الأربعاء 17 ابريل 2024

حديث النفس.. نحن لا نصنع الجديد

مقالات13-11-2021 | 21:56

قد تنقطع أنفاسك ويتوقف قلبك ظنا أنها النهاية وتفاجأ بأنها بداية جديدة.. قد تقابلها بأنفاس وضربات قلب متصارعة متسارعة فتكتشف أنها بداية جديدة.. فكثير منا ما يظن أنها نهايات لكنها بداية قد تصنع الجديد.. فأعيننا دائما على النتائج وترتبط النهايات لدينا بالخسائر رغم أن الحياة سلسلة من البدايات تنتهى بنهاية واحدة.. مرغمين عليها غالبا لا نحضر وقت كتابتها.. وقد يرويها عنا من حضرها ونحن غائبون.. قد تشوه أو تكتب بأمانة.. قد يحالفك الحظ بنهاية سعيدة أو يعاندك بنهاية مأساوية.. لكنها نهاية دائما لبدايات مستحقة.. فلا عجب إلا من مفاجأة كلمة النهاية لفصول من البدايات فى حياتنا.. لا نعلم بها إلا بعد نهايتها.. قد نتحرك لها أو تفرض علينا قسرا ولكن أداءنا هو الذى يحقق لنا الرضا الذى قد يصل للسعادة أو عدمها فليست كل النهايات سعيدة!! فى حكايات قد نكون فيها مرغمين على بدايات ونهايات من صنعنا ومن صنع غيرنا نحتاج معها للتغيير لتقبل قانون الحياة.

 

بين بدايات قد تكون جميلة ونهايات غير متوقعة فرضت علينا، تعجلنا فيها النتائج أو تمنينا عدم حدوثها بمشاعر من القلق والخوف مع كل جديد مجهول.. تسير حياتنا فى حلقة مفرغة.. قد نعود فيها لنفس الطريق لنكرر نفس الأخطاء لنصل لنهايات قد نحاول الهروب منها فى تمسكنا بأشياء وأشخاص ظنا أنهم ملك لنا ونسينا معها قانون الحياة فى التغيير..لدىّ من الشجاعة أن أعترف أن لا أحد يصنع الجديد بكامل إرادته غير القليل، فمعظمنا إن لم يكن كلنا مكررون مقلدون نستخدم القديم لنحيا فى الجديد وكأن القديم والماضى دروع وثوابت للجديد، فتنطلق أنفسنا فى تصرفات آلية دون التفكير فى التعامل مع الجديد بأساليب وأدوات مناسبة له، فدائما نلجأ للأحكام المسبقة وكأن القديم هو واحة الأمان للنفس التى تحتفظ بالخبرات وأطواق النجاة لمواجهة التغييرات، فيحركنا الماضى فى أمور الحاضر دون أن نشعر.. فحينما تتعامل معه فيكون من منظور عقيدتك وقناعتك الداخلية الناتجة عن الخبرات التى تكونت لك على مدار سنوات ماضية التى من الممكن أن تكون عقبة فى طريق توافقك مع البيئة المحيطة فتصاب بالجمود رافضا التغيير محاولا فرض تقبلك على الآخرين.. ويصيبنا الكسل فنلجأ لموروث الماضى لنتسلح به ونستند عليه فنبحث عن الأفكار الجاهزة معبرين عن تراخى وعجز عقولنا فى تقديم الجديد فتقل القدرة على التوافق مع التغيير.. وقد تكون عكس ذلك بأن تتنازل عن جزء من الأنا الخاصة بك حتى تتوافق مع الآخرين فى صور متعددة من التضحية والتنازلات أو حتى بتفضيلهم على نفسك فى بحثك عن السعادة.. فقد تكون إجتماعيا أو مندمجا فى الآخرين لدرجة ذوبانك فيهم فتحركك آرائهم وتسيطر عليك.. أو ترفض الاندماج والمشاركة الخارجية فتصبح حبيس نفسك رافضا لكل أشكال التغيير.. المهم أن فى رحلتك مع العالم الخارجى من الرفض أو التكيف تكون العوامل الخارجية أقوى منك فلا تستطيع السيطرة عليها ويكون معيار الظفر فى الحياة معتمدا على نفس قوية تتمسك بثقتها لمواجهة التغييرات فى العالم الخارجى الذى تؤثر فيه مشاكل الأخرين المحيطة بنا.. ولكى نحقق أهدافنا يجب علينا ان نتسلح بالموضوعية مع أنفسنا فلا نظلمها أو نخدعها أو نقهرها لنحصل على الراحة النفسية.

