الجمعة 19 ابريل 2024

حديث النفس.. الجمال سعادة وشقاء

مقالات8-11-2021 | 22:34

دائما نبحث عن الجمال المنشود المرتبط بقيم مطلقة.. فنحيا متعبين من البحث.. فنبحث عنه خارجنا.. فى أشياء حولنا.. فى غيرنا.. فهل يا ترى نبحث عن أشباهنا أم نقائصنا؟!.. فنبحث عن السعادة المستمرة فى جمال دائم.. فى رفض مستمر لمصيرنا والحادث لنا.. فنبحث عن الأفضل والأحسن.. لأننا باحثون عن الراحة ونكره الألم.. فننظر لشيء واحد من جوانب متعددة.. منا من يحقق جانبا من سعادة وآخر ما ترتقى نفسه لماهية الشيء نفسه الثابتة عنده وعند غيره.. نتعامل مع الأشياء بأحاسيسنا ومشاعرنا.. فتبدأ رحلة الجمال والسعادة من داخلنا لنراها حولنا.. وأما أن تسمو روحنا بقيمة الجمال المطلق أو تتدنى لتتحول لشيء من إشباع شهواتنا وتملكنا الذى يزول مع الزمن... فرحلة البحث عن الجمال الدائم والسعادة الدائمة رحلة مستحيلة.. فتصبح رحلة البحث عن الجمال إما سعادة أو شقاء!!

 

على الرغم أن كلمة الجمال كلمة معقدة إلا أن الاهتمام بها كان ولا يزال بالغ الأهمية على مدار العقود الطويلة التى مرت بها الإنسانية.. فالبحث عن الجمال فطرة إنسانية.. فالإنسان بطبعه ينجذب للجمال ويعجب به سواء كان ظاهريا أو داخليا فالمعيار الذى يحدد الانجذاب له واستمراره هو الإنسان نفسه.. فالإنسان يحمل مشاعر وأحاسيس وخبرات عديدة صحيح نحن متشابهون فى العديد منها لكن الاختلاف مازال موجودا قد تلعب البيئات والثقافات المختلفة دورا فيه.

لكن ما من شك أننا كلنا نشعر بالراحة والسعادة نحو كل شيء جميل حولنا نتحرك لاشعوريا نحوه وقد نصل للقيمة الجمالية إذا ما توازنت الحالة الشعورية واللاشعورية معا.

 

ونختلف فيما بيننا فى أمور يراها البعض جميلة والآخر يراها عادية.. لكن فى تصورى هذا الخلاف لا يرقى لدرجة القبح فشتان بين الجمال والقبح وقد يلعب التعود على هذا النموذج دورا حتى أن البعض إذا ما قارن بين أمرين قد يشعر بالفرق لكننا مازلنا نتحدث عن الشكل.. فنتعب أنفسنا جميعا فى الظهور بشكل جميل ومنسق كل حسب مقدرته المالية..نبحث عن مقاييس الجمال المتعارف عليها فتبحث المرأة عن مقاييس الجمال فى عيون الرجل ويبحث الرجل عن مقاييس الوسامة فى عيون المرأة.. ولا عيب فى ذلك أو خروج عن المألوف فكلنا يبحث عن الحصول عن الإعجاب حتى يستمد الثقة بنفسه التى قد تشعره فى بعض الأحيان بالتفوق والكبرياء، وقد يحقق مكاسب من خلالها ولا يوجد أى إنسان يرفض هذا الإحساس وقد يفشل فى الحصول عليه لكنه يتمناه فى داخل نفسه لأنه يشعره بالراحة والسعادة ويتمادى الإنسان فى استمرار هذا المكسب لما له من سطوة وسلطة على قلوب الآخرين.. هى النفس البشرية التى تريد أن تحصل على كل شيء وهى فى طريقها لهذا الأمر تفعل الكثير والكثير حتى أن لم يكن لديها أدواتها للحصول عليها.. وقد تمنح الطبيعة الإنسان هذه الأمور وتجعل مجهوده فى جذب الانتباه والإعجاب بسيط ولكن التعود على الشعور به يجعله فى شقاء خوفا أن يفقده فى أى وقت مما يجعله فى رحلة من الشقاء للحفاظ على هذا المكسب الذى يذبل مع مرور الزمن لكننا كثيرا ما نعاند.. ومنا من يكون من الفطنة حتى يتحول إدراكه لقيمة الجمال وهنا نقصد الجمال الداخلى الذى أكد الفلاسفة أنه الجمال الدائم، ولكنه يحتاج لنفس متأملة وعالية تبحث عنه لتتذوقه وتمنحه قدره.. فقلما يتجاور الشكل مع المضمون.. فالمضمون أمر مخفى يحتاج للبحث والتأمل والفهم الهادئ الذى يستوعبه بإحساس رائع.. فيهذب النفس وينطلق لقيم أعلى.

