذ بداية العلاقة على إخضاع الرجل والسيطرة عليه على أساس أنه من السهل إرضاؤه وحتى توددها إليه يكون على سبيل السيطرة والتحكم عن بعد، لكنه مقصود ومتعمد على أساس أن الرجال ليس لهم أمان ومنحهم الشرع تعدد الزوجات.. فكيف إذن أن تترك المرأة للرجل الحبل على الغارب أو حتى تسمح له أن يفكر فى التعدد.

ومع ذلك هناك نساء من السذاجة أو السلبية ما يكون مفعولا بها فى العلاقات العاطفية أو الزوجية نظرا لطبيعة التربية التى تربت عليها المرأة فى أسرتها، والتى أتصور أنها بدأت تندثر مع وجود المشاركة فى تدبير أمور البيت وإن حاول الرجل السيطرة فيكون بشكل خبيث بأن يحرمها من استقلالها المادى ليضمن تفوقه الهزيل وكلها ألاعيب لم تعد غافلة عن المرأة.

حتى أننا فى تربيتنا للفتاة دائما ما نقول لها كونى قوية مثل الرجل.. عليك تحمل مسئوليتك بنفسك، فلا أمان للزمن أو للرجل، وإن نجحت فى استيعاب مثل هذه الأمور فإنها تقوى ولا يستطيع أحد أن يكسرها.. لكن فى حالات كثيرة يفتقر طرفا المعادلة للتساوى فيخضع طرف لآخر وقد يميل لدرجة الظلم والجور.. وقد يستمتع بتعذيب الآخر ووضعه تحت الضغط طوال الوقت حتى يضمن ولاءه وسيطرته عليه.. هو صراع التحكم والسيطرة والاحتياط لمقاومة التغيير والفرار الذى إن حدث لابد وأن يكون دون خسائر.. وهنا أتحدث عن نقاط تحول فى ديناميكية العلاقة بين الطرفين إما أن تؤدى للسكن والمودة والرحمة أو لإنحراف العلاقة أو فشلها بسبب غياب الوضوح والشفافية فى معرفة الحقوق والواجبات.. والتى تتعرض لمراحل متعددة من التضخم النفسى والعقلى بسبب ما أصابها من حالات التشبع من الهموم والمشكلات.. صحيح هناك خلافات فى أى علاقة، ولكن هناك علاقات قد يتحول فيها لطرف متردد وآخر مغرم.. وقد يصل الألم بالطرف المغرم لأن يتم استعمار روحه ونفسه وقلبه حتى تصل معه الرغبة فى التحرر لحصوله على الاستقلال.. وقد تتحول أنفسنا إلى هدايا لبعضنا البعض ليفقد كل يوم جزءا من كيانه وذاته وبمرور الزمن يجد نفسه إنسانا آخرا لا يعرفه ولا حتى يتمسك به الطرف الآخر.. وكم من حالات عديدة سعى أحد الأطراف بعد انبهار وإعجاب شديد ورحلات من التودد وتقديم قرابين الطاعة حتى يفوز بقلب محبوبه، الا أنه  متى استحوذ عليه حطمه بقائمة المسموحات والممنوعات، على الرغم أنه كان دائما يقول لنفسه إنه جوهرة ثمينة، لكن ما لبث بعدما تملكها حتى حطمها بكل قيود الأنانية، وقد يفيق الطرف المرغم الذى أصبح لا يسعده مثل هذا الحب الخانق ويطلب الرحيل حتى يحرر نفسه ويكمل حياته بما تبقى منه على الرغم من الجرح وقوته فإنه يقسو ويقسو لنصبح محتاجين للألم حتى تقسو قلوبنا.

 فقد يكون الألم دافعا للحياة ودافعا للموت، وهذا ليس بالأمر الغريب فإن تألمت نفسك وكرهت هذا الحب قد تتمسك بالحياة أكثر فتتجرع الدواء المر لتحصل على الشفاء، وهنا أنت فررت من الموت للحياة بشكل جديد، فلولا الألم ما كنت تمسكت بالحياة.. وقد يدفعك الألم لليأس والإحباط فتطلب الموت وتتمناه، وفى كثير من الاستمرار فى العلاقات المشوهة والمؤذية تكون الرغبة فى الانسحاب غير مسموح بها، فيفضل الشخص الموت عن الاستمرار، لكنه بالموت طلب حياة فى تصوره أن بها الراحة وهذا ليس جائزا فما خلقنا الله لنعذب أنفسنا، فقرار الانفصال والرحيل لابد وأن يكون حاضرا مثل قرار الارتباط.

أى علاقة تتعرض لهبوب رياح التغيير، فلا توجد علاقة من المتانة لا تتعرض لعوامل الاختبار والابتلاء فتتعرض لأخطاء أو تشوهات قد تصل من الجرم الذى لا يصح معه الغفران أو النسيان، وقد تصل للشرخ أو التجريح ما يحاول معه الطرفان أو حتى أحد الطرفين التغاضى للاستمرار الذى لا يحدد اعتباراته سوى هو سواء كانت معلنة أو خفية.