 

والأمر الغريب أننا كلنا نمر بنفس المصاعب فى الحياة لأننا جميعا لنا نفس الاحتياجات الأساسية، وإن اختلفت الأولويات نتيجة الفروق الفردية من شخص لآخر.. فتجد الكثير منا ما يرتبط بأشخاص وأشياء فى بدايات فى الغالب جيدة ولأن دوام الحال من المحال فالتغيير أمر وارد أكثر من الثبات، فمع مرور الوقت يحدث التغيير الذى يسبب الخذلان لأحد الطرفين فيحاول معه المستحيل برفض هذا التغيير الذى يسبب النهاية لهذه العلاقة التى يرفضها محاولا استمرارها دون جدوى مما يفرض نهاية لوضع وبداية جديدة بدوافع عديدة.

وقد نرفض النهايات بدوافع وأسباب منها التعود أو الخوف من الفقد والذى يفرض بطبعه علينا بدايات جديدة تتعارض مع هويتنا الداخلية التى اعتادت وارتبطت بأوضاع معينة حتى ولو كانت مصدرا للألم الذى يصل لدرجة إدمان هذا الألم لأنه أصبح جزءا من هذه الهوية.. بل اكثر من ذلك فقد يجد المتعة فيه!! بدليل وجود شخصيات نكدية وأخرى كئيبة تجد المتعة فى المشاعر السلبية!!

وقد تدفعنا رغبات السيطرة والتملك فى الرغبة فى استمرار هذه الأشياء.. فنجاهد ونحاول الإبقاء عليها رافضين بدايات جديدة تصحب معها تجارب جديدة قد يكون الخوف من الفشل أو بمعنى آخر وهم الفشل الذى يسيطر علينا لدرجة مقاومة أى تغيير ينقلنا من الوضع الحالى بوهم الشعور فيه بالراحة، وإذا ما فرضت علينا نهايته قد يمثل أمرا شاقا على الرغم أنه قد يتحول لنهاية جيدة، فكثير من أمورنا لا تنجح إلا إذا أجبرنا عليها وقديفجر هذا الإجبار طاقات إيجابية فى أنفسنا لم نكن نكتشفها إلا بعد أن نتعرض لضغوط تستنهض الرغبة فى التحدى والبقاء، لم يكن الشخص نفسه يتوقع أن تكون داخله.. وقد يكتشف بعد فترة أنها بداية جديدة أفضل من سابقتها التى كان يتمسك بها وأنه استجمع قواه فأصبح إنسانا جديدا لم يكن يتوقعه.. فيكون التحول قدريا يدفعنا لطريق جديد ونجاح جديد.

 

وقد تصل شدة تمسكنا بأناس وأشياء لأننا لا نتقبل الحياة بدونهم حتى ولو تسببوا لنا فى معاناة قد تصل لإصاباتنا بالاكتئاب أو العزلة الاجتماعية والعاطفية بفرضهم قيودا تسبب الأذى لأصحابهم يتحولون معهم إلى سجناء لأشخاص يمنحونهم الحياة ويمنعونها عنهم..مما يستوجب وجود نهايات لهذه العلاقات المدمرة.. وفى الغالب هذه النهايات تأتى سريعا لأنها بدايات لا تدوم كثيرا لأنها تصاحبها رحلة من التخلى عن ذات صاحبها وكبريائه وتنتهى بموته نتيحة لسلسلة لا نهائية من الممنوعات المفروضة عليه!! أو تنتهى إذا امتلك صاحبها إرادة قوية لينتزع نفسه من قيود ظلم بها نفسه.. فأى قيد هذا الذى تمنحه لغيرك ليتحكم فيك ويسلبك إرادتك الحرة؟!

فنحن دائما نتقبل من يشبههنا ونرفض من يختلف عنا أو من هو أفضل منا بدوافع من السيطرةوالتحكم غير المبررة، فنتمسك بأنفسنا دون تغيير ونحاول السيطرة والتمسك على من حولنا رافضين الحرية لغيرنا.

ونرفض التخلى عن الأنانية والتغيير والانتقال لعلاقات قد تكون أفضل إذا ما تحول فيها الآخرون لشركاء بالفعل وليسوا أتباعا لنا.