 

قد يتجسد بعضها فى أشخاص أو أشياء وقد تنطلق للكون والطبيعة الأرحب فى رحلة التأمل ليصل صاحبها للخالق المبدع الذى خلق هذا الكون فأحسن خلقه وخلق الإنسان فى أحسن صورة ما شاء ركبه.. فدائما ما نقول «الله « على كل جميل حولنا.. هنا تتأصل قيمة الجمال فى كل شيء حولنا من مخلوقات وإعجاز فى الكون والطبيعة.. شرط أن تنطلق هذه الأحاسيس والمشاعر من داخل أنفسنا.

و نتساءل هل كل إنسان لديه الإحساس بالجمال والشعور به؟! فى الحقيقة على الرغم أنها فطرة إنسانية لكن منا السطحى ومنا المتعمق المتأمل على الرغم من أن ماهية الأشياء ثابتة، لكن نظرتنا لها مختلفة فمنا من ينظر بقدر انتفاعه منها ومنا مايرى فيها جمالا.. كما قال الله تعالي:» ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون» فمن خلال شعور وإحساس الإنسان يصل للجمال الكامن والجوهر الثمين الذى قد نحصل عليه من تجاربنا الإنسانية فى الحياة.. التى قد تصل مع النضج الإنسانى لمكانة «الحب الإلهى»، الذى خلق كل شيء جميل.

 

وقد تصبح نفسك مبدعة.. وهنا الحديث عن الفنون فداخل كل فنان نفس تتذوق الجمال وتريد أن تعبر عنه فى لوحة فنية أو عمل فنى موسيقى أو كتابى أو أى شكل من الأشكال.. قد يحاول الفنان أن يرسم صورته الذهنية للجمال التى قد يتذوقها أو لا يتذوقها المتلقى لأننا مازلنا نختلف فى رؤية هذا العمل الفني.. فقد يراه البعض مبدعا والآخر عادى لم يتأثر به..من خلال رؤى مختلفة تتراوح ما بين الظاهرية والباطنية فتشبع أمورا مادية قد تصل للإسفاف أو الانحطاط أو ترتقى لقيمة جمالية سامية.. ولا تتعجب فهناك نماذج من الجمال البشرى تقدم لك بشكل فج قد يصل للتوحش فى أعمال فنية عديدة قد ترفضها نفسك على الرغم أن جمهورها موجود، ولكن ليس معنى وجوده أنه النموذج المثالى فهذا النموذج يبحث عن النشوة المادية وهذا عمر قصير للجمال يزول ولا يبقى ويستمر التأمل الذى يتذوق الجمال فى معناه الشامل والواسع الذى يرتقى بمشاعرنا وأحاسيسنا فتحول نفسك إلى نفس عالية لا تنكر إشباع رغباتها الإنسانية العادية لكن أولوياتها اختلفت فهى ترى دائما أن الروح العالية والفعل الحر والشعور المرهف فى تذوق القيمة الجمالية للأشياء والأمور وهذا هو الجمال الدائم لأن عمره اطول من عمر الأشياء التى تذبل وتموت وقد يصل الإنسان لهذه المرحلة عندما يبلغ النضج الإنسانى مداه.. إذن إحساسنا ومشاعرنا تحتاج للراحة حتى ترى ما حولها من جمال ولسنا فى هذا الترف جميعا فالبعض منا تهاجمه هموم وأهوال الحياة التى قد لا تعطى له الفرصة لمراحل التأمل والتذوق الجمالى فترى عوامل خارجية تهاجم نفسك طوال الوقت وقد تقاومها وقد تستسلم لكن بحثك المستمر عن الراحة والسعادة هو الذى يجعلك لا تنتظر أن تمنحك الفرصة بل تبحث أنت عنها وقد تمنح أنت الأشياء صفة الجمال إذا ما منحتك إحساسا بالراحة والإشباع وتقترب من اللذة.. وتستقبح الأشياء الذى عادة تثير فيك النفور والضيق وتستدعى لديك الألم.. إذن إحساسنا بالجمال والسعادة والشقاء عملية مزاجية قد نكون مهيئين لها فتجذبنا أبسط الأمور لأننا أخذنا القرار أن نسعد أنفسنا وقد تكون من الصعوبة حتى تشترط حدوث أمور عظيمة تحقق لنا الراحة والسعادة.