فكثير من العلاقات ما تجتمع فيها كل عوامل الفشل من البداية.. علاقات قصيرة حددها الطب النفسى حسب طبيعة أطراف العلاقة، أبرزها أن الرجل لا يميل لتحمل المسئولية، وأنه يهرب تحت مسميات عديدة كلما اقترب منها، وعلاقات أخرى تحمل عوامل فشلها بعد إصابتها فى مقتل مثل الخيانة التى أتصور أنها تبدأ بمجرد التفكير.. وما أكثرها فى وقتنا الحاضر وخاصة فى ظل العالم الافتراضى الذى تسبب فى كثير من حالات الخيانة الزوجية.. التى تعتبر أكثر المعضلات التى تؤثر على استمرار العلاقات الزوجية.. فيتعلل من قام بها بأسباب مهما تعددت فهى واهية؛ لأنه الأفضل أن يكون سلوكه من الفروسية ليواجه الطرف الآخر وينسحب دون أن يتسبب فى جريمة الخيانة التى تحطم قلب وكيان الطرف الواقع تحت طائلتها، ولا يصلح معها أى محاولات التكفير على الرغم من أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له إلا أن المرأة لا تغفر لزوجها هذا الجرم مهما حدث.. فالنسيان لا يأتى أبدا مع كل ذكرى سيئة، فالإنسان يستمتع بمعاودة تذكر آلامه ووجعه حتى أنه يندم كثيرا على أوقات السماح، ولو عاد به الزمن لن يسمح بها ليس لأن الشخص المخطئ لم يتغير ولكن لأن طعنة القلب لا غفران لها.. هى حزن دفين فى القلب.. ولو استكمل الطرف المطعون حياته مع الطرف الخائن تكون على أساسه طوال الوقت.. على الرغم أن الرجل سريع النسيان وقد ينسى أصلا أنه خان ويتوقع أن تكون المغفرة الظاهرة حقيقية، ولكن المرأة لا تنسى من طعنها فى قلبها.. وقد تتمنى أو تطلب فى حينها أن يكون هذا اليوم هو الأخير حتى وإن لم يحدث لكنها رغبة ساكنة فى قلبها أصابت كبرياءها وعزة نفسها وقد تصل للانتقام وقد تعفو ولكن تعيش فى حزن لأن الله خلق فى أنفسنا أن نغار على من نحب ونرغب دائما أن يكون لنا وحدنا ولا نسمح أن يشاركنا فيه أحد.

وقد تصل درجات الغيرة لأن تقيد الطرف الآخر فيصبح ملاحقا طوال الوقت على الرغم أنه شكل من أشكال الحب قد تسعد به المرأة.. أما الرجل فهو مخلوق مطاطى يريد الحرية كى يخرج ويتأمل ويتقوقع ويعود بكامل حريته وإرادته.. فهناك من النساء من تغفلن حالات الانسحاب الذكورية فلا تؤمن بهذه الدورة.. ولا أعنى بها جولات من التنزه والخيانة، لكن هذه الجولة بالنسبة للرجل يريد أن يشعر فيها بالاستقلال والقوة وأنه أحب بكامل إرادته واستمر وعاد بنفس القوة.. وكثير من النساء من يعكرن صفو هذه الحالة ويتهمونهم بالفتور فى العلاقة والبعض الآخر من تستوعبه عن ثقة بالنفس وقوة شخصية.. فلا تذلل فى الحب أبدا.. فمن أراد فليأت حتى يصبح الحب فى أكمل درجات القوة.

وقد نحتاج للهروب الصامت أو الخروج دون ضجيج من علاقات بالفعل أصبحت عبئا علينا، ولكننا لم نتحل بالشجاعة والمواجهة حتى نلقى الكلمة الأخيرة.. وعلى فكرة كثير من الرجال من يفضلون الهروب والاختفاء وكأنهم كانوا عابرى سبيل حتى أنهم يضنون بكلمة وداع.. قد يستمر الطرف الآخر بعده مهتزا نفسيا لا يعلم أى ذنب اقترفه حتى لا يودعه الوداع الأخير.

وليس معنى ذلك أن كل علاقات الحب على هذا النحو، فهناك من علاقات الحب من يحيا أصحابها فى سعادة بل يطلبها الإنسان ويسعى لها بذاته المنقوصة التى تكتمل بتوأم الروح التى تضيف لها جمالا ورونقا وبهاء.. كم هو جميل أن تجد من يحنو عليك ويقترب منك ويحبك كما أنت.. ويراك فى كل مرة كما لو كانت أول مرة بنفس درجات الإعجاب والانبهار.. كم هو جميل أن يستمر الشوق والعناق الذى يلامس الضلوع فيشفى الروح ويملأ القلب سكينة ومودة وأمانا.. كم هو جميل أن تجد المرأة فى الرجل الزوج والأب والأخ والسند ويجد الرجل فى المرأة الزوجة والأم والأخت والصديقة.

 كم هو جميل أن ننسحب من بعض من قوتنا فنتنازل عن جزء منها ليشعر الآخر بقوته، فلا يقلل من قوتك شيئا بل يجعلك فارسا لا تنازع من هو أضعف منك ليجعل المسيرة تكتمل.. كم هو جميل أن يكون اللقاء الأخير والتنهيدة الأخيرة والدقائق الأخيرة لقاء يعقبه لقاء وليست طلبا لوداع لتلتئم الجروح.. ليكون كل أخير لنا ألما نودعه وليس حبيبا أو صديقا فنحتضن بعضنا بشدة لتكون للذكرى معني.. فليكن لقاء آخر وليس أخر عنده لا يكون الحب لعنة وخطيئة وجب أن ينتهي.