وقد تصل درجات السيطرة لدرجة أن يكون التغيير من أجل الآخرين فتفضل الآخرين على نفسك فتظلمها بسبب خوفنا الدائم من حكم الآخرين علينا ونظرتهم لنا أو فقدان حبهم فنتقبل ما لا يمكن أن نتقبله.. فكلما نضجنا تقبلنا الآخر وأصبحنا تواقين للحرية والاعتزاز بحريات الآخرين فتنتقل فى علاقات متوازنة سلسة من البدايات فى تقبلنا لقانون الحياة فى التغيير والتقبل والتعامل مع هذا التغيير.

فلاتسمح لأحد أن يأخذ منك غير ما سمحت له به.. فإن أعطيت فأعط باعتدال وتوازن حتى لا تفقد نفسك.. وإن أخذت فلا تلتهم من تأخذ منه.. فيزداد احترامك لذاتك وثقتك بنفسك بالترفع والسمو والقدرة على الاستغناء عن أشياء نحتاج لأن نرحل عنها لبدايات جديدة فى علاقات أكثر احتراما للخصوصية والحرية.

وقد تحتاج البدايات الجديدة للمغفرة حتى تصل للقوة النفسية التى تجعلك تتجاوز الماضى وتضع نهاية له.. ولكننا فى حياتنا لانستطيع أن نبتر الأحداث الماضية مهما كانت موجعة من ذاكرتنا فقد نحيا الحاضر بذاكرة الماضى فتتحول نفوسنا لمتحف للأمور البالية إذا ما سجنا أنفسنا فى هذا الماضى حتى ولو كان جميلا نرفض معه أى حاضر قاس.. لكننا نحتاج دائما أن نتجاوز جراح الماضى بشيء من المغفرة الذى يجعلنا لا نفكر فيها لأننا متى احتفظنا بنفس الجرح والهم والرغبة فى الانتقام فإننا حتما لا نستطيع أن نبدأ من جديد.. فتكون المغفرة بشكل لا يسمح لنا أن نحنّ للماضى،وننكر الأخطاء التى وقعت من غيرنا فى حقنا وإلا عدنا لنفس النقطة التى كنا عليها فنكرر نفس الأخطاء التى وقعنا فيها لأن سماحنا بالخطأ فى حقنا كان جزءا أصيلا من خطأ الآخرين.. ومهما كانت هذه النهاية إجبارية أو اختيارية، فالمفروض أن صاحبها اتخذ قرارا لبدايات جديدة أفضل لنفسه بعدما وصل للحكمة والثقة بالنفس واحترام الذات الذى يدفعه للتغيير للأفضل.

 

وتظل الصعوبة دائمًا عنوانًا للبدايات الجديدة، ولكنها تكون من الروعة وقوة الإرادة التى تكون بتحول الإنسان لحياة أفضل يكون فيها متصالحًا مع نفسه يقضى فيها على الصراع الذى يعانيه فى معصية الله ليعود للفطرة السليمة ومنها التوبة التى تتجلى فيها كل معانى الإخلاص للنفس ولله عز وجل، ولا تتعجب فإن الإنسان يجاهد نفسه وشيطانه ليصل لطريق الهداية والصلاح على الرغم من أن الله سهل هذا الطريق لكل العصاة والمذنبين فليس هناك معاص ولا ذنوب لا يغفرها الخالق بالندم والاستغفار والثقة فى أن الله يغفر الذنوب جميعا التى تمنع الإنسان من اليأس والإحباط، ويظل الإنسان فى تحد مع نفسه فى بداية تستلهم نهاية رائعة تتخللها مرحلة انتقالية ينتزع فيها نفسه من أمور اغتصبتها مهما طالت المدة أو قصرت لكنها رحلة الحياة التى نتعثر أو نسقط فيها ومن يرحمه ربه يجعله ينهض ليكتب له نهاية جديدة سعيدة.

 

تستمر تجارب الحياة ونحن أبطالها فى بدايات ونهايات.. كل منا يريد أن يأخذ أجمل ما فيها.. نبحث عن السعادة ولا نحققها وقد تأتى إلينا دون أن نبحث عنها.. وقد ترحل دون أن نشعر بها إلا بعد رحيلها.. نراقب بعضنا البعض.. تؤثر مشكلاتنا على آخرين بذنب أو بدون ذنب.. هى حلقات الحياة التى نعتمد فيها على بعضنا البعض فى سلسلة من البدايات والنهايات.. ليست كلها سعيدة، لكنها حتما آتية فلا بداية دون نهاية.