لكن المؤكد أننا إذا ما حصلنا عليها فإننا دائما نرغب فى استمرارها وبقائها لأنها حققت لنا مكاسب نرفض الاستغناء عنها.

 

ونختلف فيما بيننا فى النظرة الجمالية، لكن يا سبحان الله متى تتحدث عن الجمال حتى تنطلق الصورة الذهنية لدى العديد لدينا فى صورة «المرأة» حتى أن إله الجمال عند القدماء كان «امرأة» بمقاييس ومواصفات معينة تحرص المرأة دائما على الحصول عليها وإخفاء المعتاد من العيوب وترفض عوامل الزمن الذى يدفع هذا الجمال للذبول، فلا أحد يكره المرأة الجميلة التى وصف حضورها علماء النفس بالمخدر الذى يسيطر على قلب وعقل الرجل فتحصل على السلطة والمكاسب الذى قد يكون له من السلبية فكثيرا من الرجال من يصبحون عبيدا لبعض النساء دون أن يشعروا ولا أنكر بحث الرجال عن الوسامة والحضور اللافت، ولكن من أجل الحصول على اهتمام المرأة التى ما من حصلت عليه حتى تحصل على مكاسب لنفسها فنجاهد ونحاول الإبقاء على حالة جمال أجسادنا ووجوهنا الذى قد يصل لأن يكون كل رأسمال البعض منا ونرفض زحف السنين وتجاعيده.. لكن لا محالة حتما سيذبل لأن الشيخ الشكلى يتبعه ما يتواءم معه من الشيخ النفسى فليس صحيحا أن تظل الروح شابة لأن الروح حتما تتأثر بأمراض الجسد وضعفه ووهنه لكن ممكن يتبقى لك حلاوة روح حتى أن البعض يذهبون لجراحات التجميل لتصل لمرحلة أن تكون مثار سخرية المحيطين بهم فتتحول رحلة الجمال لشقاء.. لكن إذا كانت نفسك جميلة محبة للخير الكلى والحق الكلى فعلا ستصل للقيمة الجمالية التى جمعت بين الحق والخير والجمال.. صحيح الجمال نسبى فى عيون الناس لكن الجمال المطلق فى الخير المطلق والحق المطلق هو«الحب الإلهي» الذى يحمل نفسا عالية وعقلا قويا سعادته دائما فى الرضا والإنجاز والنجاح.. يعلم حقيقة رسالته فى الحياة.. فجمال الطبائع الإنسانية هى ما تستحق الأشياء الجميلة.. وترى الجمال فى نفسها وفى كل أمر خلقه الله فى أحسن تصوير حولنا.. فتصبح نفسك مطمئنة ووجهك مشعا بالنور الإيمانى لأنه حتما سيزيد ثقتك بنفسك بعدما غمرها الحب الإلهى بخالق قادر.. قدر كل شيء وأحسن خلقه.. فالجمال لله فإن أحببت الجمال فإنك أحببت الله خالق الجمال فى علاه سبحانه وتعالي.